استمع إلى الملخص
- **تأثير الحرب على الاقتصاد**: منذ اندلاع الحرب في 2015، تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، حيث يعيش 82% من اليمنيين في فقر متعدد الأبعاد.
- **غياب الحماية القانونية**: انهيار مؤسسات الدولة وغياب التشريعات الفعالة يزيد من عمالة الأطفال، حيث يقدر عدد الأطفال العاملين بنحو مليون و400 ألف طفل، مما يعرضهم لانتهاكات وظروف عمل غير آمنة.
تتسع ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، إذ اضطرت ملايين الأسر تحت ضغط ضيق العيش إلى الدفع بأصحاب الأيادي الصغيرة إلى الورش والمحلات التجارية والأسواق لتحصيل رزق زهيد يعينها على دعم قدراتها المالية الهشة.
مع شروق أشعة الشمس كل صباح يتوجه أحمد النجاشي (14 عاماً) إلى محل إصلاح السيارات الذي يعمل فيه منذ أكثر من عام في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، حيث اضطرته الظروف المعيشية المتردية لأسرته مثل الكثيرين ممن هم في عمره إلى طرق أبواب العمل، علهم يعودون إلى أهلهم برزق زهيد.
يعمل أحمد في محل الميكانيك الذي يديره أحد أقاربه من الساعة الثامنة صباحاً حتى التاسعة مساء، مقابل راتب شهري يبلغ 70 ألف ريال (حوالي 36.6 دولاراً)، حيث يدفع القسط الأكبر مما يجنيه إلى والده للمساهمة في توفير احتياجات البيت. يقول لـ"العربي الجديد": "مضطر للعمل من أجل توفير المصاريف لي ولأسرتي، لأنه إذا لم تعمل فلن يعطيك أحد شيئاً، وأساهم مع إخوتي في توفير احتياجات الأسرة المكونة من سبعة أفراد، ورغم أن العمل متعب لكني تعودت عليه، كنت أشعر بالتعب في الأشهر الأولى لكن الآن تعودت عليه".
يضيف: "درست حتى الصف الرابع وتعلمت القراءة والكتابة والحساب، ومن ثم تركت الدراسة كي أشتغل في محل الميكانيك التابع لأحد أقاربي، وامتلكت مهنة على أمل أن أفتح محلاً خاصاً بي، لأن مستقبلي صار في مجال إصلاح السيارات".
ماهر الجرادي (13 عاماً) يجول شوارع تعز هو الآخر منذ السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراً حاملاً ترمساً خاصاً ببيع "الآيس كريم" (مثلجات)، كي يساعد أمه بعد أن فقد والده الذي كان المعيل الوحيد للأسرة المكونة من أم وخمسة أطفال. يقول ماهر لـ"العربي الجديد": "أعمل في بيع الآيس كريم، وهي مهنة مناسبة لسني، حيث أربح ما يقارب خمسة آلاف ريال يومياً، لم ألتحق بالمدرسة لأن أبي متوفٍّ ولا يوجد من يتكفل بمصاريف دراستي أو إعالة أسرتنا، العمل ليس عيباً، وهو أفضل من التسول".
أحمد وماهر، طفلان من بين مئات الآلاف من الأطفال اليمنيين الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية الصعبة إلى العمل في سن مبكرة في أعمال شاقة، رغم أجسادهم النحيلة، حيث يضطرون لحرمان أنفسهم من حياة الطفولة، والخروج إلى سوق العمل.
وساهمت الحرب التي تشهدها اليمن منذ العام 2015 في تزايد ظاهرة عمالة الأطفال، مع انهيار الوضع الاقتصادي، حيث توقفت رواتب الكثيرين، وانعدمت فرص العمل، وانهار سعر صرف العملة الوطنية إلى 1910 ريالات للدولار الواحد في مناطق الحكومة الشرعية و522 ريالاً للدولار في مناطق سيطرة الحوثيين، بينما كانت العملة الأميركية تعادل 214 ريالاً قبل اندلاع الحرب.
وأشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيراً، أن 82% من اليمنيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد. وتوقع البنك الدولي في أحدث تقرير للمرصد الاقتصادي لليمن في نهاية يونيو/حزيران الماضي، أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة 1% في العام الجاري 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2% في 2023 ونمواً متواضعاً بنسبة 1.5% في عام 2022، ما يؤثر سلباً على أسواق العمل ويرفع البطالة.
وقدّرت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، المعتمدة دولياً، بقاء اليمن في صدارة قائمة أكثر الدول احتياجاً للمساعدات الإنسانية في ظلّ انعدام الأمن الغذائي. وبيّنت الشبكة، في تقرير أصدرته، الأسبوع الماضي، حول الاحتياجات المتوقّعة من المساعدات الغذائية الطارئة في الدول التي تغطّيها الشبكة، أنّ "من المتوقع أن يظلّ اليمن على رأس قائمة 31 دولة تغطّيها الشبكة، في معدّل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الغذائية الإنسانية بحلول فبراير/شباط 2025، يليه السودان ثمّ جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وإثيوبيا".
الباحث الاقتصادي معتز أحمد، قال لـ"العربي الجديد" إن "الفقر يعد السبب الرئيسي في تزايد ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، إلى جانب عوامل أخرى منها العوامل الاجتماعية التي ترى أن عمل الطفل يساعده على أن يكون رجلاً يتم الاعتماد عليه، وأن الطفل الذي يعمل باكراً سرعان ما يبدأ مشروعه التجاري الخاص، لا سيما أن بعض مناطق اليمن لا تزال مسكونة بأفكار التنافس التجاري، الذي يجعلها تدفع بالأطفال باكراً إلى سوق العمل".
ويضيف الباحث الاقتصادي أن من ضمن العوامل التي ضاعفت من عمالة الأطفال أيضاً غياب أو قصور التشريعات التي تحمي حقوق الطفل، في ظل انهيار مؤسسات الدولة بسبب الحرب، كما أنه يتم انتهاك حقوق العمل للطفل الذي يعمل في ظل غياب القوانين التي تنظم سوق العمل وتضمن للعامل حقوقه".
وتشير تقارير وإحصائيات منظمات أممية خلال الأعوام الماضية؛ أن نسبة الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً تبلغ 11%، وتزيد النسبة مع التقدم في العمر إلى 28.5% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً و39.1% لمن هم دون الثامنة عشرة. ويقدر عدد الأطفال في الفئة العمرية بين خمسة أعوام و18 عاماً، بنحو ثمانية ملايين طفل وطفلة.
ووفق تقارير حقوقية فإن عمالة الأطفال في اليمن، باتت واحدة من ظواهر الحرب المؤلمة، في ظل غياب الحماية من قبل الجهات الرسمية، وتدني تدخلات الوكالات الدولية والمنظمات الأممية لتوفير الحماية والحياة الكريمة للأطفال، لافتة إلى أن الكثير من هؤلاء الأطفال يعملون في ظل ظروف صعبة للغاية وبعضها غير آمنة ولا تتناسب مع أعمار الأطفال الصغيرة، فضلاً عن أن الكثير منهم يتعرضون لانتهاكات متعددة.
وأظهر مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن 29% من أطفال اليمن منخرطون في العمل، وتتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً. ووفق تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية في يونيو/حزيران 2021، احتل اليمن المركز الأول عربياً لعمل الأطفال بنسبة 13.6%، يليه السودان بنسبة 12.6% والعراق بنسبة 4.9%. ووصفت "يونيسف" وضع الأطفال في اليمن بأنهم "يُسلبون من مستقبلهم"، بسبب أكبر أزمة إنسانية تشهدها بلادهم، حسب بيان صدر عنها في مطلع 2023، أكدت فيه أن 23.7 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدة، بينهم 13 مليون طفل.
ووفق تقارير حديثة لمنظمات حقوقية، فإن نحو مليون و400 ألف طفل يمني هم أعداد الأطفال المنخرطين في أعمال متعددة، يشكل بعض منها خطراً على حياتهم، فضلاً عن حرمانهم من التعليم وأدنى استحقاقات الطفولة، إضافة إلى ما قد يلحق بهم من صدمات نفسية. وذكر تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة أن مخيمات النازحين في اليمن باتت تكتظ بأكثر من 2.3 مليون طفل، موضحاً أن هؤلاء الأطفال "لا يحصلون على ما يكفي لسد احتياجاتهم من الخدمات الأساسية في مجال الصحة والتغذية والتعليم والحماية والمياه". ويحظر قانون حقوق الطفل اليمني رقم 45 لسنة 2002، عمل الطفل دون سن الرابعة عشرة، ويحظر أيضاً تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغه سن الخامسة عشرة.