أظهرت بيانات حديثة لمصرف ليبيا المركزي في طرابلس أن عرض النقود خارج القطاع المصرفي ارتفع حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إلى ما يعادل 7.72 أضعاف معدله الطبيعي، إذ وصل عرض النقود نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالى إلى نحو 300 في المائة.
وأوضح "المركزي" أن العملة المتداوالة الإجمالية بلغت 55 مليار دينار (الدولار يساوي 1.4 دينار)، منها 38.6 مليار دينار من العملة لدى الجمهور و1.4 مليار دينار لدى الجهاز المصرفي بالإضافة إلى 15 مليار دينار عملة مطبوعة لدى المصرف الموازي في البيضاء وتوزعت ما بين التداول في السوق والاكتناز في البيوت.
وكان حجم الكتلة النقدية بنهاية عام 2010 يوازي 40 مليار دينار، ثم ارتفع خلال عشر سنوات وصولاً إلى 107 مليارات دينار بنهاية الربع الأول من العام الحالي. وطبقا للإحصائيات الصادرة عن المصرف المركزي، بلغت العملة في التداول خارج المصرف المركزي في أواخر سبتمبر 2011 نحو 14.2 مليار دينار، بينما بلغت كمية العملة لدى الجمهور 7.6 مليارات دينار في نهاية عام 2010، و3.9 مليارات دينار في نهاية عام 2006.
خيارات محدودة
وقال المحلل الاقتصادي أبوبكر الهادي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه لا توجد حلول بشأن عرض النقد، وذلك لعدم توافر الاستقرار السياسي بالبلاد وانقسام السياسة النقدية. وأضاف أن الخيارات المطروحة لمتخذي القرار النقدي محدودة، وأبرزها التمويل بالعجز من خلال طباعة المزيد من النقود، وهو ما يتسبب في ضعف الدينار الليبي أكثر مما هو عليه الآن، بالإضافة لعدم اجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بسبب الانقسام السياسي.
وطالب بضرورة توجيه السياسة النقدية بالاتجاه الذي يساهم في الاستقرار النقدي.
واعتبر أستاذ الاقتصاد في عدد من الجامعات الليبية وئام المصراتي، أن زيادة الإنفاق ناتجة عن تزايد عرض النقود من خلال المصرف المركزي، وقال إن استمرار الأزمة المعيشية وعدم توفير لقمة العيش لعوائل بعض الشرائح سيزيد تفاقمها مع تصاعد مشكلة السيولة التي وصفها بالأصعب منذ عام 2011.
وأوضح أن معدلات عرض النقود تفوق الناتج المحلي الإجمالي، وأن الاقتصاديات السليمة يتطور عرض النقود فيها مع نمو الإنتاج السلعي والخدمي، ولكن في ليبيا يختلف الأمر تماماً، حيث إن زيادة عرض النقود تترافق مع انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، ودعا إلى ضرورة اتباع المصرف المركزي سياسة امتصاص النقود من الجمهور بغية الحد من التضخم، وذلك باستخدام أدوات السياسة النقدية، لأن الأمر يمس القوة الشرائية للمواطنين.
وتتواصل معاناة الليبيين الذين يعتمدون بغالبيتهم على مداخيلهم من المرتبات، وإن كان بعضهم يمتلك بطاقة شراء صادرة عن أحد المصارف، فإنهم لا يستطيعون استعمالها بسبب توقف المنظومة الإلكترونية بشكل متكرر.
تفاقم أزمة السيولة
وقال المواطن العماري جلول لـ"العربي الجديد"، إن لا حديث للمواطن اليوم إلا عن السيولة، إضافة إلى أزمة نقص الأدوية مع غلاء الأسعار. ويضاف إلى هذه المشكلات انقطاع التيار الكهربائي الذي يؤثر على شحّ المياه.
وأكد المواطن موسى مصباح أنه زبون لدى مصرف التجارة والتنمية بفرع ذات العماد بطرابلس، وأن السيولة شبه مقطوعة منذ عامين ونيف. وأشار إلى إقبال عدد من الليبيين على سحب ودائعهم بسبب عدم الثقة بالجهاز المصرفي، فضلا عن الخشية من اندلاع مزيد من الاقتتال بين الأطراف المتصارعة.
ومن جانبه، لفت المصرفي رمضان أبولقاسم إلى أن برنامج الإصلاحات الاقتصادية في نهاية عام 2018، ساهم في استقرارالأسعار ومعالجة أزمة السيولة إلى حد كبير وفي التخفيض من الكتلة النقدية التي تشمل ودائع القطاع العام والخاص لدى الجمهور من 122 مليار دينار إلى 107 مليارات دينار، ولكن توقف إنتاج النفط، مطلع العام، تسبب في أزمة سيولة أخرى بالمصارف.
فيما أكد مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية أحمد أبولسين أن ليبيا وقعت في فخ السيولة، وأن الاقتصاد الليبي لا يستوعب أكثر من خمسة مليارات دينار فقط، وأن العملة المتداولة خارج المصارف تناهز 38.6 ملياراً. وأكد لـ"العربي الجديد"، عدم فاعلية الجهاز المصرفي في النشاط الاقتصادي وتركز جزء من مهمته في جذب الودائع تحت الطلب من دون توظيفها في السوق.
وعانى الاقتصاد الليبي كثيرا من خسائر إيرادات النفط بسبب إغلاقات الحقول والموانئ نتيجة الصراع بين الفرقاء، ما انعكس سلبا على سعر الدينار في السوق السوداء. وتسبب إقفال المنشآت النفطية منذ يناير/كانون الثاني الماضي، في خسائر بلغت نحو 9.8 مليارات دولار. ولكن مصادر من إدارة الإنتاج بالمؤسسة الوطنية للنفط كشفت في وقت سابق لـ"العربي الجديد" أن إنتاج ليبيا من النفط يتوقع أن يرتفع إلى مليون برميل خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.