يترقب اقتصاد الجزائر ارتدادات العدوان الاسرائيلي على غزة. وعلى الرغم من أن التأثيرات المباشرة مستبعدة على نشاط الأسواق بحكم البعد الجغرافي، إلا أن المراقبون يرون أن التداعيات غير المباشرة ستكون متأرجحة بين مخاوف من ارتفاع أسعار الحبوب والسلع في العالم، كون الجزائر من أكثر الدول استيراداً لها، وبين ترقب ارتفاع أسعار النفط، ما يدفع توقعات الحكومة قدماً حول تسجيل فائض في الميزان التجاري يفوق 11 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية.
وتبدو أسواق الجزائر، التي تعيش حالة غير مسبوقة من موجات الغلاء امتدت منذ بداية السنة الحالية، غير متأثرة حتى الساعة بتطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن المراقبين يتوقعون تأثرها في حال استمر التصعيد في المنطقة كما حدث في سيناريو الحرب الروسية – الأوكرانية، عندما عرفت الأسواق اضطرابات في التموين، خاصة من المواد المنتجة من الحبوب وبالأخص القمح، على غرار الطحين والعجائن، بالإضافة إلى الحبوب الجافة.
وفي السياق، يؤكد الحاج طاهر بولنوار، رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، أن "الأسواق الجزائرية لم تتفاعل بعد بطريقة مباشرة مع تطور الأحداث في فلسطين المحتلة بحكم البعد الجغرافي، حيث لم نسجل أي ارتفاع في الطلب على المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، ولم تصل إلينا أي إشارات أو إنذارات مبكرة من طرف التجار حتى الساعة، خاصة في ما يتعلق بتموين الأسواق بالمواد الغذائية المستوردة".
لكن في المقابل، يتخوف المتحدث ذاته، خلال حديث مع "العربي الجديد"، من تأثر أسواق الجزائر من موجات الغلاء التي قد تطاول أسعار الحبوب، في مقدمتها القمح، في الأسواق العالمية، كون الجزائر تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، ما قد يؤدي إلى تضخم مستورد في الأسعار، كما يحدث منذ بداية السنة من موجات غلاء تقول الحكومة إنها "مستوردة" بحكم ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية.
من جانبه، يؤكد الباحث في مركز الدراسات الزراعية والمناخية في مرسيليا الفرنسية عبد الهادي جردي أن "الجزائر، بصفتها أحد أكبر مستوردي القمح، تتابع باهتمام تطورات العدوان الاسرائيلي على غزة، لما له من تأثير على قمح الجزائر المستورد".
ويضيف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أنّ "المقلق اليوم هو ارتداد هذه الحرب على أسعار القمح في الأسواق العالمية، من دون أن ننسى الحرب الروسية الاوكرانية المتواصلة، ما سيؤثر على العرض ويرفع الطلب ويصبح هناك ارتفاع مبرر لأسعار القمح، ما سيدفع بدول كالجزائر، التي تعاني من أزمتي جفاف ونقص الموارد المالية، لمدّ يدها أكثر إلى أموال الخزينة واحتياطي الصرف لضمان توفير الخبز للمواطنين".
وتعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح اللين في العالم، وتعد فرنسا ممونها الرئيس بما قيمته 3 مليارات دولار من القمح سنويا، وتتعامل الجزائر لتوفير الكميات المطلوبة من القمح مع 20 دولة، في مقدمتها فرنسا وروسيا، بالإضافة إلى الأرجنتين وبولونيا وألمانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وكندا، وتقدّر وزارة الزراعة الأميركية احتياجات الجزائر من القمح خلال العام المالي الحالي 2023- 2024 بأكثر من 10 ملايين طن، فيما وصل الاستهلاك في العام المالي الماضي إلى نحو 15 مليون طن.
وفي المقابل، أثارت احتمالات تصعيد الحرب في قطاع غزة، والمنطقة عموما، مخاوف عالمية على إمدادات النفط والغاز ومن ثم على الأسعار، وهو ما قد يدفع بتوقعات الحكومة الجزائرية حول عائدات النفط للارتفاع، ما يساعدها على توفير الأموال لضبط موازنة 2024 المنتظر عرضها على البرلمان في الأسابيع المقبلة، والتي ستفوق 107 مليارات دولار، وهو حجم ميزانية السنة الحالية، ما يزيد من تحديات مواجهة ارتفاع الإنفاق العام.
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "الحرب الاسرائيلية على غزة، واحتمال توسعها جغرافيا وزمنيا، سيكون لها مفعول "الميزان" على الاقتصاد الجزائري، فمن جهة، سيرتفع الإنفاق الحكومي على الغذاء من خلال التسابق مع الزمن لرفع الاحتياطات من الحبوب، بالأخص القمح والبقوليات، لمواجهة ارتفاع الطلب في فصل الشتاء.
ومن جهة أخرى، هناك أيضا احتمال ارتفاع عائدات الطاقة، أي النفط والغاز، علما أن الحكومة ضبطت ميزانية 2024 بسعرٍ مرجعي للنفط بـ50 دولاراً للبرميل، في حين قفزت الحرب الاسرائيلية على غزة بأسعار الذهب الأسود لمتوسط إلى ما بين 86 و 90 دولاراً، أي بهامش احتياطي يفوق 30 دولاراً في البرميل الواحد، ما يُعزز توقعات الحكومة حول العائدات من صادرات الجزائر من الطاقة".
وتتوقع الحكومة في موازنتها التكميلية للسنة الحالية ارتفاع الفائض التجاري من 9.1 مليارات دولار في التقديرات الأولية، إلى 11.3 مليار دولار في الموازنة التكميلية، وذلك بفعل ارتفاع الصادرات إلى 52 مليار دولار مقابل 46 مليار دولار في الموازنة الأولى للسنة الحالية، مع استقرار الواردات عند 41.5 مليار دولار، مدفوعاً بارتفاع عائدات النفط في الثلث الأخير من السنة الحالية.