أحدثت مادة في الموازنة العامة للجزائر لسنة 2022 جدلاً حاداً وسط اتهامات للسلطات بأنها تريد التملص من دعم الفئات الهشة، فيما رد الرئيس عبد المجيد تبون بأن الدعم قضية مقدسة في البلاد، ولن تتغير.
وقبل أيام صدّق البرلمان الجزائري بغرفتيه (الأولى والثانية) على مشروع قانون الموازنة العامة، الذي تضمن عجزاً فاق 30 مليار دولار، وأقرّ منحة للعاطلين لأول مرة.
وخصص قانون الموازنة العامة للعام المقبل 1942 مليار دينار (14.6 مليار دولار) للدعم الاجتماعي.
وتطبق الدولة سياسة الدعم منذ عقود، وتتحمل الفارق بين سعر تسويق المنتجات واسعة الاستهلاك وقيمتها الحقيقية، إضافة إلى دعم قطاعات السكن والوقود وذوي الاحتياجات الخاصة والأسر محدودة الدخل.
وتقول السلطات إن مبدأ الدعم رسالة وفاء لشهداء ثورة التحرير (1954-1962)، وبيان أول نوفمبر الذي كان إيذاناً باندلاعها، الذي نص على قيام دولة جزائرية ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.
كما تضمن السلطات دعماً غير مباشر من خلال إعفاءات وتسهيلات جبائية وضريبية وجمركية للمقاولين الشباب من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وحظي القانون بتزكية أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) الحاضرين خلال جلسة التصويت بـ 109 مؤيدين من أصل 144 (تغيب البقية).
أما جلسة التصويت في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، فتميزت بتصويت مضاد من طرف حركة مجتمع السلم بسبب المادة الـ 187 المتعلقة بكيفيات تقديم الدعم الاجتماعي.
مبررات الحكومة
ونصت المادة الـ 187 من قانون الموازنة العامة لسنة 2022 على "وضع جهاز (هيئة) وطني للتعويضات النقدية لصالح الأسر المؤهلة".
وأضافت المادة أنه "ترصد الاعتمادات (المخصصات) المالية في إطار الجهاز الوطني للتعويضات النقدية للأسر المؤهلة لدى وزير المالية".
وتابعت: "تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بنصوص تنظيمية، ولا سيما قائمة المنتجات المدعمة المعنية بمراجعة الأسعار وفئات الأسر المستهدفة ومعايير التأهيل للاستفادة من هذا التعويض وكيفيات التحويل النقدي".
رأي المعارضين
وبررت حركة مجتمع السلم (لها 65 مقعداً) تصويتها ضد مشروع قانون الموازنة العامة بكونه "يتعارض مع ما ورد في مخطط عمل حكومة رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، الذي عرضه قبل أشهر وصُدِّق عليه".
وقالت الحركة في بيان لها الشهر الماضي، إن "الموازنة العامة ستزيد الضغط الضريبي على المواطنين".
واعتبرت الحركة أن المادة الـ 187، التي تنص على استحداث هيئة لتوجيه الدعم الاجتماعي دون وجود قاعدة بيانات حول مستحقيه وحوار وطني شامل بشأنه، "خطيرة وتعبّر عن تحول اجتماعي كبير يضعف القدرة الشرائية للجزائريين بشكل غير مسبوق".
وانتقد متابعون ونقابيون إجراء الحكومة، من منطلق أن الأولوية كانت إطلاق عملية إحصاء شاملة ودقيقة للأسر والأفراد المعنيين بالدعم الاجتماعي ودمج أكبر قدر ممكن من الناشطين السوق الموازية في التعاملات الرسمية قبل المرور إلى الدعم الموجه.
الحكومة تطمئن والرئاسة تتدارك
وعقب التصويت على موازنة 2022 في مجلس الأمة في نوفمبر الماضي، صرح رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، بأن وقف الدعم الاجتماعي عن الفئات الهشة من المحرمات في الجزائر.
وشدد ابن عبد الرحمن على أن الدولة متمسكة بمواصلة دعم الفئات الهشة والأسر محدودة الدخل، لكن الدعم لن يبقى معمماً، وسيوجه إلى مستحقيه فقط، معتبراً أن مغالطات بشأن هذا الملف جرى الحديث عنها عبر وسائل إعلام .
وورد استدراك لاحق من الرئيس الجزائري بشأن ملف الدعم الاجتماعي عقب الجدل الذي أثارته المادة الـ 187 وتصديق غرفتي البرلمان عليها، واعتبره مراقبون أنه رد مباشر على رئيس الوزراء.
واعتبر تبون خلال مقابلة مع وسائل إعلام في 26 نوفمبر الماضي، أن "الدعم الاجتماعي باقٍ في الجزائر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو رسالة وفاء لشهداء الثورة وبيان أول نوفمبر 1954".
إجراءات ضرورية
وفي هذا السياق، رأى الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة الحكومية (جنوب)، سليمان ناصر، أن تطبيق الدعم الموجه إلى مستحقيه بتعويضات نقدية يجب أن تسبقه 3 إجراءات ضرورية.
وأوضح الخبير ناصر أن الإجراء الأول وجوب توافر منظومة إحصائية قوية عصرية وشفافة تُحدَّث من وقت لآخر، لأن الغني قد يصبح فقيراً والعكس.
أما الإجراء الثاني حسبه، فيتمثل بإدخال سريع لنظام الرقمنة على جميع القطاعات على غرار الإدارات المحلية (بلديات) والضرائب والبنوك وغيرها.
وعلّق بالقول: "لا نستطيع الحصول على منظومة إحصائية قوية وشفافة من دون الإسراع في اعتماد نظام الرقمنة عبر القطاعات كافة".
واعتبر المتحدث أن النظام الرقمي يتتبع التفاصيل، بما فيها منحة العاطلين التي أقرها قانون موازنة 2022، وأيضاً تطبيق الضريبة على الدخل التي فشلت في السنوات الماضية لغياب نظام رقمي.
أما الإجراء الثالث، فيتمثل بتقليص القطاع الموازي الذي يمثل حالياً نحو 49 بالمائة من الاقتصاد، وهذا سيحل مشكلة أين تُدرَج فئة الناشطين في هذا القطاع، وهل يكون ضمن مستحقي الدعم، أم ضمن أصحاب ميسوري الحال.
ولفت أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة الحكومية إلى أن هذا الإجراء المتعلق بالسوق الموازي سيحل أيضاً مشاكل أخرى على علاقة بالنزف (التهرب) الضريبي الذي كان من المفروض أن يدخل خزينة الدولة، نظراً لكونه يمثل نحو 40 بالمائة من اقتصاد البلاد.
(الأناضول)