رفع البنك المركزي التركي، اليوم الخميس، سعر الفائدة الرئيسي إلى أعلى مستوياته في 20 عاما ليصل إلى 30% مقابل 25% لمحاربة التضخم الجامح.
وقال البنك المركزي إنه قرر رفع نسبة الفائدة بخمس نقاط مئوية لـ"إبطاء التضخم في أقرب وقت، وتثبيت توقعات التضخم والسيطرة على التدهور في نهج الأسعار".
وأضاف في بيان أن "التضخم فاق التوقعات لشهري يوليو وأغسطس". واعتبر أن "التضخم سيبقى قريبا من الحد الأعلى لنطاق التوقعات".
ووسط شكوك في عدم جدوى سياسة الحكومة التركية، بكسر حدة التضخم الذي تعدى الشهر الماضي 58% عبر استمرار رفع سعر الفائدة، يستمر الفريق الاقتصادي بالنهج ذاته. فبعد رفع سعر الفائدة ثلاث مرات، من 8.5% إلى 25%، منذ تشكيل الحكومة وتعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، في مايو/أيار الماضي، رفع مجلس السياسة النقدية للبنك المركزي التركي (CBRT) اليوم الخميس برئاسة محافظة البنك المركزي حفيظة غاي إركان، الفائدة من 25% إلى 30%.
ويرى المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن استمرار رفع سعر الفائدة، مقلق للشارع التركي، وسيؤثر بزيادة تكاليف الإنتاج المحلي، وبالتالي الصادرات التي تعتمد عليها بلاده، كقطاع رئيسي بزيادة نسبة النمو.
ويتساءل كاتب أوغلو خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" عن جدوى رفع سعر الفائدة من 8.5% إلى 30% خلال أشهر، "إذ رأينا أن الليرة تتراجع ونسبة التضخم إلى ازدياد. لا يمكن انتظار نتائج طويلة الأمد، لأن التأثير سيطاول الإنتاج والتشغيل والصادرات، بعدما انعكس التضخم على معيشة المواطنين، بعد رفع نسبة الضرائب وأسعار المحروقات".
وسجلت الليرة التركية اليوم، قبل قرار رفع سعر الفائدة، 27.027 مقابل الدولار، ونحو 28.828 ليرة لليورو الواحد، فيما سجل غرام الذهب من عيار 24 قيراطاً 1672 ليرة، والغرام من عيار 22 قيراطاً 1533 ليرة تركية.
التأثير في الاستثمارات
كذلك انخفض مؤشر BIST 100 في بورصة إسطنبول 0.82 بالمئة من قيمته، وأنهى يوم أمس عند 7719.82 نقطة، منخفضاً عن إغلاق الثلاثاء بمقدار 64.18 نقطة، بإجمالي حجم التداول لم يزد على 119.7 مليار ليرة.
ويقول أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو: سيتابع الفريق الحكومي، على ما يبدو، ما بدأ به من سياسة اقتصادية بشأن الائتمان والتشديد الكمي، للوصول خلال الخطة المتوسطة إلى نسب منخفضة للتضخم والبطالة.
ولكن يلفت شعبو لـ"العربي الجديد" إلى أن تراجع الإنفاق الحكومي، وفق خطة الحكومة، سيؤثر في المشاريع الاستثمارية وحتى الإنتاج والتصدير، إن لم تجذب تركيا استثمارات مباشرة، لأن خطة الحكومة تعتمد بالدرجة الأولى على الأموال الخارجية. كذلك ستنعكس الآثار على الأسواق بواقع ما يقال من عدم جدوى أدوات الحكومة، خصوصاً رفع سعر الفائدة بنحو 16.5% خلال الجلسات الثلاث الأولى للمركزي ورفع 5% اليوم.
ويشير أستاذ المالية إلى أن ارتفاع معدل الفائدة إلى هذا الحدّ، ورغم عدم موازاته نسبة التضخم، سيقلل من الاقتراض، ما يمكن أن يؤثر بكمّ الإنتاج والتصدير وحركة الأسواق، هذا إن لم نأتِ على تراجع مستوى معيشة الأتراك الذين يدفعون ثمن تهاوي سعر صرف عملتهم، من نحو 18 ليرة مقابل الدولار قبل الانتخابات والحكومة الجديدة، إلى أكثر من 27 ليرة اليوم.
ويرى مراقبون أن الحكومة التركية الجديدة ومحافظة المركزي، حفيظة غاي إركان، عبر الانقلاب على سياسة الفائدة المنخفضة، يؤكدان استقلاليتهما المطلقة عن القرارات السياسية وتوجهات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي طالب بتخفيض سعر الفائدة وعزل ثلاثة محافظين رفعوا أو اقترحوا رفع سعر الفائدة.
ويحذر المراقبون من نسف السياسة الجديدة لما يرونه نجاحات حققتها تركيا، إن على مستوى النمو الذي هو ثاني أعلى نسبة في مجموعة العشرين، أو الصادرات التي بلغت 254 مليار دولار العام الماضي.
ولكن بالمقابل، تجد السياسة الجديدة قبولاً بأوساط تركيا، خصوصاً بعد استعادة المصرف المركزي للاحتياطي الأجنبي الذي تعدى 115 مليار دولار، بحسب وزير المال، محمد شيمشك الذي أكد خلال تصريحات سابقة أن الحكومة ستركز خلال الفترة المقبلة على إعطاء الأولوية للاستثمار والتوظيف والإنتاج والتصدير، في مسعاها للحفاظ على نمو اقتصادي مرتفع مستدام.
تأثيرات اجتماعية
وأعلن المركزي التركي ارتفاع الاحتياطيات الإجمالية من 98.5 مليار دولار نهاية مايو/أيار الماضي، إلى 115.6 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي، لافتاً إلى أن صافي الاحتياطيات ارتفع خلال الفترة ذاتها إلى 15.7 مليار دولار.
ويرى الاقتصادي التركي، مسلم أويصال، أنّ "من الضروري البحث عن طريقة غير رفع الأجور" كعودة تدخل الحكومة عبر البيع بأسعار منافسة عبر منافذ عدة، إلى جانب تشديد الرقابة على الأسواق ومعاقبة المستغلين، لأن زيادة العرض النقدي بالليرة التركية ترفع من التضخم، وتأكل زيادات الأسعار الأجور، فيما تركز الحكومة خلال خطتها الاقتصادية، على رفع الأجور".
وكشف وزير العمل والضمان الاجتماعي، وداد إيشكان، أن الحد الأدنى للأجور للموظفين الحكوميين في تركيا سيرتفع إلى 33 ألف ليرة تركية اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2024، وحُدِّدت هذه الزيادة بنسبة تقدر بحوالى 50%.
وأكد الوزير التركي خلال تصريحات اليوم، أنه يجري العمل بجدية على معاشات التقاعد، ومن المتوقع تقديم دراسة تفصيلية بهذا الشأن إلى الرئيس التركي فور الانتهاء منها، بعد أن تمت تسوية استحقاقات التقاعد لنحو 1.899 مليون شخص بتركيا، ومن لم تصرف لهم مبالغ التسوية، سيحصلون على كامل حقوقهم قبل نهاية العام الجاري.
يأتي ذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار المستهلكين إلى 58.94% لشهر آب/أغسطس الماضي، بحسب هيئة الإحصاء التركية، متجاوزاً التوقعات ومرتفعاً للشهر الثاني على التوالي نتيجة لانخفاض سعر الليرة وزيادة الضرائب ورفع أسعار الوقود.
تحاول الحكومة التركية ملاءمة المداخيل مع ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء المستلزمات الأساسية، إذ شهد العام الماضي ومطلع العام الجاري ثلاث زيادات للأجور بتركيا، حيث لم يزد الحد الأدنى للأجور في ديسبمر/كانون الأول 2021 على 2826 ليرة قبل رفعه في يناير/كانون الثاني من العام نفسه إلى 4253 ليرة، ومن ثم رفعه في يوليو/تموز العام الماضي إلى 5500 ليرة قبل الرفع مطلع العام الجاري إلى 8500 ليرة، وجاء الرفع الأخير الشهر الماضي إلى 11402 ليرة.
ويتزامن رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة "موظفي الخدمة المدنية" مطلع يوليو/تموز الماضي، مع رفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص، إذ أعلن الرئيس التركي رفع الحد الأدنى لرواتب موظفي الخدمة المدنية في بلاده إلى نحو 22 ألف ليرة تركية.
وحسب الأرقام الرسمية، فإن 38 في المائة من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا، ما يعني بحسب بيانات اتحاد نقابات العمال اليوم، أنهم باتوا تحت حد الجوع.
لكن الرفع المستمر للأجور لم يسدّ تكاليف المعيشة بعد ارتفاع الأسعار أكثر من 150% خلال عام، ما زاد من مستوى الفقر، بحسب بيانات اتحاد العمال.
ازدياد الفقر
وارتفع معدل حد الفقر في تركيا إلى مستوى غير مسبوق في أغسطس/آب الماضي، حسبما أظهرت بيانات وحدة البحوث في اتحاد عمال المعادن (BİSAM) أمس ارتفاع معدل خط الفقر إلى 41,626 ليرة تركية، ما يعادل حوالى 1,541 دولاراً، ويقترب من 4 أضعاف الحد الأدنى للأجور، ما يعني أن العديد من الأسر التركية تعاني من صعوبات مالية كبيرة وتجد صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية.
ويرى الاقتصادي مسلم أويصال أن معاناة الأتراك المعيشية "هي الأسوأ منذ عشرين عاماً"، محذراً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" من موجة ركود تلف الاقتصاد التركي، لأن القدرة الشرائية تتراجع باستمرار، فيما تراجعت قيمة الصادرات العام الماضي إلى 254 مليار دولار، بعد خطط تصدير ما قيمته 300 مليار دولار.
ويضيف أويصال أن خطة الحكومة الجديدة التي وصفها بـ"الانقلابية" على نهج تركيا خلال العقد الماضي، سواء بسعر الفائدة الذي رفعته من 8.5% إلى 30% خلال ثلاثة أشهر أو رفع الدعم عن المحروقات وزيادة الضرائب "قد تكون ناجعة، ولكن بعد سنوات، إن تحقق شرط جذب الاستثمارات، ولكن السؤال يبقى عن توفير الرفاهية للمواطنين".
وكان الرئيس التركي، خلال أول خطاب له بعد تعيين الحكومة الجديدة، قد أكد عزم حكومته الجديدة على القضاء على مشكلة ارتفاع الأسعار الناجمة عن التضخم.
وأضاف أردوغان خلال أول اجتماع بالحكومة في يونيو/حزيران الماضي: "مصممون على خفض التضخم إلى خانة الآحاد مجدداً مثلما جرى في عهد حكومات العدالة والتنمية السابقة".
لكن التضخم عاود الارتفاع للشهر الثالث على التوالي بعد أن تراجع في أيار/مايو الماضي إلى 39.6%، ما عزز توقعات الاستبيان الذي أجراه المصرف المركزي التركي بمشاركة 40 ممثلاً عن سوق الأموال، الشهر الماضي، الذي خلص إلى توقع استمرار ارتفاع التضخم ليصل إلى 59.46% نهاية العام الجاري.