تركيا تطعم 9 ملايين سوري!

04 يناير 2022
عقابيل العنصرية وآثار التحريض ضد السوريين تسيء إلى تركيا ككل (أوزان كوس/فرانس برس)
+ الخط -

يؤثر قادة أحزاب تركية معارضة النظر بعين واحدة لقضية اللاجئين السوريين ببلدهم، متسلحين بتضليل مستمر للشارع التركي وتعبئته، للحد الذي يرفع من وتائر الجريمة بحقهم باستمرار، ما أوصل أخيراً، لحرق ثلاثة عمال سوريين وهم نائمون بولاية إزمير، بعد إيغال بعض الأحزاب التركية بتأجيج خطاب العنصرية ورمي مسؤوليات التضخم والفقر والبطالة على عاتق هؤلاء.

بيد أنّ ما خرج به زعيم حزب "النصر" أوميت أوزداغ، أخيراً، تعدى حدود التضليل والمبالغة، ليصل بقوله، بعلم أو بجهالة، إلى حدود الهذيان بقضية اسمها السوريون، وإلا، كيف لزعيم سياسي أن يجافي جميع البيانات التركية والأممية، ويرمي بأرقام لا تمت للواقع أو الحقائق بأي صلة، ويتغافل في المقابل، عن إيجابيات وجود السوريين في تركيا، والذي نشّط، وباعتراف بعض المعارضة، التجارة والأسواق، بعدما حافظ السوريون ولأعوام متتالية، على المركز الأول بالاستثمارات الأجنبية هناك.

الزعيم السياسي التركي قال إنّ بلاده لا تطعم 5.3 ملايين سوري موجودين في البلاد فقط، بل و3.7 ملايين سوري موجودين شمال سورية، متسائلاً: "هل من السهل إطعام 9 ملايين أجنبي؟ وهل يطعمهم حزب العدالة والتنمية من خزائن الحزب؟ لا... إنهم يقومون بهذا الإنفاق من جيوب الشعب التركي".

ليضرب بهذا التصريح الذي تلقفه بعض الشارع التركي كحجة، جميع البيانات التركية والدولية، ويزيد من الاحتقان والكراهية.

قصارى القول: ربما مضيعة للوقت، الرد على أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للوجود السوري في تركيا الذي أوصله لدخول متجر صياغة ذهب لسوري أخيراً، وطلبه بعد الإساءة لصاحب المحل، بشكل غير شرعي، أوراق التراخيص، بعد منشوراته وتحريضه المستمر على اللاجئين السوريين.

بيد أنّ توضيح الحقائق، لأوزداغ وسواه، أمانة ومسؤولية أخلاقية، واستمرار الصمت لتعلو أصوات هؤلاء العنصريين، خيانة للواقع وظلم إضافي للسوريين الذين خذلهم القريب قبل البعيد وتخلّى عنهم الأخ قبل الغريب، حتى باتت ثورتهم المطالبة بالحرية والعدالة بتوزيع الثروة، حرباً أهلية يغرق العالم منذ أعوام، بالبحث عن مخرج لها، يبقي خلاله نظام الأسد ويعيد التطبيع تمهيداً لاقتسام كعكة الخراب، عبر القروض ورهن الثروات، عبر خديعة المصالحة وإعادة الإعمار.

فأولى المغالطات إن لم نقل الأكاذيب، تكمن بعدد اللاجئين السوريين في تركيا، والذي لا يزيد، وفق آخر إحصاء رسمي أصدرته إدارة الهجرة التركية، عن 3 ملايين و715 ألفاً و913 شخصاً خاضعين للحماية المؤقتة، ولا يتقاضى من هؤلاء، إلا قلة قليلة، مساعدات عبر تركيا، وليس منها، سواء عبر كرت الهلال الأحمر أو عبر كرت "IOM" أو مساعدات شتوية عبر مركز التضامن الاجتماعي ما يسمى كرت الـPTT.

قلنا عبر تركيا وليس منها، لأن الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، منذ مارس/آذار 2016 المتعلقة بمعالجة تدفق اللاجئين، وإبعاد اللاجئين الجدد إلى تركيا، تتكفل بمعظم تلك المساعدات، وأهمها ما يقدم للقلة ممن لم يزالوا بالمخيمات والتعليم والصحة ومعونات التدفئة.

وهذا بالطبع، لا يعني التنكر لما قدمته تركيا، من رعاية ومساعدات وتبنٍ، خاصة أنها الدولة الأولى بالعالم استقبالاً للسوريين منذ تهجيرهم وتهديد حيواتهم عام 2011، سواء على صعيد التعليم المجاني والطبابة وتحمل عقابيل انعكست على واقعها الداخلي السياسي والاقتصادي.

ولكن، ليس للحد الذي تعتمده أحزاب تركية، كورقة للتسلل لمشاعر الشارع التركي وبالتالي لمقاعد البرلمان أو القصر الرئاسي، بانتخابات العام المقبل.

ولعل الأهم بما يتغافل عنه المروجون المرجفون، هو أنّ العمالة السورية التي يحمّلونها وزر البطالة وسرقة فرص عمل الأتراك، لا تزيد نسبتها وفق الإحصاءات الرسمية، عن 2.9% من حجم العمالة في السوق التركية.

طبعاً إن لم نفنّد ما يلحق تلك العمالة من حيف، إن بساعات العمل أو بالأجور المتدنية التي لا تصل إلى الحد الأدنى ولا يقبل بها الأتراك.

وربما الأهم بما يعتّم عليه مؤججو الفتنة والتحريض، أنّ عدد الشركات التي أسسها السوريون في تركيا، يقترب من 14 ألف شركة، أي ما نسبته 2% من الشركات المملوكة للأجانب، وهذه الشركات، تشغّل الأتراك أيضاً إلى جانب السوريين، بعد توفيرها 100 ألف فرصة عمل، بحسب تصريح رسمي للنائبة ساري أيدن، فضلاً عن تنشيطها الإنتاج والتصدير.

نهاية القول: لن نرد بتطرف على ما يقوله رئيس حزب "النصر" أو مسؤولو حزبي "الشعب الجمهوري" أو "الجيد"، ونكرر ما قاله مدير عام شركة "إيجا إش" التركية نوري دوغان، بأنّ السوريين يشغلون معظم المنشآت التركية وبأجور رخيصة، وإن ذهبوا فلن تجد الشركات بدائل بشروطهم، وقد تنهار بعض القطاعات الاقتصادية.

ولكن نطالب بالإنصاف ورؤية المشهد كاملاً، بعد وصول السوريين هاربين من بلدهم إلى بلد صديق، فأسسوا الأعمال ونشّطوا الأسواق وساهموا في الإنتاج والصادرات والإنفاق، بعد تميزهم بقطاع التعليم والرياضة وريادة الأعمال.

بمعنى أوضح، السوريون في تركيا ليسوا متسولين، وإن كان منهم فقراء ومتسولون، وهم ليسوا جميعهم رجال أعمال ومستثمرين، وإن كان منهم رجال أعمال ومستثمرون، بل هم مجتمع جديد تعميم تأليهه خطأ كما تعميم شيطنته.

والأهم بالنسبة لدعاة طرد السوريين وتحميلهم وزر ما تعانيه تركيا، إبعاد السوريين عن تجاذبات السياسة واستمرار استخدام مآسيهم كورقة بالصناديق عبر التضليل وتأليب المجتمع عليهم، لأنّ عقابيل هذه العنصرية المتنامية وآثار التحريض والتضليل، تسيء إلى تركيا عامة ولبنيتها المجتمعية والاقتصادية على وجه التحديد، والنتائج التي تصل إلى الجريمة وخلخلة المجتمع لن يدفع ثمنها السوريون فقط.

المساهمون