خفّضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة من "AAA" إلى "+AA"، لتكرر خطوة اتخذتها وكالة "ستاندارد آند بورز" منذ أكثر من عشر سنوات، محذرة من التدهور المالي و"تآكل الثقة الحكومية" في أكبر اقتصاد بالعالم، الأمر الذي أزعج إدارة الرئيس جو بايدن، التي بادرت بالرد سريعاً على بيان وكالة التصنيف الائتماني الصادر في وقت متأخر من مساء يوم الثلاثاء.
وقالت فيتش إن التخفيضات الضريبية ومبادرات الإنفاق الجديدة إلى جانب الصدمات الاقتصادية المتعددة أدت إلى تضخم عجز الميزانية، بينما لا تزال التحديات متوسطة الأجل المتعلقة بارتفاع تكاليف الاستحقاقات دون معالجة إلى حد كبير.
تدهور مالي متوقع على مدى السنوات الثلاث المقبلة
وأضافت: "يعكس خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، التدهور المالي المتوقع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وعبء الدين الحكومي العام المرتفع والمتزايد، وتآكل الثقة خلال العقدين الماضيين مقارنة بالدول المصنفة عند "AA"و"AAA".
لكن وزيرة الخزانة جانيت يلين ردت سريعاً على خفض التصنيف، ووصفته بأنه "تعسفي" و"خارج إطار الزمن".
وقالت في بيان إن قرار وكالة فيتش لا يغير ما يعرفه الأميركيون بالفعل وكذلك المستثمرون والكافة في جميع أنحاء العالم. وأضافت يلين أن "سندات الخزانة تظل الأصول الآمنة والسائلة البارزة في العالم، والاقتصاد الأميركي قوي بشكل أساسي".
كما قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار: "نرفض بشدة هذا القرار"، مضيفة أن خفض تصنيف البلاد في وقتٍ حقق الرئيس جو بايدن أقوى تعافٍ اقتصادي بين كل الاقتصادات الكبرى في العالم، هو أمر "يُخالف الواقع".
واتهمت جان-بيار إدارة الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب بأنها قادت نحو تدهور المعايير التي أخذتها فيتش في الاعتبار لتحديد تصنيفاتها.
وحذرت فيتش في مايو/أيار الماضي من خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، عندما كان المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون على خلاف حول رفع حد سقف الدين، فيما كانت وزارة الخزانة على بعد أسابيع فقط من نفاد السيولة.
ورغم تجنب تلك الأزمة في نهاية المطاف، قالت وكالة التصنيف الائتماني إن الخلافات المتكررة بشأن سقف الدين وقرارات الساعة الأخيرة أدت إلى تآكل الثقة في الإدارة المالية للدولة.
كما أرجع بيان فيتش خفض التصنيف الائتماني إلى عبء الديون المتضخم بسرعة في البلاد، والذي من المتوقع أن يصل إلى 118% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، أي أعلى مرتين ونصف المرة من متوسط الدول ذات التصنيف AAA البالغ 39.3%.
وتوقع تقرير وكالة التصنيف أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر على المدى الطويل، مما يزيد من الضعف الأميركي أمام الصدمات الاقتصادية المستقبلية.
وعلى الرغم من أنّ رفع سقف الدين العام، الحدّ الأقصى للاقتراض الحكومي، إجراء روتيني، إلا أنه أصبح منذ سنوات مسألة خلافية حادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي العام 2011، دفع مأزق رفع سقف الدين العام وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني إلى خفض تصنيف الولايات المتحدة من AAA إلى +AA أيضاً.
انعكاسات على الدولار والأسهم
وتأثر الدولار سلباً بتصنيف فيتش، إذ انخفض خلال تداولات، اليوم، أمام العملة الأوروبية الموحدة بنحو 0.11% ليسجل اليورو 1.10 دولار، كما ارتفع الجنيه الإسترليني 0.05% إلى 1.2782 دولار.
وصعد الين الياباني نحو 0.1% عند 143.21 للدولارا مقلصا بعض مكاسبه التي حققها في وقت سابق.
وارتفع الدولار الأسترالي 0.12% إلى 0.6621 دولار معوضاً بعض الخسائر التي لحقت به بعد الانخفاض الحاد الذي بلغ 1.57% في الجلسة السابقة بعدما أبقى بنك الاحتياطي الأسترالي على أسعار الفائدة دون تغيير، يوم الثلاثاء.
ورغم تراجع العملة الأميركية أمس، يرى رودريغو كاتريل كبير محللي العملات في بنك أستراليا الوطني (إن.إيه.بي) أن "قرار وكالة فيتش ليس جوهرياً .. نعم رأينا السوق تتحرك قليلاً في الصباح وسيكون كذلك على المدى القريب، لكن لا أعتقد أنه سيكون عاملاً محركاً طويل الأمد".
ولم تقتصر تأثيرات خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على الدولار، وإنما طاولت أسواق المال في الدول الأكثر انكشافا على الديون الأميركية، لا سيما اليابان، في حين يترقب المستثمرون سوق المال الأميركية، حيث أغلقت قبل إعلان فيتش.
وانخفضت الأسهم اليابانية في تداولات، اليوم الاربعاء، بأكثر من 2% مع ارتفاع الين مقابل الدولار.
وأغلق مؤشر "نيكي" الجلسة منخفضاً 2.3% عند 32707 نقاط، بقيادة قطاع المرافق، مسجلاً أكبر وتيرة انخفاض يومية من حيث النسبة المئوية منذ 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
كما تراجع المؤشر الأوسع نطاقاً "توبكس" بنسبة 1.52% عند 2301 نقطة. كذلك انخفضت الأسهم الأوروبية، حيث تضررت معنويات المستثمرين بعد خفض فيتش تصنيف أميركا. وتراجع مؤشر "ستوكس يوروب 600" بأكثر من 1%.
وانتقد الخبير الاقتصادي الشهير محمد العريان قرار فيتش، موضحًا في تغريدة أنها خطوة غريبة من غير المرجح أن تؤثر على الأسواق.
وأضاف "العريان": أنا في حيرة شديدة من عدة جوانب من هذا القرار، وتوقيته، وأعتقد أن الأغلبية العظمى من الخبراء الاقتصاديين ومحللي السوق الذين ينظرون إلى هذا قد يكونون في حيرة من أمرهم أيضاً بسبب الحجج المذكورة والتوقيت.
وأشار إلى أنه من غير المحتمل أن يؤدي ذلك الخفض لحدوث اضطرابات دائمة سواء على الاقتصاد أو الأسواق الأميركية.
وفيتش هي واحدة من ثلاث وكالات تصنيف رئيسية والتي يراقب المشاركون في السوق والاقتصاديون تقاريرها عن كثب في جميع أنحاء العالم. ولا تزال وكالة موديز تحتفظ بتصنيف AAA للولايات المتحدة.
وعادة ما تزيد التصنيفات الائتمانية المنخفضة من تكاليف الاقتراض في أسواق الديون. وانتقد الخبير الاقتصادي لورنس سمرز، وزير الخزانة في إدارة بيل كلينتون، خفض فيتش التصنيف الائتماني لبلاده قائلا وفق ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إن "الاقتصاد الأميركي أقوى من المتوقع، وخفض تصنيف الولايات المتحدة أمر غريب".
ومن المؤكد أن خفض التصنيف الائتماني سيعيد إشعال عاصفة سياسية شديدة حول الميزانية الفيدرالية، حيث يتهم الجمهوريون بايدن بزيادة عبء ديون البلاد التي تتجاوز 31 تريليون دولار.
كما قد يجعل التصنيف الائتماني المنخفض المقترضين أقل احتمالية لإقراض الأموال للحكومة الفيدرالية بشروط مواتية، مما قد يؤدي إلى زيادة التكاليف على دافعي الضرائب الأميركيين.
لكن جيسون فورمان، الاقتصادي في إدارة أوباما والأستاذ الحالي في جامعة هارفارد، قلل في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست من أهمية خفض التصنيف، قائلا إنه وآخرين أصيبوا بالذعر لفترة وجيزة في عام 2011 بشأن خفض وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف الديون خلال إدارة أوباما.
لكن هذه الخطوة لم يكن لها في نهاية المطاف تأثير مادي كبير على تكاليف الاقتراض. وأضاف فورمان أن "المستثمرين في سندات الخزانة الأميركية أكثر تطوراً بكثير من المقيمين في وكالة فيتش".
وفي السنوات الأخيرة شهدت الولايات المتحدة بصفة متكررة أزمات بشأن سقف الدين، خاصة في ظل الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وازدادت أزمة الديون تعمقاً في الأشهر الأخيرة قبل أن يتوصل الديمقراطيون والجمهوريون في اللحظة الأخيرة مطلع يونيو/حزيران إلى اتفاق لرفع سقف الدين قبل أيام من تخلف البلاد عن الوفاء بالتزامات للدائنين.
ومنذ أن وصلت الولايات المتحدة إلى حدّ الاقتراض البالغ 31.4 تريليون دولار في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، اتخذت وزارة الخزانة إجراءات استثنائية للسماح لها بمواصلة تمويل أنشطة الحكومة.
ويبدو تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها كارثياً ليس فقط على الصعيدين السياسي والاقتصادي المحلي، وإنما ستطاول ارتدادات الأزمة، في حال حصلت، وهذا أمر مستبعد، العالم، نظراً لحجم الاقتصاد الأميركي وفاعليته.
ورفع الكونغرس سقف الدين 79 مرة منذ عام 1960، منها 49 في ظل رؤساء جمهوريين، و30 تحت رئاسة ديمقراطية.