تدهور محتمل للجنيه المصري... وصدمات معيشية جديدة

08 سبتمبر 2022
ارتفاع التضخم يرهق حياة المصريين (فضل داود/Getty)
+ الخط -

بات المصريون في حالة من الترقب والقلق من أن تسفر المفاوضات التي تجريها الحكومة حاليا مع صندوق النقد الدولي عن خفض جديد لسعر الجنيه مقابل الدولار، ويأتي ذلك وسط مخاوف من ضغوط الصندوق الذي لجأت إليه الحكومة من أجل الحصول على قروض تساعدها على مواجهة أزماتها المالية الخانقة، وبالتالي يتأهب الشارع لموجة جديدة من الغلاء وتدهور المعيشة في حال خفض قيمة العملة المحلية بدرجة كبيرة، وربما تعويم العملة كاملة كما جرى في العام 2016.

وتعيش الأسواق حالة اضطراب واسعة، للشهر السابع على التوالي، تتجه بالاقتصاد إلى حالة من الركود الحاد وتضخم يزداد شهريا، بما يهدد بغرق البلاد في ركود تضخمي يزيد من حالات غلق المصانع ودخول شريحة واسعة من المواطنين في تعداد البطالة.

رصد مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره مؤسسة ستاندز آند بورز غلوبال S&P Global، استمرار انخفاض النشاط التجاري والمبيعات في القطاعات غير النفطية، التي تشمل التصنيع والخدمات والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة، خاصة لدى أصحاب الأعمال الجديدة.

أشار التقرير الشهري للمؤشر إلى تدهور الطلب من جانب المشترين، ليتمكنوا من مواجهة التضخم السريع، الذي زاد في يوليو/ تموز الماضي إلى 14.6%، ويتوقع تزايد معدلاته، خلال الفترة المقبلة.

أوضح التقرير أسباب تراجع طلبات التصدير للخارج خلال أغسطس الماضي، إلى التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية في أوروبا والأسواق المستوردة للمنتجات المصرية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج مع نقص المعروض من المواد الخام، بسبب تفاقم أزمة لائحة الاستيراد لمكونات الإنتاج من الخارج.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

شدد التقرير على الأثر السلبي لتدهور الجنيه مقابل الدولار، والذي رفع أسعار المشتريات، بما أدى إلى استمرار الركود بالأسواق، رغم الارتفاع البسيط الذي ظهر أثره الشهر الماضي، حيث سجل المؤشر 47.6 نقطة في أغسطس، بدلا من 46.4 نقطة في يوليو/ تموز الماضي. يعد المؤشر منحدر الوضع التجاري أقل من 50 نقطة، بمثابة دخول في حالة ركود، والتي بدأت منذ فبراير/ شباط 2022. وبلغ سعر العملة المحلية، أمس الأربعاء، نحو 19.25 جنيهاً في البنوك المصرية.

تشاؤم الأسواق

تسود حالة من التشاؤم بين رجال الأعمال والمستثمرين، بشأن مستقبل الإنتاج، المتعلقة بندرة الدولار وتراجع الجنيه، مع تضاؤل مستوى الثقة بسبب ضعف ظروف السوق وارتفاع التضخم ومشاكل العرض. ووفقا لمؤشر مدراء الشركات، تدنى مستوى الثقة للاقتصاد المصري، في أغسطس/ آب الماضي، إلى ثاني أدنى مستوى شهدته البلاد، والذي وقع في مارس 2022.

يؤكد تجار تجزئة ضعف إقبال المستهلكين على شراء الملابس والمستلزمات المنزلية، في الأسبوع السادس من الأوكازيون الصيفي، رغم ارتفاع قيمة التخفيضات، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وتوجيه أغلبية الدخول إلى شراء المأكولات، وتدبير مصروفات، مع حلول موسم دخول المدارس.

رفع مسؤولون بالغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال، مطالبات لمجلس الوزراء، يحذرون فيها من تزايد أعداد المصانع التي تتوقف عن العمل كليا أو جزئيا، مع مواصلة الحكومة منع الاستيراد من الخارج، وارتفاع التضخم لمستويات قياسية، تشهدها البلاد للمرة الثانية خلال 7 سنوات، عندما تراجع سعر الجنيه بنحو 60% في نوفمبر 2016.

تخفيض جديد للجنيه

يتوقع خبراء تصاعد الصدمة الاقتصادية في مصر خلال الأيام المقبلة، بعد أن كشفت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، عن اتجاه الحكومة إلى تخفيض قيمة الجنيه تدريجيا، باعتبار "سعر الصرف المرن مفيد حتما للاقتصاد". وأكدت الوزيرة في تصريحات متلفزة، أن الحكومة ستدعم تخفيضا آخر لقيمة الجنيه، دون أن تحدد مستوى لتلك التخفيضات.

تأتي تصريحات الوزيرة متوافقة مع التسريبات التي انطلقت منذ أيام، حول نتائج مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، على برنامج الإصلاح الهيكلي الجديد للاقتصاد المصري.

توقعت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني، الأسبوع الماضي، أن يتجه البنك المركزي نحو مسار تدريجي لخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، بدلا من التعويم الحاد لتفادي زيادة جديدة في معدلات التضخم، بينما أكدت تقارير لمؤسسات كابيتال ايكونوميكس، وبلومبيرغ وخبراء بصندوق النقد، وبنك بي إن بي باريبا، أن الجنيه سيشهد تراجعا دراماتيكيا جديدا، ليتراوح ما بين 23 جنيها نهاية العام الحالي، و25 جنيها، عام 2024.

تصف وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية الوضع الاقتصادي في مصر بأنه أوضح مثال للمحنة التي تعيشها الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع الديون والتضخم وأسعار المواد الغذائية. ويرجع خبراء تأزم الوضع الاقتصادي إلى وجود اضطرابات واضحة في إدارة الأصول المالية منذ التخفيض المفاجئ لقيمة الجنيه في نهاية عام 2016، وارتفاع الديون إلى أعلى مستوى لها، وتآكل الاحتياطي النقدي، ووجود فجوة في تمويل الموازنة يقدرها الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بنحو 25 مليار دولار، بينما يؤكد خبراء ارتفاعها إلى 33 مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2022-2023.

وفي الوقت الذي يحمل فيه المواطن الحكومة مسؤولية التضخم وغلاء الأسعار، يحمل النائب أحمد قورة عضو مجلس النواب رجال الأعمال والتجار مسؤولية زيادة الأسعار بالأسواق. ويبرهن قورة رؤيته بأن الجنيه تراجع بنسبة 20% أمام الدولار، وانخفضت أسعار السلع والخامات دوليا، منذ شهرين، بينما زاد التجار الأسعار بنسبة تفوق 50%، بما يربك الأسواق، ويحول دون قدرة المواطنين على الشراء.

تجاهل قورة أن سوق الواردات ما زال مغلقا أمام أصحاب المصانع، والموردين منذ مارس/ آذار الماضي، عقب تطبيق نظام الاستيراد والدفع النقدي للصفقات بالدولار عبر البنوك المحلية.

مخاوف المستثمرين

على جانب آخر، يبدى رجال أعمال مخاوفهم من زيادة التراجع في قيمة الجنيه، وفقا للشروط التي أعلنها صندوق النقد الدولي، والتي تشمل إلغاء الفائدة المخفضة على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل العقاري والمشروعات السياحية، والتي تمثل غالبية الاستثمار الخاص بالدولة، والذي يبلغ 18% فقط من حجم الاقتصاد بالدولة حاليا.

يبدى رجال أعمال مخاوفهم من زيادة التراجع في قيمة الجنيه، وفقا للشروط التي أعلنها صندوق النقد الدولي، والتي تشمل إلغاء الفائدة المخفضة على قروض المشروعات الصغيرة

وكشفت وكالة بلومبيرغ عن بعض مطالب صندوق النقد، لإدارة البنك المركزي الجديدة، بأن الصندوق طلب توحيد سعر الفائدة على القروض المصرفية، مقابل المرونة في شرطه للتحرير الكامل والحاد لسعر صرف الجنيه، ليصبح الخفض تدريجيا، والسماح بدعم مخفف للخبز، يتحول إلى مبلغ نقدي، على مراحل، بعد أن أبدت الحكومة مخاوفها من أن يؤدي الأمر إلى ارتفاع شديد في معدلات التضخم، وانفلات اجتماعي.

يتوقع مستثمرون أن يؤدي التشدد النقدي والمالي الذي فرضه صندوق النقد على الحكومة، إلى ارتفاع تكاليف الإقراض للمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية، ومؤسسات الأعمال والمستهلكين بما يخفف الطلب على السلع غير النفطية، وخاصة السلع الحساسة لأسعار الفائدة، ومنها السيارات والسلع المعمرة، والعقارات، ومنتجات المشروعات الصغيرة، ويوقف العمل بالمزيد من المصانع، ويرفع معدلات البطالة.

ويؤكد المحلل المالي إيهاب مهدي أن ارتفاع معدلات الفائدة، سيؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار الأصول، وخاصة المطروحة للتعامل في بورصة الأوراق المالية، بما يربك سوق الأسهم وسلبا على الائتمان، الذي انخفض مؤخرا، لتلاشي الثقة في التعامل بالجنيه بين التجار، واضطرارهم إلى تحديد قيمته بنحو 25 جنيها مقابل الدولار، تحسبا لأية تغيرات نقدية قادمة.

أشار محللون إلى أن الحكومة عالقة بين شقي رحى، ندرة السيولة من النقد الأجنبي وكثرة الديون وارتباطها بجدول زمني للسداد، يحل قسطه الأول في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، يبلغ 5 مليارات دولار، ومطالبتها بتوفير عملات صعبة تمول بها العجز المتصاعد في الحساب الجاري، ورفع الاحتياطي النقدي المتراجع، وتحريك الاقتصاد، بالسماح للمستوردين بتمويل مشترياتهم من الخارج.

المساهمون