تراجعت حصة الدولار في احتياطات البنوك المركزية العالمية الأجنبية في نهاية الربع الثالث من العام الماضي 2021 إلى 59.15% من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي المقدرة بأكثر من 11 تريليون دولار مقارنة بنسبة 59.23% في نهاية الربع الثاني، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي الصادرة يوم الأحد الماضي.
وبحسب تحليل بنشرة " نيكاي آشيا" أمس الثلاثاء، فإن التراجع في حصة الدولار يعود إلى مخاوف البنوك المركزية العالمية من تداعيات سياسات التيسير الكمي الأميركية على قيمة الورقة الخضراء.
لكن خبراء آخرون، يرون أن الاستخدام المكثف للدولار كأداة في السياسة الخارجية الأميركية عبر حظر ومعاقبة الدول كان له كذلك أثر على حصة الدولار بالاحتياطات العالمية من النقد الأجنبي.
وتشكل احتياطات الدولار الأجنبية من سندات الخزينة الأميركية والسندات التي تصدرها الشركات الأميركية والأصول الدولارية التي تملكها البنوك المركزية العالمية.
وكانت حصة الدولار من احتياطات النقد الأجنبي العالمية تعادل 71.5% حتى عام 2001، لكن العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، هددت مكانة الدولار كـ"عملة احتياط دولية" خلال العقد الأول من العام الجاري، حيث تراجعت حصة الدولار منذ صدور عملة "اليورو" بنسبة 12.3%.
لكن تهديد اليورو لقوة الدولار توقف في أعقاب أزمة اليورو في عام 2010 والتي هددت بإفلاس النظام المصرفي في بعض الدول الأوروبية، وإفلاس اليونان وبعض دول أوروبا الضعيفة، لولا تدخل صندوق النقد الدولي.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الدولار لا يزال "عملة الاحتياط" الرئيسية في العالم، تليه العملة الأوروبية "يورو" ثم الين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني.
ووفق خبراء فإن اليورو لا يزال يملك مستقبلاً واعداً مقارنة بالعملات الرئيسية في سوق الصرف العالمي، وربما يتمكن من أخذ حصة أكبر من الاحتياطات العالمية لدى البنوك المركزية خلال العقد الجاري، وذلك ببساطة بسبب النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر بدول الكتلة الأوروبية، واحتمال توسع عضوية اليورو لتشمل دولاً أخرى من الأعضاء بالمجموعة الأوروبية.
الدولار لا يزال "عملة الاحتياط" الرئيسية في العالم، تليه العملة الأوروبية "يورو" ثم الين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني
وحتى الآن فإن 19 دولة فقط من دول الاتحاد الأوروبي البالغة 27 دولة تعتمد اليورو كعملة رسمية. ويقدر حجم اقتصاد اليورو بقرابة 14 تريليون دولار مقارنة بالاقتصاد الأميركي المقدر بنحو 23.2 ترليون دولار في نهاية العام الماضي وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وبالتالي فإن اليورو لا يزال أمامه مستقبل للتوسع من ناحية التسويات التجارية العالمية، ومن حيث حجم الاحتياطات العالمية في حال توسع منطقة اليورو وتوجهها نحو دولة " اليورو الواحدة".
وعلى الرغم من قوة الاقتصاد الصيني، يرى محللون أن اليوان الصيني لا يملك القدرة على منافسة الدولار أو حتى اليورو خلال العقد الجاري، إذ أن النظام الاقتصادي الصيني يخضع للإدارة المركزية من قبل الحزب الشيوعي الصيني الذي يهيمن على السياسة المالية والاقتصادية بالبلاد، وبالتالي يضعف اليوان ويفقده بعض الثقة الدولية في أسواق الصرف ولدى البنوك التجارية والاستثمارية.
ولا يزال الحزب الشيوعي الصيني يهيمن على سعر صرف العملة الصينية التي تتأرجح ضمن هامش مقابل الدولار، كما يمنع حرية حركة العملة ويضع ضوابط على حركة الدولار.
وحتى الآن تحجب هذه العوامل الثقة عن اليوان في سوق الصرف العالمي. ويذكر أن اليوان دخل ضمن عملات "وحدات السحب الخاصة" في عام 2016، وهي الوحدة التي يحسب الصندوق على أساسها عملته. وهذا العامل أعطى دفعة لليوان خلال النصف الثاني من العقد الماضي، ولكنه لم يدفعه كثيراً في حصة الاحتياطات الدولية.
ويقول محللون إن اليوان لم يتمكن حتى الآن من توظيف القوة التجارية للصين وحجمها الاقتصادي الذي يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الولايات المتحدة وبنحو 13.5 تريليون دولار وفقاً لبيانات البنك الدولي.
كما يستفيد اليوان كذلك من القوة الشرائية الضخمة في السوق الصيني الذي يقدر حجم مستهلكيه بنحو 1.412 مليار نسمة، وهنالك احتمال توسع القوة الشرائية أكثر في الصين مع تنامي الطبقة الوسطى بالبلاد وبداية طرح اليوان الرقمي.
ويشير تحليل بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حصة الين الياباني من إجمالي الاحتياطات النقدية العالمية لا يزال أكبر بكثير من اليوان الصيني رغم الفارق في الحجم الاقتصادي بين الدولتين.
وحسب التحليل، ارتفعت حصة الين منذ العام 2015 لتصل إلى 6.0%. ويعد الين الياباني هو عملة " الملاذ الآمن" في آسيا، حيث يهرع كبار المستثمرين لشراء الأصول اليابانية كلما تعرض السوق الصيني لانتكاسة وأزمة مثلما حدث لأسهم شركات التقنية في الربع الأول من العام الماضي، وما يحدث حالياً لسندات العقار بالصين.
على صعيد احتياطات الذهب لدى البنوك المركزية العالمية، تشير نشرة "نيكاي آشيا" اليابانية، إلى أن تلك البنوك رفعت من احتياطات الذهب إلى أعلى مستوياتها خلال الـ31 عاماً الماضية.
وحدثت مشتريات الذهب وفقاً للنشرة، على حساب العملات الأجنبية بسبب مخاوف التضخم وتراجع القيمة الحقيقية للعملات الأجنبية ووسط ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.
ولا يزال العديد من خبراء المال يرون أن الذهب هو المعدن الوحيد القادر على حفظ القيمة وسط عمليات " طباعة النقود" من قبل بعض الدول دون غطاء تجاري ونقدي أو حتى توسع اقتصادي حقيقي مثلما كان يحدث في فترات الحروب العالمية الأولى والثانية.
اليوان لم يتمكن حتى الآن من توظيف القوة التجارية للصين وحجمها الاقتصادي الذي يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الولايات المتحدة وبنحو 13.5 تريليون دولار
وحسب بيانات مجلس الذهب العالمي في لندن التي نقلتها نشرة " نيكاي آشيا" اليابانية، فإن البنوك المركزية رفعت من احتياطات الذهب خلال العقد الماضي بنحو 4500 طن، وبلغ حجم احتياطاتها من الذهب 36 ألف طن بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وذلك بارتفاع نسبته 15% مقارنة بما كان عليه حجم الاحتياطات الذهبية العالمية لدى البنوك المركزية في العقد الأول من القرن الجاري.
وتشير النشرة إلى أن البنوك المركزية باعت الدولار في بعض الفترات واشترت الذهب كأداة تحوط على أمل ارتفاع سعره وتغطية خسائرها في الدولار. وتتخوف البنوك المركزية من مواصلة مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) ضخ الدولارات في السوق وتداعيات رفع حجم الاستدانة الأميركية إلى نحو 31.5 تريليون دولار.
وترى أن هذا العامل يرفع من مخاطر الاستثمار في السندات الأميركية وربما عجز الولايات المتحدة في المستقبل من دفع أقساط الديون السيادية التي تفوق حالياً نصف تريليون دولار.
وحتى الآن تعد سندات الخزينة الأميركية أجل عشر سنوات هي "الملاذ الآمن" للمستثمرين والأثر سيولة، كما أنها لا تحتاج إلى دفع تأمين عليها مثل باقي السندات السيادية العالمية.
على صعيد الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من الدولار كـ"عملة احتياط" دولية، يقول تحليل حديث بمجلس العلاقات الخارجية، إن هيمنة الدولار على التسويات التجارية العالمية ودوره كعملة مهيمنة على النظام المالي والنقدي العالمي يمنح الولايات ميزات عديدة، أهمها سهولة الحصول على التمويل وبسعر رخيص مقارنة بمنافساتها وبسعر فائدة أقل مقارنة بدول العالم.
كما أن واشنطن تستخدم هيمنة الدولار على النظام المالي والنقدي العالمي في فرض عقوبات على الدول والشركات العالمية التي تعارض سياساتها الخارجية، إذ من خلال الحظر الثانوي تستطيع الولايات المتحدة معاقبة أية شركة أو دولة بمنعها من استخدام الدولار في التسويات التجارية.
لكن في المقابل يرى تحليل "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"، أن هنالك جوانب سلبية لدور الدولار كـ"عملة احتياط دولية" على الاقتصاد الأميركي. من بين هذه السلبيات، أن ارتفاع الطلب العالمي على الدولار يرفع سعر صرفه مقابل عملات الاقتصادات الأخرى المنافسة للولايات المتحدة.
وينعكس ذلك سلباً على زيادة العجز في ميزان التجارة الأميركي، لأن قوة الدولار تعني رخص البضائع المستوردة على حساب البضائع والسلع المصنعة محلياً. ومثل هذا العامل يؤثر على مبيعات الشركات الأميركية ويضطرها إلى البحث عن التصنيع في الخارج وبالتالي تخسر الولايات المتحدة الوظائف لصالح دول مثل الصين ودول النمو الآسيوية.