تركيا ترفع الفائدة إلى 15%... وخبراء يصفون القرار بـ"الصادم"

22 يونيو 2023
توقعات بالانعكاس على سعر الليرة التركية (Getty)
+ الخط -

أعلن البنك المركزي التركي، اليوم الخميس، رفع سعر الفائدة من 8.5 إلى 15%، بزيادة 6.5% أو 650 نقطة أساس، هو القرار الذي وصفه خبراء أتراك بـ"الصادم" بسبب مستوى الارتفاع الشديد، متمنين أن تتحسن أسعار صرف الليرة ويتراجع التضخم.

إلا أن الصدمة كانت معاكسة بالنسبة للخبراء الدوليين، حيث قالت وكالة "بلومبيرغ" إن البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة أقل بكثير مما كان متوقعًا من قبل معظم الاقتصاديين، في إشارة إلى أن صانعي السياسة يفضلون الانتقال التدريجي من عصر الأموال الرخيصة للغاية.

ومن المتوقع أن ترفع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي سعر الفائدة في الجلسات المقبلة، وفق ما تروّج وكالات التصنيف والمصارف العالمية على نطاق واسع، بحسب ما يقول الاقتصادي خليل أوزون لـ"العربي الجديد".

وكانت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي، برئاسة محافظة المصرف الجديدة حفيظة غاية إركان، قد قررت رفع سعر مزاد إعادة الشراء لمدة أسبوع إلى 15%، في خطوة صادمة للنهج الذي اتبعه البنك المركزي قبل الانتخابات، وهو سياسة تخفيض الفائدة لتقليص التضخم، وهو ما كان يدعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويضيف أوزون لـ"العربي الجديد" أن نسبة الفائدة في تركيا لم تكن منخفضة بالأساس، وربما كان من الضرورة الاقتصادية رفعها، لتنشيط السوق وتحسين سعر الصرف وجذب الاستثمارات، ولكن ليس بهذه النسبة العالية جداً.

ولفتت وكالة "بلومبيرغ" إلى أن الزيادة بنسبة 15% كانت مفاجأة للغالبية العظمى من الاقتصاديين الذين شملهم استطلاعها، والذين توقعوا الانتقال إلى 20% أو أكثر.

يعتبر رفع سعر الفائدة الأول منذ أكثر من عامين نقطة تحول في خروج تركيا عن السياسات غير التقليدية، التي يُلقى عليها باللوم في هجرة المستثمرين الأجانب والسماح للأسعار بالخروج عن نطاق السيطرة. 

لكن القرار يبرر أيضًا للمشككين الذين استمروا في التساؤل عما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يصف نفسه بأنه "عدو" لأسعار الفائدة المرتفعة، والذي تبنى فائدة السياسة النقدية المتساهلة لسنوات، سيعطي البنك المركزي حرية التصرف. 

وقال بنك "جيه.بي مورغان"، قبل أيام، إنه يتوقع أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة إلى 25% من 8.5% حالياً في اجتماعه يوم 22 يونيو/حزيران. وأضاف أن ذلك قد يأتي مع توقعات بزيادات أقل مستقبلا إذا دعت الحاجة.

وقد تراجعت الليرة ضمن ما يمكن وصفه بأنه "خيبة أمل" المضاربين من النسبة التي رآها البعض منخفضة، بعدما وصلت التوقعات الدولية برفع سعر الفائدة إلى 20%.

وهوت الليرة الآن الى نحو 24.6 مقابل الدولار، في حين أقفلت أمس الأربعاء على 23.5، واستمر السعر عند حدود 23.6 حتى صدور قرار المصرف المركزي رفع سعر الفائدة إلى 15%.؜

ويرى الباحث سمير عبد الله أن الهدف الرئيس من رفع سعر الفائدة اليوم هو "إرسال رسالة للخارج تؤكد استقلال القرار الاقتصادي والنقدي، خاصة بعد مجيء الحكومة الجديدة ورئيسة المركزي حفيظة غاية إركان"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن نسبة الرفع التي رآها المراقبون الأتراك كبيرة وصادمة، هي أقل وبكثير من التوقعات العالمية (مصارف ووكالات التصنيف الائتماني)، التي ذهب بعضها لرفع سعر الفائدة إلى 30%.

ويضيف عبد الله أن المصرف المركزي ووزارة المال أكدتا، قبل رفع سعر الفائدة اليوم، إلغاء القيود التي فرضها المصرف المركزي الشهر الماضي، والمتعلقة برفع نسبة ودائع البنوك بالليرة إلى 65% خلال النصف الأول من العام الحالي، وشراء 7% إضافية من السندات الحكومية بالعملة المحلية، ولكن "لم يبت الأمر بشأن الإيداع المحمي بالليرة"، وفق المتحدث ذاته.

ومرت أسعار الفائدة بمراحل خفض دامت نحو عامين، حيث نزلت من 19 إلى 8.5%، وفقا لآخر تخفيض جرى في فبراير/ شباط الماضي، قبل أن يُثبّت السعر خلال الجلسات الأربع الماضية للجنة السياسات النقدي،ة التي رفعت اليوم السعر بنحو 6.5 نقطة مئوية.

ويقول المحلل التركي باكير أتاجان إن رفع سعر الفائدة كان ضرورة لتثبت الحكومة والمصرف المركزي الاستقلالية عن القرار السياسي الذي كان واضحاً خلال العامين الماضيين، والذي وصل إلى عزل الرئيس أردوغان محافظين للمصرف المركزي رفضا تخفيض سعر الفائدة.

ويستدرك أتاجان أن نسبة الزيادة اليوم مرتفعة، إذ "كان بإمكان الفريق الاقتصادي الجديد أن يرفع نقطتين أو 3، ويراقب السوق بعدها لمعرفة الأثر على سعر الليرة والتضخم"، متسائلا: "إن كان الرفع ولأول مرة بهذا الشكل، فماذا يمكن أن يفعلوا في الجلسات المقبلة؟ هل سيرفعون سعر الفائدة إلى 30%؟"، مضيفاً أن سعر الفائدة المرتفع يمكن أن "يشّل" الاقتصاد التركي الإنتاجي ويدفع بالرساميل إلى خزائن المصارف، إذ قلما يأتي قطاع إنتاجي بأرباح سنوية تصل إلى نسبة 25%.

وحول تخلي الرئيس التركي عن سياسة الفائدة المنخفضة التي طالب بها خلال الفترة الماضية، يقول أتاجان إن "الظروف الاقتصادية تبدلت، خاصة بعد مجيء حكومة تؤيد الحلول التقليدية في مكافحة التضخم، ويبدو أن وزير المالية محمد شيمشك قد قدم رؤية متكاملة للرئيس، من شأنها تخفيض نسبة التضخم وتحسين سعر الليرة، ولو على المدى المتوسط، فوافق الرئيس".

ويختم المحلل التركي بأن ثبات سعر الليرة هو الأساس، لافتاً إلى أن "رخص العملة لا يعكس مستوى أو قوة الاقتصاد، ولكن تذبذب السعر هو الحالة المقلقة للمستثمرين في الخارج والمكتنزين والمتعاملين في الداخل"، معتبراً أن "رخص العملة التركية أفادها بزيادة قيمة الصادرات التي وصلت إلى 254 مليار دولار العام الماضي، وزيادة قدوم السياح، وتركيا لا تزال تعول على قائمتي السياحة والصادرات بحلمها الوصول إلى نادي العشرة الكبار".

وبدأ أردوغان التحرك نحو إعادة ضبط السياسة بعد فترة وجيزة من فوزه في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي. 

وفي إصلاح فريقه الاقتصادي، أعاد أردوغان الاستراتيجي السابق في "ميريل لينش" محمد شيمشك وزيراً للمالية، وعيّن إركان على رأس البنك المركزي.

وكان مسؤول اقتصادي تركي كبير، طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية القضية، في حديث مع "بلومبيرغ"، قد حذر من أن الزيادات الضخمة في أسعار الفائدة التي جرى تسعيرها من قبل السوق قد لا تتحقق اليوم الخميس.

وقال وزير المالية الجديد محمد شيمشك، عقب توليه مهام منصبه، إن أولوية الحكومة التركية ستكون ضمان الاستقرار المالي، من خلال تعزيز الجودة والقدرة المؤسسية لمواجهة التحديات العالمية والجيوسياسية.

المساهمون