تجددت المخاوف حيال التداعيات الاقتصادية لتشديد قيود مكافحة الموجة الثانية من فيروس كورونا الجديد في القارة الأوروبية.
وتزايد عدد الدول الأوروبية التي قررت إعادة فرض الإغلاق الكلي أو الجزئي بعد تزايد معدل الإصابات، ما أثار المخاوف من تداعيات صحية على غرار الموجة الأولى، في ظل عدم التوصل حتى الآن إلى لقاح للوقاية من الفيروس.
وتجاوز عدد الإصابات في كامل القارة الأوروبية 8,2 ملايين، فيما توفي أكثر من 258 ألف شخص جراء الفيروس، بينهم نحو 10003 في ألمانيا التي تطاولها الموجة الثانية من الوباء مباشرةً بعدما بقيت بمنأى نسبياً عن الفيروس.
قيود أوروبية
وتتجه ألمانيا اليوم الأربعاء، إلى فرض إغلاق جزئي، على غرار دول أخرى سبقتها مثل إيطاليا التي فرضت حظر التجول على مناطق كاملة، وأمرت بإغلاق جزئي للمحلات والمطاعم، بينما أعلنت إسبانيا وفرنسا حالة الطوارئ، وحظرت الأخيرة التجوال ليلاً على نحو ثلثي السكان.
وذكر تلفزيون "بي.إف.إم" أن الحكومة الفرنسية تدرس فرض إجراءات عزل عام جديدة على مستوى البلاد اعتباراً من منتصف ليل الخميس، وقال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيُدلي بخطاب عبر التلفزيون في وقت لاحق هذا المساء.
كذلك أعلنت تشيكيا فرض حظر تجوّل يومي اعتباراً من اليوم الأربعاء من الساعة التاسعة مساءً حتى الساعة 04.59 فجراً، في تدبير يستمرّ حتى الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
ودعت السلطات الصحية السويدية أمس الثلاثاء، السكان في جنوب البلاد للحد من الاختلاط وتجنب المواصلات العامة والأماكن المغلقة، وباتت بولندا بكاملها مصنفة "منطقة حمراء"، بعدما كان هذا التصنيف يقتصر حتى الآن على المدن الكبرى ومحيطها.
وفي سلوفاكيا بدأ حظر تجول ليلي منذ السبت الماضي وحتى مطلع نوفمبر. وفي بلجيكا أعلنت سلطات بروكسل تقديم حظر التجول المفروض في البلد إلى الساعة 22,00، وأمرت بإغلاق المتاجر في الساعة 20,00 بتوقيت غرينتش، وحظرت الأنشطة الثقافية والرياضية اعتباراً من أول أمس الاثنين.
وفي بريطانيا، فرضت مقاطعة ويلز حجراً منزلياً على جميع سكانها منذ منتصف ليل الجمعة وحتى التاسع من نوفمبر.
من جهتها، أعادت إيرلندا فرض الحجر المنزلي على جميع مواطنيها لستة أسابيع منذ منتصف ليل الأربعاء، بما يشمل إغلاق كل المتاجر غير الأساسية. وأعلنت الدنمارك تشديد القيود على التجمعات وتمديد وجوب وضع الكمامات اعتباراً من الاثنين.
إغلاق في ألمانيا
أظهرت مسودة قرار أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترغب في نيل موافقة رؤساء حكومات الولايات اليوم الأربعاء على إغلاق جميع المطاعم والحانات اعتباراً من الرابع من نوفمبر، في محاولة لكبح انتشار فيروس كورونا، مع إبقاء المدارس ورياض الأطفال مفتوحة.
ويتضح من المسودة التي نشرتها وكالة "رويترز" اليوم، أنه إذا وافق رؤساء حكومات الولايات الست عشرة على المسودة خلال مؤتمر عبر الهاتف يعقد في وقت لاحق اليوم الأربعاء، فستُغلق الصالات الرياضية وصالات الديسكو ودور العرض السينمائي والمسارح ودور الأوبرا وقاعات الحفلات الموسيقية.
وسيُسمح للمتاجر بمواصلة فتح أبوابها بشرط اتباع التدابير الصحية والحد من عدد العملاء، فيما لن يُسمح للمطاعم إلا بتقديم الوجبات لتناولها خارجها.
حظر تجول في فرنسا
ومع احتمال تشديد القيود الصحية في فرنسا، حيث بدأ بالفعل حظر تجول ليلي يشمل ثلثي السكان، ترأس الرئيس إيمانويل ماكرون مجلس الدفاع الثلاثاء، فيما يجري رئيس وزرائه جان كاستيكس مشاورات حول "تشديد التدابير المحتملة".
وحذّر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، قائلاً: "يجب توقع قرارات صعبة".
وبعدما كان حظر التجول المفروض في فرنسا من الساعة 21:00 إلى الساعة 6:00 يشمل بالأساس 20 مليون نسمة، جرى توسيعه اعتباراً من السبت إلى 46 مليون شخص لستة أسابيع، فيما تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد في هذا البلد مليون حالة، وسط تحذير السلطات من موجة ثانية "أسوأ من الأولى".
وقالت آن دوبيلمان، وهي طالبة في الـ22 من العمر، كانت جالسة على رصيف مطعم في ستراسبورغ (شرق) بين رواد يتمتعون بـ"آخر لحظات من الحرية" قبل حظر التجول: "هذا يزعجني. خاصة أنه لن يؤثر في الوباء. فالفيروس لا يبدأ بالانتشار في الساعة التاسعة".
واعتبر اختصاصي الأمراض المعدية جيل بيالو، أن انتشار الفيروس "خرج عن السيطرة"، داعياً إلى "إعادة الإغلاق في البلاد".
غضب في إيطاليا
تصطدم الموجة الجديدة من تدابير الحدّ من تفشي فيروس كورونا في إيطاليا بغضب قسم كبير من السكان، حيث تظاهر آلاف الأشخاص مساء الاثنين في عدة مدن إيطالية.
ووقعت حوادث عنيفة، وخصوصاً في ميلانو وتورينو، المدينتين الكبيرتين الواقعتين في شمال البلاد، حيث نُشرت شرطة مكافحة الشغب، وردّت على المتظاهرين بالغاز المسيّل للدموع.
ولم يعد البعض يؤمن بجدوى التدابير. ففي مدينة بيسارو الساحلية القريبة من سان ماران (شرق)، دهمت الشرطة مطعماً دعا صاحبه 90 شخصاً إلى العشاء، للتعبير عن رفضه الإغلاق عند الساعة السادسة، وقال: "يمكنكم توقيفي، لن أغلق أبداً".
وذكرت صحيفة لا ريبوبليكا أمس الثلاثاء أن "فتيل الاحتجاجات اشتعل قبل ثلاثة أيام في ساحة بياتسا بليبيشيتو في نابولي، وقد نجح بالفعل في نشر النار في أرجاء إيطاليا، من تورينو إلى ميلانو وتريست وليتشي وفياريجيو وبيسكارا وكاتانيا وكريمونا. إيطاليا في ثورة".
وفرضت الحكومة في الأيام الأخيرة حظراً للتجول في عدة مناطق كبيرة، إضافة إلى إغلاق الحانات والمطاعم في الساعة 18,00، وكذلك إغلاق الصالات الرياضية ودور السينما وحظر الحفلات الموسيقية.
وأمرت إيطاليا الأحد الماضي بإغلاق الحانات والمطاعم في الساعة السادسة مساءً، وإغلاق قاعات اللياقة البدنية العامة ودور السينما.
تداعيات اقتصادية
موجة الإغلاقات الجديدة أثارت مخاوف الشركات والمستثمرين، وسيتحول التركيز إلى اجتماع البنك المركزي الأوروبي يوم غد الخميس من أجل استقاء المؤشرات على تحفيز نقدي ما لمنطقة اليورو.
وقال وين ثين، المدير العالمي للاستراتيجية لدى براون براذرز هاريمان، لوكالة "رويترز" إن "من المتوقع على نطاق واسع ألا يحرك المركزي الأوروبي ساكناً حتى الاجتماع التالي. توقعات الاقتصاد الكلي لن يجري تحديثها قبل اجتماع العاشر من ديسمبر/ كانون الأول، لكن البنك سيضطر إلى الإقرار بتدهور التوقعات من الآن".
وبلغت الأسهم الأوروبية اليوم الأربعاء أدنى مستوياتها منذ منتصف يونيو/ حزيران عقب تقرير ذكر أن فرنسا تدرس تطبيق إجراءات عزل عام على مستوى البلاد لمدة شهر لمكافحة ارتفاع في الإصابات بفيروس كورونا.
ونزل المؤشر ستوكس 600 للأسهم الأوروبية 1.6 بالمئة بحلول الساعة 08.08 بتوقيت غرينتش، بينما هوى المؤشر داكس الألماني 2.2 بالمئة، ونزل المؤشر "فايننشال تايمز 100" البريطاني 1.5 بالمئة، وتراجع المؤشر كاك 40 الفرنسي 2.5 بالمئة. وقادت قطاعات صناعة السيارات والبنوك والتأمين، شديدة التأثر بالاقتصاد، الانخفاضات المبكرة لتتراجع بين 2.5 وثلاثة بالمئة.
وصعد الدولار مقابل اليورو بفعل احتمالات فرض إجراءات عزل عام تشمل سائر البلاد في فرنسا، وانخفض اليورو 0.4 بالمئة إلى 1.1753 دولار.