أقرت الحكومة الجزائرية موازنة إضافية، يُنتظر عرضها على البرلمان في الأسابيع القادمة، تحمل "تصحيحات" في طرق تسيير الإنفاق العام، الذي بلغ مستويات تاريخية سنة 2023، وفق ما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
واللافت في الموازنة الإضافية للسنة الحالية، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أنها حملت ميزانية إضافية بـ 920 مليار دينار، أي 6.8 مليارات دولار، تضخ إلى الموازنة الأولى المقدرة بقرابة 98.5 مليار دولار (أكثر من 13 ألف مليار دينار)، ما يقفز بالموازنة العامة لسنة 2023 بنسبة تلامس 6.7 بالمائة، ما يجعلها الأكبر في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال سنة 1962.
وأرجعت الحكومة هذه الموازنة الإضافية، حسب الوثيقة المرسلة إلى البرلمان الجزائري، إلى "التدابير الاستعجالية المختلفة التي اتخذتها السلطات العمومية" من أجل "الزيادة في رواتب العمال بالقطاع العمومي، وتعزيز قدرات تخزين الحبوب من خلال بناء 30 صومعة تخزين طويلة الأجل، و350 مركزاً جهوياً للتخزين، بالإضافة إلى إعادة تقييم المشاريع الكبرى في قطاع الأشغال العامة، مع الاستعداد للدخول المدرسي، وفتح مناصب شغلٍ جديدة في الجامعات".
وخصصت الحكومة الجزائرية 155 مليار دينار للديوان الجزائري للحبوب، و31 مليار دينار لديوان الحليب، لشراء 15 ألف طن من مسحوق الحليب لتمويل الأسواق الوطنية إلى غاية نهاية السنة. وأضافت الحكومة 35 مليار دينار لميزانية الدعم، للتعويض عن فارق سعر مادتي الزيت والسكر، تصبّ في حسابات المنتجين المحليين.
وفي السياق، قال رئيس لجنة الصحة والعمل والضمان الاجتماعي في البرلمان الجزائري، زهير ناصري، إنه "من حيث الشكل فإن الحكومة اعتمدت هذه المرة اسم "موازنة تصحيحية" عوض "موازنة تكميلية"، أما من حيث المضمون، فهو المحتوى نفسه وبالأهداف نفسها، حيث ضبط الموازنة مع التغيرات التي تشهدها أسعار النفط والغاز، ومواد أخرى في السوق العالمية، ما يجعل الحكومة غير مستقرة على أرقام ثابتة من حيث حسابات المداخيل، ما يعني أنه في كل مرة قد تلوذ الحكومة إلى فرض موازنة تكميلية أو تصحيحية، لمعالجة هذه الاختلالات، كالنقص في الأرصدة المالية لاستكمال مشاريع معينة.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "البرلمان سيستمع لوزير المالية لعزيز فايد، في الأيام القادمة، وستكون هناك مساءلة حول الإنفاق العام والإجراءات المتخذة لحماية قدرة المواطنين الشرائية، نحن أمام أكبر موازنة في تاريخ الجزائر، ولا يمكن أن نتركها دون رقابة برلمانية، مع العلم أننا ننتظر أيضاً موازنة 2024 التي ستكون أضخم من 2023 حسب المؤشرات الحكومية".
وتتوقع الحكومة الجزائرية أن تدفع الموازنة الضخمة لسنة 2023، بالاقتصاد إلى النمو بنسبة 5.3 بالمائة مقابل 4.1 بالمائة في تقديرات الموازنة الأولى للسنة الحالية، مدفوعاً أساساً بنمو قطاع الطاقة بنسبة 6.1 بالمائة. وتنتظر الجزائر تحسن الناتج الداخلي الخام خارج النفط، بنسبة نمو 4.9 بالمائة مدفوعاً بانتعاش قطاع الخدمات بـ 4.8 بالمائة و6.6 بالمائة في قطاع البناء والأشغال العامة، و5.4 بالمائة في الزراعة.
وفي ما يتعلق بالتجارة الخارجية، تتوقع الحكومة في موازنتها التكميلية للسنة الحالية، ارتفاع الفائض التجاري من 9.1 مليارات دولار في التقديرات الأولية، إلى 11.3 مليار دولار في الموازنة التكميلية، وذلك بفعل ارتفاع الصادرات إلى 52 مليار دولار مقابل 46 مليار دولار في الموازنة الأولى للسنة الحالية، مع استقرار الواردات عند 41.5 مليار دولار.
إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أنه "من معايير تقييم أي موازنة هو أثرها على الاقتصاد وحياة المواطن، وبعملية إسقاط بسيطة يمكن أن نلاحظ أن موازنة 2023 كان لها أثر محدود على الاقتصاد، لا يعكس ضخامتها مقارنة بالسنوات الماضية، إذ لم تطلق الحكومة مشاريع قاعدية ولا استثمارية كبرى، على غرار موانئ أو مناطق صناعية أو أي مشروع يمكن أن يعود بقيمة إضافية على الاقتصاد".
يضيف لـ"العربي الجديد": "حتى المواطن لم يرَ أثر 98 مليار دولار في حياته اليومية. نعم كان هناك رفع للأجور، لكن مستويات التضخم العالية، امتصت الزيادات، فيما موجات الغلاء لا تزال تهيمن على أسواق الجزائر، وحتى مؤشرات الحكومة المُعلنة، حول النمو بأكثر من 5 بالمائة والتضخم بـ 9 بالمائة تبدو بعيدة كلياً عن الواقع، لذلك يجب على الحكومة أن تتدارك الأمر في موازنة 2024، المنتظر عرضها على البرلمان شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فالعبرة ليست بضخامة الموازنة، بل بتحريك الاقتصاد وتحسين معيشة المواطن وخلق الثروة، وليس فقط وضع أرقام وتوقعات غير قابلة للقياس".
وكانت الحكومة الجزائرية قد رصدت للسنة الحالية موازنة ضخمة بقيمة 13.76 تريليون دينار (نحو 98.5 مليار دولار)، بزيادة قدرها 24.5 مليار دولار عن موازنة 2022 (74 مليار دولار) و36.5 مليار دولار عن موازنة 2021 (62 مليار دولار).
وحملت الموازنة التي سبقها وصاحبها جدلٌ كبيرٌ، سقف تفاؤل عالياً للحكومة الجزائرية، عبر المؤشرات التي قدمها.
وأظهرت الأرقام الواردة في الموازنة زيادة "تاريخية" في موازنة وزارة الدفاع التي تصدرت بقية القطاعات بـ22.7 مليار دولار، ثم وزارة المالية بـ22.4 مليار دولار، والداخلية بنحو 7.1 مليارات دولار، فيما حلّ قطاع التعليم والتربية رابعاً في المخصصات المالية لعام 2023 بحوالى 8.3 مليارات دولار.