تعصف رحى الحرب الأوكرانية وتداعياتها من عقوبات وانقسامات بمصير اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود الذي تم التوصل إليه سابقا برعاية أممية ووساطة تركية وتجديده عدة مرات، حيث تهدد موسكو صراحة بالانسحاب منه، أو عدم تجديده بعد انقضاء أجله الشهر المقبل.
فما الحكاية؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام مراسلين حربيين روس، يوم الثلاثاء، انطلق في انتقاده الاتفاق من أن 40% من الحبوب الأوكرانية تذهب، على عكس الاتفاقات، إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، بينما تحصل أوكرانيا من بيعها على عوائد بالعملة الأجنبية، في حين أن الدول الفقيرة لا تصلها سوى 3% من الشحنات، مضيفا: "لذلك نفكر الآن في الانسحاب، خاصة أن الممرات التي تسير عبرها السفن كثيرا ما يستخدمها العدو لإطلاق المسيرات".
وسبق ذلك أن زادت واقعة تفجير خط نقل الأمونيا "تولياتي - أوديسا" الممتد من روسيا إلى أوكرانيا، من حال الغموض السائد في ما يتعلق بمصير تمديد الصفقة، وسط تزايد الاستياء الروسي من عدم الإيفاء بقسم الصفقة الخاص بفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية.
واستئناف تشغيل خط نقل الأمونيا التي تعد من المكونات الأساسية للأسمدة، هو أحد الشروط الروسية لمواصلة العمل بـ"صفقة الحبوب" المبرمة بين موسكو وكييف بشكل منفصل من جانب، ومع تركيا والأمم المتحدة من جانب آخر في يوليو/ تموز 2022. وبعد ذلك، تم تمديد الصفقة عدة مرات، وينتهي سريان مفعول الاتفاق الأخير في 17 يوليو المقبل.
وبحسب رواية وزارة الدفاع الروسية، فإن مخربين أوكرانيين فجروا خط نقل الأمونيا "تولياتي - أوديسا" بالقرب من قرية ماسيوتوفكا في مقاطعة خاركيف في مساء 5 يونيو/ حزيران الجاري، فيما أقرت سلطات مقاطعة خاركيف هي الأخرى بإلحاق ضرر بخط نقل الأمونيا، متهمة روسيا بما حدث.
وبصرف النظر عمن هو الطرف المتسبب في الواقعة، وعما إذا كان ذلك قد حدث بقصد أم بغير قصد، يتوقع مدير مكتب التحليل في مركز "سونار-2050" لدراسات قضايا تكامل الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إيفان ليزان أن تقلل واقعة تفجير الخط من فرص تمديد "صفقة الحبوب"، مرجحا في الوقت نفسه أن يصب وقف العمل بها في مصلحة موسكو.
ويقول ليزان في حديث لـ"العربي الجديد": "بدأت (صفقة الحبوب) تحتضر قبل الانفجار بفترة طويلة، ولكن تفجير خط نقل الأمونيا جاء بمثابة الإقرار بذلك، إذ لم يعد استئناف تصدير الأمونيا ممكنا بعده. ومن الصعب إخضاعه للصيانة في ظل رفض كييف لأي تفاوض مع موسكو إلا في بعض القضايا، مثل تبادل الأسرى، وانطلاقها من أنه يجب إلحاق أكبر خسائر اقتصادية ممكنة بروسيا".
ومع ذلك، يعتبر ليزان أن عدم تمديد "صفقة الحبوب" يصب في مصلحة روسيا، مضيفا: "أعتقد أن روسيا لن تقبل بتمديد صفقة تصدير القمح الأوكراني مرة أخرى، لأنه منذ إبرامها لم يتم الوفاء بأي التزامات أمام موسكو. في هذه الحالة، ستغيب الحبوب الأوكرانية عن السوق العالمية، بل ستقتصر إمداداتها إلى أوروبا بواسطة الشاحنات والسكك الحديدية وعبر نهر دانوب، مع إمكانية توصيل بعض الكميات عبر البحر الأسود إلى موانئ بلغاريا من دون الملاحة في المياه الدولية".
وفي السياق ذاته، يتابع ليزان: "في المقابل، يمكن لروسيا الاستحواذ على حصة أوكرانيا في أسواق العالم العربي وتركيا، بينما سيجني المزارعون والشركات الزراعية الروسية عوائد ارتفاع الأسعار".
بدوره، يجزم الخبير الاقتصادي والصناعي الروسي المستقل ليونيد خازانوف بأن تفجير خط نقل الأمونيا يعني نهاية لـ"صفقة الحبوب"، قائلا لـ"العربي الجديد": "يعني تفجير خط نقل الأمونيا نعيا لإمكانية تمديد (صفقة الحبوب)، لأن روسيا كانت تطالب في إطارها بإعادة تشغيله. والآن تصبح آفاق إعادة التشغيل ضبابية أكثر من أي وقت مضى، ولا فائدة لروسيا بعد ما جرى من تمديد (صفقة الحبوب) مرة أخرى".
وكان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف قد رجح، أمس الأربعاء، أن انفجار خط نقل الأمونيا في مقاطعة خاركيف سيؤثر سلبا على تمديد صفقة الحبوب، وقال في تصريحات صحافية: "لن يؤثر سوى سلبا. نعلم طبيعة الدمار هناك، وماذا يخطط الجانب الأوكراني لفعله مع هذا الفرع".
وذكّر الناطق الرئاسي بأن هذه القضية "طرحت على سبيل جزء محوري في نصف الصفقة المتعلق بنا"، ولذلك سيكون تدمير خط الأمونيا نقطة أخرى "تزيد من صعوبة الوضع من جهة تمديد الصفقة".
بدورها، استشهدت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بتقديرات أولية تفيد بأن أعمال الصيانة والتصليح ستتطلب ما بين شهر و3 أشهر، ولكن بشرط إمكانية الوصول إلى موقع الأضرار. وتعرض خط نقل الأمونيا ليلة 8 يونيو/ حزيران لقصف جديد، إذ تم رصد 6 اعتداءات في محيط محطة الضخ بالقرب من قرية ماسيوتوفكا، وفق ما كشف عنه مدير الإدارة الإقليمية أوليغ سينيغوبوف.
وأنشئ خط نقل الأمونيا "تولياتي - أوديسا" الذي يمر عبر أراضي مقاطعة خاركيف، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكان ينقل عبره سنويا نحو 2.5 مليون طن من المادة.
وتوقف الترانزيت في يوم بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وقبل بدء النزاع في أوكرانيا، كانت حصة روسيا من الأمونيا المنقولة بحرا تبلغ 20%، وفق شركة ICIS لدراسات أسواق الكيماويات والطاقة.