كل المؤشرات الاقتصادية ليست في صالح دونالد ترامب وحملته الانتخابية باستثناء مؤشر "وول ستريت"، حيث تواصل الأسهم الأميركية ارتفاعاتها بشكل أذهل معظم المراقبين والسماسرة وأصحاب الأموال، خاصة مع تراجع أرباح الشركات الكبرى المدرجة في أسواق المال.
والمؤشر الأخير يصب في صالح كبار المستثمرين والمضاربين في البورصات الأميركية، ولا يهم كثيرا رجل الشارع العادي الذي بات يبحث مجدداً عن الأمان الصحي الذي افتقده منذ تفشي وباء كورونا واستهانة إدارة ترامب الفيروس.
ومعه يبحث المواطن أيضا عن الأمان الوظيفي المهدد في ظل تهديد الشركات بالاستغناء عن ملايين العمال في حال عدم الحصول على حزم إنقاذ جديدة من الحكومة تساعدها في سداد الرواتب والحيلولة دون الإفلاس، خاصة مع استمرار الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول مبلغ الحزمة الجديدة من التحفيز المالي.
فالحزب الأول يقترح حزمة بقيمة 2.2 تريليون دولار، في حين خفض الحزب الثاني المبلغ لنحو 1.8 تريليون دولار، والنتيجة استبعاد أعضاء مجلس النواب التصويت على حزمة التحفيز الجديدة للاقتصاد الأميركي في الأسبوع الجاري، وبالتالي تلاشي آمال إنهاء سريع للجمود الحالي.
أما المؤشرات الأخرى فهي بالتأكيد ليست في صالح ترامب الذي راهن عليها قبل أكثر من عام في إقناع المواطن بإعادة انتخابه للمرة الثانية، بل انتخابه رئيساً مدى الحياة انطلاقا من القفزات الإيجابية التي أحدثها في الاقتصاد الأميركي خاصة على مستوى زيادة فرص العمل وتقليص نسب البطالة، وخفض أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز وغيره، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة خاصة للمصانع والقطاعات الإنتاجية وسوق العمل، وإرغام الصين وغيرها من الشركاء التجاريين كاليابان على استيراد منتجات أميركية أكثر وبمليارات الدولارات.
من بين تلك المؤشرات دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة كساد لم يشهدها منذ الكساد العظيم في العام 1929، وزيادة الانكماش، وتفاقم عجز الموازنة العامة، وتراجع الإيرادات الحكومية بشكل كبير، وزيادة الدين العام لمستوى قياسي وتجاوزه نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدل البطالة وانقضاء مهلة تقديم المساعدات الفيدرالية، وهو ما قد يفجر جولة ثانية من تسريح العمالة، وكذا زيادة التضخم.
كما أن الاقتصاد الأميركي يتدهور بشكل سريع فاق كل التوقعات، إضافة إلى فشل خطة ترامب بفتح الاقتصاد وعودة نشاط الإنتاج وحركة الأسواق لمعدلاتها الطبيعية.
ومع انطلاق الموجة الثانية من كورونا بقوة قياسا إلى الإصابات القياسية التي شهدها العالم خلال الأيام القليلة الماضية، وتسارع الدول نحو إغلاق حدودها، وزيادة وفيات كورونا في الولايات المتحدة إلى أكثر من 214 ألفا وإصابة أكثر من 7 ملايين، وإعلان شركة جونسون آند جونسون أمس تعليق تجارب لقاحها لفيروس كورونا في خطوة مفاجئة، فإن رهان ترامب على إعادة فتح الاقتصاد قبيل الانتخابات الرئاسية يظل خاسرا، بل وصعب التحقق.
وحتى في حال إعادة انتخاب ترامب رئيساً، فإن القادم سيكون أصعب بكثير بالنسبة له من الفترة الأولى لرئاسته في ظل تقديرات متشائمة بالغة السوء لحجم الخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد جراء كورونا.
فوزير الخزانة الأميركي السابق، لورانس سمرز، قال أول من أمس إن أزمة وباء "كوفيد-19" ستكلف الولايات المتحدة نحو 16 تريليون دولار، أي ما يعادل أربعة أمثال خسائر الركود الكبير، وإن التكلفة المالية المتوقعة للوباء تعادل نحو 90% من حجم الاقتصاد الأميركي، كما أنها أكثر من ضعف الإنفاق على كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة منذ سبتمبر 2001.
وهذا يعني أن الرئيس الأميركي القادم سيكون مسؤولا أولا عن إيجاد لقاح فعال ضد الفيروس، وبعدها يتفرغ لترميم ما أصاب الاقتصاد الأميركي من شروخ وانهيارات حادة، وفي مقدمتها العجز الضخم في الدين العام، والخسائر الفادحة التي تعرض لها قطاع الأعمال والذي سيدفع ملايين الشركات إلى الإفلاس أو الخروج من السوق أو تقليص العمالة والإنتاج.
وهذا كله سيؤثر على المواطن الأميركي والخدمات والسلع المقدمة له، وقبلها سيؤثر على سعر صرف الدولار الذي نصح غولدمان ساكس، وهو واحد من أكبر بنوك الاستثمار في العالم، المستثمرين ببيعه وسط زيادة التوقعات بفوز المرشح الديمقراطي، جون بايدن، في انتخابات الرئاسة، واكتشاف لقاح لفيروس كورونا.