تعرّف إلى تأثيرات أزمة المناخ على حياتك: فقر وجوع وكوارث

11 نوفمبر 2021
+ الخط -

الحرائق تلتهم مساحات واسعة من الأراضي والغابات. الفيضانات تتزايد بشكل متسارع. التربة تقل خصوبة، الكوارث الطبيعية تتزايد. الحرارة ترتفع في غالبية أصقاع الأرض. الجفاف يهدد الثروة المائية حول العالم... إنها التأثيرات المباشرة للتغير المناخي الذي يضرب الأرض.

إلا أن هذه الأزمات ليست مجردة، بل ترتبط بحياة الناس اليومية، وترهق موازنات الدول المكوّنة أساساً من ضرائب المواطنين، وتزيد من كلفة الاستشفاء، وترفع أسعار الطاقة، وتؤثر على ميزانيات الأسر، وتزيد مستويات الفقر بين الناس، بل تهدد بالجوع مع تضرر الأراضي الزراعية، المخزن الأساسي للديمومة الغذائية. 

اليوم الخميس، طاول الجفاف سداً رئيسياً في شمال غربي سورية للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو ثلاثة عقود. وبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف وحرائق الغابات في كل أنحاء العالم، واجهت سورية تدنياً في مستوى الأمطار خلال العام الحالي، ما انعكس تراجعاً في إنتاج محاصيل القمح، خصوصاً في شمال شرقي البلاد التي تشهد تدنياً خطيراً في مستوى مياه سد الفرات، ما ألحق الأضرار بما بين 700 إلى 800 من عائلات المزارعين.

الشهر الماضي، أعلن مسؤول بوزارة الزراعة العراقية أن بلاده ستزرع 550 ألف هكتار قمحا ضمن الخطة الشتوية لموسم 2021-2022، بانخفاض 50 بالمائة عن العام السابق بسبب نقص المياه.

وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قالت إن أكثر من خمسة مليارات شخص سيواجهون صعوبات في الحصول على المياه، بحلول عام 2050.

ارتفاع أسعار الحبوب

ومنذ مطلع الألفية، زاد عدد الكوارث المرتبطة بالفيضانات بنسبة 134 بالمائة مقارنة بالعقدين السابقين، كما ارتفع عدد حالات الجفاف ومدتها بنسبة 29 بالمائة خلال نفس الفترة.

وتحدث معظم الوفيات والأضرار الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات في آسيا، لكن الجفاف يحصد معظم الأرواح في أفريقيا.

ويسير التضخم بأسرع وتيرة له منذ أكثر من 30 عامًا. وأحد العوامل التي تساهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو أزمة المناخ.

وخلال العام الماضي، شهد العالم زيادات قوية في أسعار القمح والذرة وفول الصويا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم والألبان، نظراً لتأثر الثروة الحيوانية. و"هناك طلب مرتفع على مستوى العالم، وظروف مناخية غير عادية في جميع أنحاء العالم، وهناك ارتفاع في تكاليف الأسمدة وأكثر من ذلك بكثير"، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".

ويواجه العالم حقبة جديدة من الزيادة السريعة في أسعار المواد الغذائية، التي يمكن أن تدفع ملايين الأشخاص إلى الجوع في أسوأ أزمة مناخية، وفق "بلومبيرغ".

وقد تنخفض غلة المحاصيل العالمية بنحو 30% بسبب تغير المناخ، بينما من المتوقع أن يقفز الطلب على الغذاء بنسبة 50% في العقود المقبلة، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

قد تنخفض غلة المحاصيل العالمية بنحو 30% بسبب تغير المناخ، بينما من المتوقع أن يقفز الطلب على الغذاء بنسبة 50% في العقود المقبلة

وقال زيتوني ولد دادا، نائب مدير مكتب تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إن مصايد الأسماك وإمدادات المياه مهددة بشكل متزايد. 

وتدعو منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة القادة الذين يحضرون قمة المناخ إلى التعهد بالمزيد من الإجراءات العالمية لمساعدة المزارعين على توسيع نطاق الحلول. وتستهدف المجموعة استثمارات سنوية تتراوح من 40 إلى 50 مليار دولار حتى عام 2030 لتمويل أمور مثل الابتكار في الزراعة الرقمية.

قفزة في فاتورة الاستيراد

ومن المقرر أن تقفز فاتورة استيراد الغذاء في العالم أكثر من المتوقع إلى مستوى قياسي هذا العام، مما يزيد من خطر الجوع، لا سيما في أفقر الدول.

وقالت الأمم المتحدة إن ارتفاع أسعار الشحن وأسعار المواد الغذائية، من الحبوب إلى الخضار، من المرجح أن يرفع تكلفة استيراد المواد الغذائية بنسبة 14% إلى 1.75 تريليون دولار. كما حذرت من ارتفاع الفواتير مع ارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية. 

ارتفاع أسعار الشحن وأسعار المواد الغذائية من الحبوب إلى الخضار من المرجح أن يرفع تكلفة استيراد المواد الغذائية بنسبة 14% إلى 1.75 تريليون دولار

وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها منذ عقد، مما زاد من الضغط على ميزانيات الأسر المتوترة بسبب الوباء وارتفاع فواتير الطاقة. ومما يثير القلق بشكل خاص أن تكاليف استيراد الغذاء في البلدان الفقيرة ترتفع بوتيرة أسرع من تلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة، وهو الأمر الذي أصبح يمثل مشكلة متزايدة في المناطق التي تعتمد على شحن الإمدادات.

وارتفعت أسعار الحبوب العام الماضي، حيث أدى سوء الأحوال الجوية إلى الحد من المحاصيل وارتفاع أسعار الشحن، ونقص العمالة، إلى الإضرار بسلاسل التوريد، بحسب "بلومبيرغ". وحدث هذا عندما وصل الجوع العالمي إلى أعلى مستوياته لعدة سنوات، في حين كان لأزمة الطاقة أيضًا تأثير غير مباشر على رفع أسعار الأسمدة، مما تسبب في صداع آخر للمزارعين. 

وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في تقرير يوم الخميس: "أسعار المواد الغذائية سترتفع حتما مع ارتفاع تكاليف الإنتاج".

تكاليف إضافية على الضعفاء

وستفرض السياسة، المعروفة باسم تسعير الكربون، رسومًا على الشركات والمستهلكين على أمل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. 

ومما يثير القلق أن مثل هذا النهج قد يؤدي إلى إلحاق ضرر غير متناسب بالأسر الأكثر فقرًا في العالم، والتي تعاني بالفعل أكثر من غيرها من ظاهرة الاحتباس الحراري، لأنها تميل إلى إنفاق حصة أكبر من دخلها على الغاز والتدفئة، وغيرها من الأنشطة المولدة للانبعاثات.

"الفقراء سوف يتأثرون أكثر بتسعير الكربون. في العديد من البلدان، سيؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة، وهذا هو الوقت الذي يكون فيه الدعم الحكومي أكثر أهمية

قال باوبينج شانغ، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، ومؤلف ورقة بحثية حديثة عن التأثيرات التوزيعية لتسعير الكربون: "الفقراء سوف يتأثرون أكثر بتسعير الكربون. في العديد من البلدان، سيؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة، وهذا هو الوقت الذي يكون فيه الدعم الحكومي أكثر أهمية".

وإن ترك تغير المناخ يأخذ مجراه ستكون له عواقب وخيمة، فالعالم يسير على طريق الاحترار بمقدار 2.7 درجة مئوية (4.9 درجات فهرنهايت) بحلول نهاية القرن، وفقًا لأحدث تقديرات الأمم المتحدة، أعلى بكثير من الحد المفضل البالغ 1.5 درجة الذي حددته اتفاقية باريس.

زيادة الفقر والخسائر

ويؤدي تغير المناخ في حد ذاته إلى تفاقم عدم المساواة، ويمكن أن يدفع 68 إلى 135 مليون شخص إضافي إلى هوة الفقر بحلول عام 2030، وفقًا للبنك الدولي.

وبدون الدعم، يمكن لتسعير الكربون أن يثقل كاهل الفقراء أكثر، لأنهم في كثير من الأحيان لا يستطيعون تحمل تكاليف مساكن موفرة للطاقة، مما يعرضهم لتكاليف تدفئة أعلى. 

وعملياً، أكد البنك الدولي، في بيان له الثلاثاء، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع 44 مليون شخص إلى ما دون عتبة الفقر المدقع بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول الماضيين.

وتشير الإحصاءات الأخيرة للبنك الدولي إلى أن 1,2 مليار شخص في العالم يعيشون حالياً تحت هذه العتبة. وأضاف: "أسعار الغذاء آخذة في الارتفاع، ومؤشر أسعار السلع الغذائية للبنك الدولي ارتفع بنسبة 15% بين أكتوبر/ تشرين الأول 2010 ويناير/ كانون الثاني 2011، ولم يبق سوى 3% تحت رقمه القياسي المسجل في 2008".

وأشار إلى أن "الأشهر الستة الأخيرة سجلت ارتفاعات ملفتة للأسعار العالمية للقمح والذرة والسكر وزيوت الطعام، وارتفاعا بنسبة أقل لأسعار الأرز".

وهذا الارتفاع في الأسعار يثري المزارعين وبعض البلدان المصدرة، لكن انعكاسه على سكان الكوكب يعني الفقر. 

أكبر الخسائر على قطاع الزراعة وتربية المواشي في العالم تتأتى من جفاف بنسبة 34%، ومن ثم الفيضانات والعواصف والحرائق

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فإن أكبر الخسائر على قطاع الزراعة وتربية المواشي في العالم تتأتى من جفاف بنسبة 34%، ومن ثم الفيضانات والعواصف والحرائق بنسبة 19%، وبعدها انهيار التربة والهزات الأرضية 13%. 

فيما تشرح بيانات مركز "شاتهام هاوس" البريطاني أن دول غرب أفريقيا تضم أكبر المساحات الزراعية المهددة بالجفاف بحلول 2050، بنسبة تصل إلى 68.9%، وبعدها روسيا وأوروبا الشرقية 54.3 %، والولايات المتحدة الأميركية 48.4%، وفيما لا تقل النسبة عن 40% في باقي دول العالم، تنخفض في البرازيل إلى 37.9% والشرق الأوسط إلى 33.2%.

المساهمون