تواجه أسواق الغذاء العالمية مخاطر متفاقمة، وسط استهداف روسيا مسارات بديلة لتصدير الحبوب الأوكرانية، إذ لم تكتف بالانسحاب من اتفاق التصدير عبر البحر الأسود، وإنما تسعى لقطع الطرق على أوكرانيا، لا سيما مع اجتماع مسؤولين أوروبيين لبحث الممرات البديلة لتصدير سلع البلد الذي يوصف بسلة غذاء العالم.
وقفزت أسعار القمح والذرة بعدما هاجمت روسيا، الاثنين الماضي، أحد أكبر موانئ أوكرانيا المطلة على نهر الدانوب، ما يفاقم المخاطر التي يواجهها آخر طريق رئيسي تستخدمه كييف في تصدير الحبوب وتجارة الغذاء العالمية. وصعدت عقود القمح المستقبلية تسليم سبتمبر/أيلول بنحو 8.6% في بورصة شيكاغو للسلع، الاثنين، واستكملت الارتفاع في تعاملات الثلاثاء ولكن بنسبة طفيفة، بعد زيادات بلغت نسبتها 5% الأسبوع الماضي. كما ارتفعت العقود المستقبلية للذرة تسليم ديسمبر/كانون الأول بما يقارب 5.6% في تعاملات الاثنين لتبلغ أعلى مستوياتها في شهر تقريباً.
يُعد ميناء ريني، إلى جانب إزمائيل، أحد أكبر موانئ أوكرانيا النهرية لتصدير الحبوب، ويطل على نهر الدانوب عند الحدود مع رومانيا. وكان التجار المحليون يزيدون السعة التخزينية بالميناء رداً على الحصار البحري التي فرضته روسيا.
وبلغ حجم المحاصيل المنقولة عبر نهر الدانوب 2.2 مليون طن في مايو/أيار الماضي، بزيادة تقارب 900 ألف طن عن نهاية العام 2022. وفاقت تلك الشحنات حجم الصادرات عبر ممر البحر الأسود في مايو/أيار، حيث أبطأت عمليات التفتيش وتيرة مغادرة سفن الشحن، كما أن نهر الدانوب يجف بسبب الحر، ما يحد من القدرة على نقل البضائع.
كما شنت روسيا موجة جديدة من الهجمات الصاروخية على أوديسا في نهاية الأسبوع، وهي الأكبر بين سلسلة من الهجمات شبه اليومية على مدينة الميناء المطل على البحر الأسود بعد انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب في وقت سابق من الشهر الجاري.
قال كارلوس ميرا، المحلل لدى مصرف "رابو بنك" لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "هذان الميناءان هما الأمل الأكبر لأوكرانيا في تصدير حبوبها والبذور الزيتية.. نعتقد أن أوكرانيا قد تُصدّر ما يصل إلى 2.5 مليون طن من الحبوب والبذور الزيتية شهرياً عبر هذين الميناءين.. سيكون هذا كافياً لتصدير معظم الفائض القابل للتصدير، لكن حالياً، لم يتضح قدر الضرر الناجم، وإذا ما كانت روسيا ستشن هجمات متكررة في المستقبل أم لا".
وقال وزير الزراعة الأوكراني، ميكولا زولسكي، لتلفزيون بلومبيرغ في مقابلة الأسبوع الماضي إن "روسيا تسعى إلى إعاقة قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب عبر نهر الدانوب". ولا يزال بمقدور أوكرانيا شحن محاصيلها براً وعبر النهر، لكن هذه المسارات أكثر تكلفة، ما يقلص دخل المزارعين. كما تسببت شحنات التصدير عبر الاتحاد الأوروبي في توترات مع جيرانها.
ورجح رومان سلاستون، رئيس نادي الأعمال الزراعية الأوكراني، ارتفاع تكاليف التصدير عن طريق البحر، ويُعزى ذلك جزئياً لتزايد رسوم التأمين والشحن. لكنه لا يزال متفائلاً إزاء إمكانية القيام بعمليات تصدير للشحنات، مشدد على أن التجهيز للأمر قد يحتاج لبضعة أسابيع.
ولا يعتقد بول ماركيدس، مدير مراقبة الجودة البحرية في شركة "إنتركارغو" (الجمعية التجارية العالمية لمالكي سفن الشحن الجاف) أن "مالكي السفن سيتوجهون إلى الموانئ الأوكرانية إلى أن يُعاد فتح الممرات الآمنة مجدداً، لأن فعل ذلك لا يعد عملاً آمناً".
وتعتبر موانئ البحر الأسود الأوكرانية شرياناً حيوياً لمبيعات الحبوب للخارج، والتي تشكل الجزء الأكبر من شحنات التصدير تاريخياً، وموسم الحصاد مستمر بالوقت الحالي.
وقال بيير أوليفييه غورينشا، كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي، إن أسعار الحبوب العالمية قد ترتفع 15% بعد انسحاب روسيا من اتفاق التصدير، موضحا في تصريحات للصحافيين، الثلاثاء أنه "من الواضح جداً أن مبادرة تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود كانت مفيدة للغاية في ضمان توافر إمدادات كافية من الحبوب بالنسبة للعالم خلال العام الماضي".
وأضاف أن "نفس الآليات تعمل في الاتجاه العكسي ومن المرجح أن تشكل ضغطاً يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية". وكشف الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، عن بدء تقييم جميع الطرق البديلة الآمنة لتصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم.
وقال متحدث المفوضية الأوروبية، أدالبرت جانز، في تصريحات صحافية، إن التكتل "تلقى رسالة من وزراء ليتوانيا، تضمنت اقتراحا بشحن الحبوب الأوكرانية إلى العالم من موانئ دول البلطيق".
ووصف ممر البلطيق بأنه "خط مهم للغاية"، مشيرا إلى أن الموانئ في دول البلطيق "يمكن أن تكون وسيلة بديلة وموثوقة لشحن الحبوب الأوكرانية".
ولفت إلى أن موانئ دول البلطيق يمكن أن تسمح بإرسال 25 مليون طن من الحبوب سنويا إلى الأسواق العالمية.