تعويم الجنيه السوداني: تخبط في السوق الموازية مع تراجع الطلب

27 فبراير 2021
تزايد الإقبال على المصارف في الخرطوم (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أدى تعويم الحكومة الانتقالية السودانية الجنيه في محاولة للسيطرة على السوق الموازية للعملة، إلى تراجع كبير في حركة تداول العملات في أسواق الخرطوم، وسط الزيادة الكبيرة في حجم المخزون من النقد الأجنبي مقابل تراجع الطلب، إذ يتخبط تجار العملة أمام رغبة الحكومة في إنهاء السوق السوداء، ويحاولون اتباع سياسة "النفس الطويل".

وقال تجار عملة في السوق العربي في الخرطوم لـ "العربي الجديد" إن غالبية التجار من أصحاب المكاتب وصغار التجار أيضاً، توقفوا عن البيع والشراء منذ بدء التعويم الأحد الماضي. هؤلاء يتوقعون عجز الحكومة عن مقابلة الطلب العالي على العملات الأجنبية من خلال القنوات المصرفية، مراهنين على عودة الحاجة إلى السوق الموازي، معربين عن ثقتهم في معاودة نشاط السوق مرة أخرى.

ولم يستغرب تاجر عملة في حديث مع "العربي الجديد" ما أطلق عليه صفة "الهجرة العكسية" والانحراف الكبير للمواطنين من التداول في السوق الموازي، واتجاههم نحو المصارف السودانية منذ تطبيق قرار التعويم وتوحيد سعر الصرف.

واعتبر أن السبب يعود إلى الفارق الطفيف في سعر الدولار ما بين السوق الموازي والمصارف. حيث بلغ سعره في السوق الموازي 380 جنيهاً للبيع فيما تم تحديده في المصارف عند 374 جنيهاً، ما شجع الكثيرين على التعامل مع المصارف وتسبب في زيادة حجم الوارد اليومي من النقد الأجنبي في المنظومة النقدية المنظمة، إلا أنه لم يفقد الأمل، من عودة النشاط إلى السوق الموازي.

وقال تاجر آخر في السوق إن التجار يترددون حالياً في البيع والشراء خوفاً من الحملات الأمنية التي تدهم السوق منذ بدء التعويم، وأيضاً تجنباً للخسائر في حال عودة انتعاش الطلب على الدولار. وأشار إلى احتفاظ عدد كبير من التجار بعملاتهم الأجنبية إلى حين اتضاح الرؤية، لافتاً إلى زيادة أسعار الدولار بالسوق من 374 الى 380 جنيهاً للبيع، وفيما أصبح سعر الريال السعودي 92 جنيهاً للبيع و88 جنيهاً للشراء.

وشرح تاجر عملة أن ركود السوق هذه الفترة هو نتيجة بديهية بعد ارتفاع نشاط المصارف في شراء العملات الأجنبية ما أحدث زيادة ضخمة في حجم المخزون في السوق، في مقابل امتناع التجار عن العمل منذ بدء سياسة التعويم. ووجّه محافظ بنك السودان المركزي محمد الفاتح زين العابدين في اجتماعه الأخير مع مديري المصارف التجارية بتبسيط إجراءات عمل المصارف لإنجاح سياسة تعويم الجنيه.

وكشفت جولة عشوائية لـ "العربي الجديد" على بعض فروع المصارف في الخرطوم، اهتمام عدد كبير منها بمواكبة مستجدات التعويم، وتنشيط إجراءات تحويل العملات للمواطنين من الأجنبية إلى المحلية، في مقابل وجود حالة من اللامبالاة من قبل بعض المصارف، ورفضها الاستجابة لمطالب العملاء بالتحويل وعدم تخصيصها منافذ خاصة لتداول النقد الأجنبي. وأشارت مصادر "العربي الجديد" إلى رفض موظفين في مصرف عريق في الخرطوم طلبات تصريف الدولار، وذلك تحت مبرر تضاؤل حجم النقد الأجنبي لديه بسبب ارتفاع الطلب. وتكررت الحالة في فرع مصرفي آخر في وسط الخرطوم، حيث تم رفض استلام دولارات من مواطن تحت المبرر ذاته، وبعد التوجه بشكوى إلى مشرفة الفرع تم إلزام الموظف بإجراء المعاملة.

وقال مصدر مصرفي لـ"العربي الجديد" في تعليق على هذه الحالات إن "وراءها النظام البائد الذي يسعى إلى عرقلة أي برنامج تنفذه الحكومة لتبسيط إجراءات التداول النقدي من قبل المواطنين".

فيما دعت مصادر مصرفية أخرى إلى ضرورة الإسراع في حسم هذه الظواهر. وتساءلت عن السيولة المتوافرة لدى المصارف، في ظل عدم وجود آلية لدى البنك المركزي ترصد العملات الأجنبية التي يحوزها كل مصرف وحجم أرصدته، لتحديد حجم الكتلة النقدية التي تلقتها المصارف منذ تطبيق قرار التعويم وأوجه استخدامها.

في المقابل، يعاني السودانيون من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، بالتزامن مع التراجع الكبير في قدرتهم الشرائية، حيث إن قيمة رواتبهم سقطت بضربة واحدة مع إعلان قرار تعويم الجنيه، وسط مخاوف واسعة من حدوث المزيد من الارتفاع في الأسعار خلال الفترة المقبلة، وتزايد الأزمات المعيشية.

وكان سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني قد بلغ في مطلع يناير/ كانون الثاني 2020 حوالي 87 جنيهاً في تعاملات السوق الموازي، بينما بلغ متوسط سعر العملة الرسمية في البنك المركزي 45 جنيهاً للشراء و45.2 جنيهاً للبيع. ما يعني أن التعويم هبط بسعر الجنيه حوالي سبعة أضعاف فور تعويم العملة. ولطالما كان تعويم الجنيه السوداني مطلبا رئيسياً من قبل صندوق النقد الدولي، الذي حدد في سبتمبر/ أيلول الماضي موعداً نهائياً للحكومة للانتقال إلى "سعر صرف موحد وفق آليات السوق".

المساهمون