يشكك اقتصاديون سوريون بجدوى رفع مصرف سورية المركزي سعر الدولار مقابل الليرة للمرة الثانية هذا العام، بحجة اقتراب السعر الرسمي من سعر السوق.
هذا الإجراء برأي هؤلاء، سيحقق فوائد للمصرف المركزي الذي يعتبرونه "أصبح تاجراً بدلاً من أن يكون راسماً للسياسات النقدية في البلاد".
ويدعم الاقتصاديون رأيهم باستمرار تعدد أسعار الصرف وانعكاس خطوة "المركزي" الأخيرة على أسعار المستوردات والسلع بالسوق السورية، ما يزيد من أزمة التضخم وارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة تكاليف معيشة السوريين الذين يتقاضون أجورهم بالليرة.
وكان مصرف سورية المركزي، قد رفع في 19 من أيلول/سبتمبر الجاري، سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة السورية من 2814 إلى 3015 ليرة، ليكون الرفع الثاني خلال عام 2022 بعد رفع سعر الدولار في نيسان/أبريل الماضي، من 2512 ليرة.
وزاد المركزي أيضاً سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات الواردة من الخارج بالليرة السورية ليصبح 3000 ليرة بدلًا من 2800 ليرة. وطاول الرفع أيضًا، النشرة المخصصة لدفع البدل العسكري، إذ حدد سعر صرف الدولار فيها بـ2800 ليرة سورية، بدلًا من 2525 ليرة.
ويرى أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو أن نظام بشار الأسد "بات مضطراً لرفع سعر الدولار" نظراً للتفاوت الكبير، بين السعر الرسمي والسوق الهامشية التي لا يقل فيها سعر الدولار اليوم عن 4550 ليرة، الأمر الذي أفقده الحوالات الخارجية بعد توجهها لأسواق الدول المجاورة وعودتها إلى سورية بالليرة.
ويعتبر أن هذا المسار زاد من التضخم وقلة العملات الأجنبية بالسوق السورية، وانعكس بالفائدة على شريحة محددة من التجار "تدور بفلك النظام" نتيجة تفاوت سعر الدولار مع السوق السوداء، سواء الرسمي أو التصديري.
ويضيف شعبو لـ"العربي الجديد" أن إقرار مصرف سورية المركزي برفع سعر الدولار هو اعتراف بعدم القدرة على تحسين سعر الصرف بعد تثبيته بطرق القمع والرقابة الأمنية.
كما يدلل القرار، بحسب المتحدث، على أن المصرف المركزي يتعامل بذهنية التاجر ويريد الاستفادة من فروقات أسعار الصرف، ففي حين كانت المئة دولار أجور أربعة موظفين باتت اليوم أجور ستة على سبيل المثال.
ويلفت إلى أن استمرار تعدد أسعار الصرف في سورية (دولار الحوالة، السعر الرسمي، دولار التصدير، دولار بدل خدمة العلم ودولار السوق السوداء)، هو مؤشر غير اقتصادي وعامل منفّر للاستثمارات ومجال خصب للمضاربة والتلاعب.
من جهته، يقول مدير المصرف التجاري السابق في مدينة إدلب، ياسر عبد الجليل إن محاولات تأمين القطع الأجنبي، لتسديد النفقات وخاصة المستوردات، هي الهدف الأول وراء رفع المصرف المركزي لسعر الدولار.
رفع مصرف سورية المركزي، سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة السورية من 2814 إلى 3015 ليرة، ليكون الرفع الثاني خلال عام 2022
ويلفت إلى أن نظام بشار الأسد يعلم أن أسعار الدول المجاورة (لبنان، الأردن وتركيا) كانت تجذب التحويلات الخارجية التي لا تقل عن 5 ملايين دولار يومياً، "لذا تم الرفع لجذب تلك التحويلات إلى جانب تشديد العقوبات وملاحقة المتعاملين بالدولار عبر قنوات غير التي يحددها النظام".
ويضيف عبد الجليل لـ"العربي الجديد" أن نظام بشار الأسد يحضر اليوم لطرح فئة نقدية بقيمة 10 آلاف ليرة، بعد التضخم الكبير وخروج الفئات النقدية الصغيرة عن التداول، متوقعاً أن يتابع النظام، ربما قبل نهاية العام الحالي، رفع أسعار الدولار ليقترب أكثر من سعر السوق، لأن تدهور سعر العملة السورية وبلوغها أكثر من 4500 ليرة للدولار، باتت واقعاً لا يمكن تجميله بعد محاولات تثبيت "أمنية" خلال العام الماضي.
وأدى رفع سعر الدولار إلى تأثيرات واسعة على الأسواق، إذ ما إن رفع المصرف المركزي بدمشق السعر مقابل العملة السورية بنسبة 7 في المائة حتى سارع التجار، بحسب مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" من العاصمة السورية دمشق، إلى رفع أسعار السلع، خاصة المستوردة أو التي يدخل بمكوناتها مواد أولية من الخارج، بذريعة التسعير وفق السوق السوداء وأنهم يحصلون على الدولار من الصرافين، بعد امتناع المصرف المركزي عن تمويل مستورداتهم.
وتؤكد المصادر الارتفاع الفوري لأسعار المنظفات والمناديل والسلع الغذائية المستوردة، بين 500 و1000 ليرة في اليوم التالي لقرار المركزي، كما قل عرض المواد المستوردة، بما فيها الأدوية، تحضيراً لرفع أسعارها، بحسب المصادر.
ويقول الصناعي السوري، محمد طيب العلو إن قرار رفع سعر الدولار سيؤثر على أسعار السلع "لامحالة وليس بذلك استغلال المستهلك" ولن تقتصر الآثار على السلع الممولة من المصرف المركزي فقط "قمح، حليب أطفال وأدوية نوعية" لأن تكلفة التخليص الجمركي للبضائع المستوردة تغيرت وارتفعت قيمة الرسوم الجمركية التي تُدفع على المستوردات "إذ بمجرد تعديل قيمة الرسوم الجمركية ستتغير علينا الأسعار".
وحول مدى الالتزام بتسعير وزارة حماية المستهلك ووعيدها لمن يبالغ برفع الأسعار، يضيف العلو لـ"العربي الجديد" أن التسعيرة الرسمية لا يلتزم بها أحد، وهي صورية وغير منتظمة حتى قبل القرار، مشيراً إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، فالألبان والأجبان والسلع المعلبة ارتفعت بنحو 500 ليرة، متوقعاً أن تطاول آثار قرار تخفيض سعر الليرة المشتقات النفطية وجميع السلع والخدمات، ليدفع المستهلك الثمن من مستوى معيشته المتدهور أصلاً.
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق، قد حذرت من أن رفع أسعار أيّ مادة أو منتج غذائي أو غير غذائي غير مبرر ويعرض من يرفع سعره إلى العقوبات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم 8 للعام 2021 وغراماتها والحبس لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وفي سياق آخر، يقول الخبير المالي إبراهيم محمد لـ"العربي الجديد" إن خطوة المصرف المركزي المتأخرة أصلاً، هي ردة فعل ولن تجدي كثيراً على صعيد جذب الحوالات الدولارية للسوق السورية، لأن الفارق لا يزال كبيراً بين السعر الرسمي والموازي.
والحل برأيه توحيد سعر الدولار وإلغاء الأسعار المتعددة لأن التسكين عبر مراحل يخسّر سورية الحوالات التي لا تقل يومياً عن 5 ملايين دولار، خاصة بعد تهجير السوريين وإقامتهم بالخارج واعتماد أكثر من 70 في المائة من السوريين في الداخل، على حوالات ذويهم المغتربين.
ويعتبر محمد أن السوريين سيجدون طرقاً "غير نظامية" لاستلام حوالات ذويهم، رغم الملاحقة الأمنية وإغلاق 12 شركة صرافة هذا العام ومحاولات نظام الأسد التحكم بالسوق عبر شركات محددة تعمل بتوجيهاته، "لأن فارق سعر الدولار وحاجة السوريين الملحة، ستدفع الكثيرين للمخاطرة واستلام حوالات ذويهم بالدولار وتصريفها بالسوق السوداء والاستفادة من نحو 1500 ليرة إضافية عن كل دولار".
وفي حين يعيب المالي محمد تفكير نظام الأسد بعقلية التاجر والنظر إلى فارق سعر الدولار من خلال الخديعة بالموازنة العامة أو أجور السوريين بالشق الجاري من الموازنة، يشير بالوقت نفسه إلى ضرورة "تفكير النظام بشكل اقتصادي وعملي" لأن القمع والملاحقة لم يجديا نفعاً، ولم تزل تحويلات السوريين تصب في أسواق الدول المجاورة وذلك رغم صدور المرسوم رقم 3 لعام 2020 القاضي بمنع التعامل بغير الليرة السورية وعقوبات السجن والغرامة.