تركيا وأميركا نحو التهدئة...أردوغان يتطلع إلى حقبة جديدة تنعش الليرة والاستثمارات

30 مايو 2021
أردوغان وبايدن خلال لقاء في واشنطن قبل ثماني سنوات (Getty)
+ الخط -

تبدو تركيا أكثر ميلاً للتهدئة مع الولايات المتحدة الأميركية، عبر الوصول إلى حلول للعديد من الملفات الخلافية العميقة بين البلدين، حيث يحرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استمرار الزخم الذي حققه اقتصاد بلاده خلال السنوات الماضية، بما فيها عام 2020 الذي شهد جائحة فيروس كورونا الجديد، والتي ألقت بظلال سلبية واسعة على مختلف الاقتصادات العالمية.

وقد أعرب أردوغان، خلال اجتماع مع مسؤولي شركات أميركية كبرى، الأربعاء الماضي، عن ثقته بأن اجتماعه المرتقب مع نظيره الأميركي جو بايدن في 14 يونيو/حزيران، على هامش اجتماعات قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة البلجيكية بروكسل "سيدشن حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين"، مؤكدا أن هناك حاجة إلى وجود نهج يقوم على المصالح والقيم المشتركة لتحقيق الحجم المستهدف للتجارة مع الولايات المتحدة البالغ 100 مليار دولار.

ويراهن مراقبون على إمكانية تحقق هذا الهدف، فالخبير التركي في العلاقات الدولية، سمير صالحة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه "رغم الخلافات في العديد من الملفات بين تركيا والولايات المتحدة، إلا أن البلدين لا يريدان التفريط في العلاقات، خاصة الاقتصادية التي تتأذى على الدوام، لاسيما أن واشنطن تلجأ إلى العقوبات الاقتصادية لمعالجة ملفات سياسية خلافية، ما يضطر أنقرة إلى الرد بالمثل، ومع ذلك فإن تركيا حريصة على إبقاء العلاقات جيدة، وللاقتصاد دور مهم في ذلك وفي تبديد الخلافات السياسية".

قضية مصرف "بنك خلق" التركي، وملاحقته أميركياً، وملف صواريخ "إس 400" وجماعة الخدمة والعقوبات أبرز الملفات الخلافية بين البلدين

لكن الملفات الخلافية بين البلدين يبدو أنها عميقة، حيث استهل بايدن العلاقات مع تركيا بوصفه أحداث عام 1915 بحق الأرمن، في زمن الدولة العثمانية، بأنها "إبادة"، ما أضاف بعداً جديداً للخلافات، واستدعى ردود أفعال كبيرة من أنقرة، حيث جاء اعترافه بعد يوم واحد من اتصاله الوحيد مع أردوغان.

ومن الملفات العالقة أيضا قضية مصرف "بنك خلق" التركي، وملاحقته أميركياً بحجة خرق العقوبات على إيران، وأيضاً ملف صواريخ "إس 400" الروسية التي اشترتها تركيا من روسيا، ما أدى إلى فرض عقوبات أميركية على تركيا ومنعها من الحصول على مقاتلات "إف 35" وإخراجها من برنامج تصنيعها، وفرض عقوبات على مسؤولين أتراك.

كما لا يزال ملف جماعة "الخدمة" وزعيمها الداعية فتح الله غولن، المقيم في أميركا، من أبرز القضايا الخلافية، حيث تحمّل تركيا الجماعة مسؤولية الوقوف خلف المحاولة الانقلابية في عام 2016 للإطاحة بحكم أردوغان، وعدم التعاون القضائي الأميركي مع الجانب التركي.

ولعل أبرز ما أثار حفيظة الجانب التركي تصريح لبايدن قبل نحو عام، تحدث فيه عن تشكيل أردوغان خطراً، وأنه يجب دعم المعارضة التركية من أجل الإطاحة به.

في المقابل، تبدو أنقرة أكثر ميلاً للتهدئة مع واشنطن. وأكد الرئيس التركي، خلال لقائه مسؤولي الشركات الأميركية قبل أيام، أن "التعاون مع الولايات المتحدة مستمر ويمكن زيادته على نطاق واسع، بدءاً من سورية وليبيا، وصولاً للطاقة والتجارة والاستثمارات"، مشيرا إلى أن بلاده حققت ثاني أكبر نمو اقتصادي بنسبة 1.8%، وذلك بعد الصين بين دول مجموعة العشرين العام الماضي.

ويقول الخبير الاقتصادي التركي، كاتب أوغلو، لـ "العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة شريك تاريخي واستراتيجي، وهي الأقوى عالمياً اقتصادياً وعسكرياً، والمرحلة تتطلب إيجاد توافق وعدم الاستمرار في التوتر وتبادل فرض العقوبات".

تسجيل الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة رقما قياسياً خلال الربع الأول من العام، بعد أن زادت بنسبة 36% عما كانت عليه خلال الربع الأول من العام الماضي، مسجلة 2.7 مليار دولار

وكانت وزارة التجارة التركية ومجلس المصدرين الأتراك، قد أعلنا مؤخراً تسجيل الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة رقما قياسياً خلال الربع الأول من العام، بعد أن زادت الصادرات التركية بنسبة 36% عما كانت عليه خلال الربع الأول من العام الماضي، مسجلة 2.7 مليار دولار، وذلك من إجمالي الصادرات التركية إلى العالم والتي بلغت قيمتها نحو 50 مليار دولار.

ورغم زيادة الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة، فإن الخبير الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، يرى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الرقم المحقق "ضئيل جداً، لأن الاقتصاد التركي يتمتع بقدرة تصدير قوية، لكن تبعات الخلافات السياسية تؤثر على زيادة التبادل التجاري بين البلدين".

ويضيف أويصال أن حجم التبادل التجاري يراوح مكانه منذ سنوات عند مستوى 20 مليار دولار سنوياً، مشيرا إلى أن أعلى مستوى وصل إليه كان في عام 2018 عندما تجاوز 25 مليار دولار، مشيرا إلى أن حصة الولايات المتحدة من إجمالي الصادرات التركية لا تتعدى 5%.

ورغم هذه المؤشرات، خرجت في مناسبات عدة ماضية بين مسؤولي البلدين تصريحات تعبر عن الآمال بالوصول إلى حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعتبره أويصال غير مستبعد في "حال تسوية الخلافات السياسية، لكن واشنطن حريصة على الدوام على التأثير على الاقتصاد بفعل العقوبات عبر إقحامه في القضايا الخلافية، بينما عادة ما تمتص تركيا هذه العقوبات أو تضطر للرد عليها بالمثل في أحيان أخرى".

ويضيف المحلل الاقتصادي التركي أن "حلحلة الخلافات بين واشنطن وأنقرة ستحسن سعر صرف الليرة وتزيد من الاستثمارات الدولية في تركيا وليس الأميركية فقط".

واشنطن عرضت على أنقرة بدائل تجنبها العقوبات الأميركية المفروضة على خلفية شراء منظومة "إس 400"

وكانت نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، قد أكدت خلال لقاء على قناة "سي إن إن تورك" قبل يومين، "أن واشنطن عرضت على أنقرة بدائل تجنبها العقوبات الأميركية المفروضة على خلفية شراء منظومة "إس 400" الصاروخية الروسية"، مضيفة أن تركيا هي من ستقرر الخطة التي ستتبعها لحل الأزمة.

وأشادت شيرمان، في الوقت نفسه، بالاقتصاد التركي ومناخ الاستثمار، قائلة إن "تركيا تمتلك مقومات استثمارية كبيرة، وإن المستثمرين يرغبون في مشاهدة رؤية مستقبلية واضحة المعالم كي يتوجهوا إلى تركيا للاستثمار فيها".

وبحثت شيرمان مع المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، السبت الماضي، ترتيبات لقاء أردوغان وبايدن. وبحسب مصادر تركية تحدثت مع "العربي الجديد"، تم التوافق حول "تطوير العلاقات الثنائية وإيجاد صيغ واتفاقات استراتيجية بعيداً عن القضايا الخلافية".

المساهمون