استمع إلى الملخص
- تصدير الغاز قد يرفع أسعار الغاز في الولايات المتحدة بنسبة 30%، مما يزيد تكاليف الإنتاج ويرفع التضخم، مع مخاوف بيئية من زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
- تواجه صادرات الغاز الأميركي عقبات مثل التوترات الجيوسياسية والعقبات التنظيمية، مع احتمال تراجع الطلب الأوروبي إذا هدأت التوترات في أوكرانيا.
بينما يضغط الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، على الاتحاد الأوروبي لزيادة مشترياته من الغاز الطبيعي المسال الأميركي على اعتبار أن زيادة تلك الصادرات ستعزز معدل النمو الاقتصادي داخل الولايات المتحدة، وستزيد من عدد الوظائف وتخفض العجز التجاري مع أوروبا، كما ستمكنه من الضغط على روسيا لوقف الحرب الأوكرانية التي وعد بإنهائها سريعاً خلال حملته الانتخابية، فإن سياساته تلك تواجه عقبات جمة.
ورغم الفوائد التي يشير إليها خبراء طاقة في معاهد الدراسات الأميركية، فإن سكوت لينسيكوم الزميل بمعهد كاتو الأميركي أكد في دراسة صدرت في ديسمبر الماضي أن الضغط على أوروبا لاستيراد الغاز المسال الأميركي ليس بشيء جديد وإنما هو تكرار للنهج التاريخي الذي اتبعه ترامب في المفاوضات التجارية مع شركاء التجارة، مشيرًا إلى أن مطالبه ليست جديدة ولكنها استمرار للاستراتيجيات السابقة التي تهدف إلى معالجة الاختلالات التجارية بالميزان التجاري الأميركي مع الدول وتأمين شروط مواتية للسلع الأميركية في الخارج. كما يساعد هذا المنظور التاريخي في تفسير سبب شعور ترامب بأن نهجه مبرر في الوقت الذي يسعى فيه إلى تعزيز مكانة أميركا في الأسواق العالمية بعد الوباء.
ويرى محللون أن سياسات تصدير الغاز المسال على صعيد الاقتصاد الأميركي والسياسة النقدية الأميركية ستكون لها تداعيات سالبة وربما خطيرة. في هذا الشأن، يرى العديد من هؤلاء أن تصدير الغاز المسال سيخلق العديد من المشاكل للاقتصاد الأميركي الذي يتمتع حالياً بسعر منخفض للطاقة. وأشارت جنيفر جرانهولم، وزيرة الطاقة الأميركية، إلى عيوب تصدير الغاز الأميركي عند مناقشة توسيع صادرات الغاز الطبيعي المسال في ديسمبر الماضي، مما يشير إلى وجود توازن معقد بين المصالح المحلية وضغوط المبيعات الأجنبية.
في ذات الصدد يقول تحليل صدر عن مصلحة الطاقة الأميركية في ديسمبر الحالي أن سياسة تصدير الغاز الطبيعي سترفع أسعار الغاز في أميركا بنسبة 30% أو أكثر، وأن هذه الزيادة سترفع من كلف إنتاج السلع للشركات، وبالتالي ستزيد من أسعار السلع والخدمات على المستهلك الأميركي. ولا يستبعد التحليل أن يقود ذلك إلى ارتفاع التضخم والضغط على مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" للتحول من سياسة خفض سعر الفائدة المصرفية إلى إبقائها على حالها خلال العام المقبل أو حتى يضطر لرفعها مرة أخرى. في ذات الشأن، تشير دراسة صدرت عن اتحاد المستهلكين في أميركا خلال ديسمبر الجاري، أن سياسة التصدير سترفع كلف أسعار الغاز للقطاع الصناعي بنحو 125 مليار دولار حتى العام 2050.
وعلى صعيد البيئة، حذر خبراء من الآثار البيئية الضارة لزيادة صادرات الغاز الطبيعي. وفي تقرير نشره صندوق الدفاع عن البيئة الأميركي في أواخر ديسمبر الجاري، قال إن زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب توسيع أنشطة الحفر والإنتاج، وهو ما قد يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ في أميركا.
وبينما تسعى إدارة ترامب إلى تسريع الموافقات على تصدير الغاز الطبيعي المسال، قد تنشأ تحديات تنظيمية على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي بهدف حماية البيئات والمجتمعات المحلية. ويقول الخبير كيفن بوك من شركة " كلير فيو إنيرجي بارتنرز" الأميركية في تحليله في 10 ديسمبر الجاري، إنه على الرغم من وجود دعم سياسي قوي لصادرات الغاز الطبيعي المسال في عهد ترامب، فإن أي تصاريح جديدة ستحتاج إلى وثائق شاملة لمقاومة التدقيق القانوني من المجموعات البيئية.
من جانبه يشير الخبيرالأميركي جيف كوبفر إلى أنه في حين أن زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تعزز مكانة أميركا في أسواق الطاقة العالمية، فإنها تعرض المستهلكين المحليين لتقلبات الأسعار الدولية. وقال كوبفر، إذا ارتفع الطلب العالمي بشكل غير متوقع على الغاز المسال، أو إذا عطلت التوترات الجيوسياسية سلاسل التوريد، فقد يواجه المستهلكون الأميركيون تقلبات في أسعار الطاقة على الرغم من زيادة قدرات الإنتاج المحلي. كما يرى محللون أن سياسة الضغط التي يمارسها ترامب على أوروبا لشراء الغاز الأميركي تتعارض مع سياسة السوق الحر التي يتبناها النظام الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وتدخل في نمط الاحتكار الذي يتعارض مع القوانين الأوروبية والأميركية.
وترى "نشرة أويل برايس" في تحليل الأسبوع الماضي، أن استيراد الغاز المسال في أوروبا تنفذه الشركات غير الحكومية وليس الدول وبالتالي فإن هذه الشركات لديها كامل الحرية في استيراد الغاز من أي سوق تريد. ومن غير المستبعد أن تخلق الضغوط الأميركية خلافات داخل دول الاتحاد الأوروبي بين شركات الطاقة والحكومات.
وفي ذات الشأن، أبرز مركز كلا ينمان لسياسة الطاقة بجامعة بنسلفانيا في دراسة العام الماضي، أنه في حين يستطيع ترامب الدعوة إلى زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، فإن قوى السوق تملي في نهاية المطاف أين ترسل الشركات منتجاتها؛ وبالتالي، فهو لا يستطيع إرغام الشركات أو البلدان على الانخراط في معاملات محددة دون وجود دعم سياسي أو حوافز أوسع نطاقاً. وتعكس الدراسة القيود المفروضة عبر الضغوط السياسية في تشكيل أسواق الطاقة العالمية وتؤكد الحاجة إلى استراتيجيات متماسكة طويلة الأجل تتجاوز مطالب المعاملات الفورية من قادة مثل ترامب.
وعلى مستوى عقبات التصدير، يواجه تصدير الغاز الطبيعي الأميركي، وخاصة في شكل غاز طبيعي مسال، العديد من التحديات التي يمكن أن تؤثر على نموه واستدامته. وتتراوح هذه العقبات ما بين التوترات الجيوسياسية إلى العقبات التنظيمية المحلية وديناميكيات السوق. ومن بين هذه العقبات، مشهد الطاقة العالمي الذي تأثر بشدة بالأحداث الجيوسياسية، لا سيما تلك التي تشمل كبار المنتجين مثل روسيا ودول أوبك، حيث أدى الصراع الدائر في أوكرانيا إلى تحولات كبيرة في سلاسل إمدادات الطاقة.
إذ بينما تسعى أوروبا إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي، أدى هذا الوضع إلى زيادة مؤقتة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، وبالتالي فإنه يخلق تقلبات في اتفاقيات التسعير والتوريد في المستقبل. ويرى محللون أنه إذا هدأت التوترات في أوكرانيا فقد يتضاءل الطلب على الغاز الأميركي، لأنه ببساطة، فإن غاز الأنابيب الروسي أرخص وأدوم على المدى الطويل مقارنة بالغاز المسال الأميركي. ومعروف أن لدى شركة غاز بروم الروسية بنية أنابيب تشمل جميع دول أوروبا. ولاحظ محللون أن توقف إدارة بايدن الأخير للموافقات على منشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة أثار قلقًا في أوروبا. ويرى خبراء طاقة أن أميركا قد لا تكون مورداً مضموناً.
وعلى مستوى احتياطات الغاز الأميركي ، فإنه وفقًا لأحدث البيانات المتاحة من إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في الولايات المتحدة مستوى قياسيا بلغ 691.0 تريليون قدم مكعبة في نهاية عام 2022 أو ما يعادل 19.595 تريليون متر مكعب. ويمثل الرقم زيادة بنسبة 10% عن إجمالي العام السابق البالغ 625.4 تريليون قدم مكعبة. ويعزى نمو الاحتياطيات إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الاكتشافات الجديدة، وتحسين تقنيات الاستخراج، والظروف الاقتصادية المواتية.
ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، فإن الولايات المتحدة لديها ما يكفي من الغاز الطبيعي لمدة 86 عامًا تقريبًا، إذا ظلت مستويات الإنتاج والاستهلاك ثابتة. ويستند التقدير إلى المعدل السنوي لإنتاج الغاز الطبيعي الجاف لعام 2021 والبالغ نحو 34.52 تريليون قدم مكعبة. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن متوسط تكلفة إنتاج الغاز الصخري يتراوح بين 2.50 إلى 5 دولارات لكل ألف قدم مكعبة.
وتقدر في المتوسط بنحو 0.132 دولار للمتر المكعب، ويعود التفاوت في الكلفة إلى تكوينات الصخر الزيتي وغنى الحقول. وتتضمن تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي الصخري عادة تكاليف الحفر والإكمال، ونفقات التشغيل، وتكاليف النقل. ويمكن أن تختلف هذه التكاليف بشكل كبير اعتمادًا على تكوين الصخر الزيتي المحدد وعمق الآبار والتكنولوجيا المستخدمة والظروف الاقتصادية الإقليمية.