استمع إلى الملخص
- **تأثيرات اجتماعية واقتصادية كارثية:** النزوح الكبير للسكان، تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 28%، بطالة تجاوزت 90%، وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى 97%.
- **شلل كامل في القطاعات الإنتاجية:** توقف النشاطات الاقتصادية، تدمير المصانع وورش العمل، وتقديرات تشير إلى حاجة القطاع لـ14 عاماً للعودة إلى ما كان عليه قبل الحرب.
يعمل الاحتلال الإسرائيلي منذ الأيام الأولى للعدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على تعطيل الحركة الاقتصادية وحركة المصانع ومناحي الحياة المختلفة عبر تدمير مختلف القطاعات، وذلك بالتوازي مع القوة النارية المفرطة التي يستخدمها ضد الأعيان المدنية والمواطنين الفلسطينيين.
ويسعى الاحتلال إلى استباق مرحلة ما بعد الحرب عبر الإبادة الاقتصادية لغزة، بحيث يجعل إعادة الإعمار والتعافي للقطاع شبه مستحيلة، وبالتالي فرض مطالبه وخططه حول إدارة القطاع.
دمر الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأولى للحرب عدداً كبيراً من المنشآت التجارية، وجرف مساحات زراعية واسعة، بالتزامن مع بداية العملية البرية العسكرية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما فاقم من الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وإلى جانب ذلك، انعكست حركة النزوح الكبيرة على مختلف القطاعات، نتيجة للضغط الكبير على المنشآت والبنية التحتية في مناطق وسط وجنوب القطاع، إذ يقدر عدد النازحين حالياً بنحو مليوني نسمة.
وتقدر الخسائر الأولية المباشرة للحرب على غزة بنحو 33 مليار دولار، وفقاً لبيانات الجهات الحكومية في غزة التي لم تنته حتى اللحظة من حصر سوى 7% فقط من أضرار حرب الإبادة الإسرائيلية.
تبدو هذه الخسائر نزراً يسيراً من الخسائر العامة التي تكبدها الفلسطينيون في هذه الحرب، ولا سيما في ظل الخسائر البشرية التي تجاوزت 100 ألف بين شهيد وجريح، عدا عن التدمير الممنهج في البنية التحتية.
سابقاً كان القطاع مهدداً بالتحول لبقعة جغرافية غير صالحة للعيش بحلول 2020، إلا أن عملية التدمير الحالية للقطاع تجعل منه بيئة طاردة، في ظل التدمير الكبير الذي نفذه الاحتلال على مدار أكثر من 9 أشهر. ولم تقتصر عمليات التدمير على المنشآت الخاصة بالمدنيين أو المؤسسات الخاصة والحكومية فقط، بل دمر الاحتلال 50% من مقدرات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" منذ بداية الحرب.
فقدان 200 ألف وظيفة في غزة
ووفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي نهاية مايو/أيار الماضي، فإن الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 200 ألف وظيفة في قطاع غزة.
وحسب التقرير، فقد كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي عام 2023 نحو 3.360 دولاراً، بانخفاض قدره 12% عن عام 2022. أما بالنسبة لقطاع غزة وحده، فقد حدث تراجع نسبته 28%. ويبلغ نصيب الفرد من الدخل في غزة نحو خُمس مثيله في الضفة الغربية.
ومع حالة الصدمة التي واجهت الاقتصاد الفلسطيني في الأشهر الأولى من عام 2024، وحالة الضبابية في المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024، فمن المتوقع حدوث انكماش اقتصادي آخر يتراوح بين 6.5% و9.6%، بحسب البنك الدولي.
خسائر مباشرة
في الأثناء، يؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن إجمالي الخسائر الموثقة هي خسائر مباشرة لا تشمل الخسائر غير المباشرة، حيث أحدثت الحرب أضراراً كبيرة في القطاع الاقتصادي الحيوي الذي يعتمد عليه الفلسطينيون بشكل كبير. ويقول الثوابتة لـ"العربي الجديد" إن القطاع المنزلي الذي يضم الخسائر التي لحقت بالقطاعات المنزلية بما في ذلك استهداف وقصف وهدم 305 آلاف وحدة سكنية بإجمالي خسائر يصل إلى 18.5 مليار دولار.
وحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، فإن القطاع الصناعي تضرر هو الآخر بشكل يشمل توقف تشغيل الآلات والمعدات اللازمة لعملية الإنتاج، مثل المصانع والمعامل وورش العمل، وبالتالي أحدث أزمة صناعية ونقصاً حاداً في السوق المحلي ومستلزمات المواطنين. والتقدير الأولي والمبدئي لخسائر هذا القطاع نحو 1.125 مليار دولار.
ووفق الثوابتة، فإن القطاعات الحكومية والتجارية تضررت هي الأخرى، إلى جانب القطاع الزراعي الذي يؤمن الغذاء لنحو 2.4 مليون نسمة، يعيشون في جميع المحافظات في غرة، بنسبة أضرار تصل إلى 1.5 مليار دولار.
ويلفت إلى أن القطاع التعليمي بمختلف أقسامه تضرر هو الآخر بنسبة 1.9 مليار دولار، عدا عن خسائر القطاع الإعلامي المتضرر بنحو 400 مليون دولار، إلى جانب قطاع الاتصالات بنحو 1.5 مليار دولار، وقطاع النقل والمواصلات بنحو 1.2 مليار دولار، مع خسائر لقطاع الكهرباء بنحو 300 مليون دولار، والقطاع الخدمي والبلديات بنحو 3.1 مليارات دولار.
ويشدد المسؤول الحكومي على أن الاحتلال يسعى من وراء هذه الأضرار الضخمة وغير المسبوقة لجعل القطاع غير صالح للعيش، والفتك بمختلف مقومات الحياة فيه.
جمود اقتصادي
وكان الباحث في الشأن الاقتصادي، أسامة نوفل، قد قال لـ"العربي الجديد" قبل استشهاده قبل عدة أيام، إن "جميع النشاطات الاقتصادية توقفت في القطاع باستثناء بعض الأنشطة المحدودة التي تقوم على التجارة الداخلية، واستيراد البضائع من الضفة والداخل المحتل".
وأضاف أن هناك شللاً على الصعيد الاقتصادي، بخاصة القطاع الزراعي، بسبب توقف عجلة الإنتاج، وصعوبة وصول المزارعين إلى أراضيهم، عدا عن الشلل في قطاع الطاقة بشكلٍ تام. وأشار إلى أن القطاع الصناعي دمّر بشكل كامل، حيث لا يوجد أي مصنع يعمل منذ 10 أشهر بمعنى أن الاستهداف ليس موجهاً للإنسان فقط، وانما للقطاعات، والاحتلال دمر القطاعات الإنتاجية الإنشائية والسياحية.
وقدّر الشهيد نوفل حجم الفاقد في الناتج الإجمالي بأكثر من 98%، وهو ما يجعل فرصة استئناف النشاط الاقتصادي على المدى القريب والمتوسط صعبة في ظل تقديرات البنك الدولي بأن القطاع يحتاج 14 عاماً للعودة لما كان عليه وهو نذير شؤم. ولفت إلى أن معدل النمو الاقتصادي وصل إلى 3% قبل الحرب، في الوقت الذي وصلت فيه معدلات دورة الأعمال إلى نسب غير مسبوقة في تاريخ القطاع، حيث بلغت 80 نقطة بالسالب، وهي مؤشرات خطيرة.
كذلك، قال نوفل إن نسبة البطالة تجاوزت 90% في الوقت الذي بلغت فيه نسبة انعدام الأمن الغذائي 97%، عدا عن ارتفاع الفقر لأكثر من 85% في صفوف الفلسطينيين بالقطاع. ولفت إلى أن القطاع الوحيد الذي يعمل في الفترة الحالية هو التجارة الداخلية بالإضافة للخارجية من خلال الاستيراد، إذ كان في السابق يصل إلى 15% فيما لا تتجاوز النسبة خلال الفترة الراهنة 3% فقط.