تنفست الحكومة اليمنية والبنك المركزي وعدد من القطاعات المالية والتجارية الصعداء، إثر تراجع اللجنة المتخصصة بمراقبة العقوبات المفروضة على اليمن التابعة للأمم المتحدة عما أوردته في تقريرها في مطلع العام الحالي من اتهامات بالفساد وغسيل الأموال طاولت هذه الجهات.
فريق لجنة الخبراء علّل هذا التراجع بعدم العثور على أدلة، وأكد أنه يجري مراجعة كاملة للتقرير الأولي الذي نشره في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.
إلا أن هذا التخبط أثار الكثير من التساؤلات في اليمن، وسط شكوك حول التدخلات السياسية واسعة التأثير التي تطاول تقييمات الأمم المتحدة.
وكان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة قد كشف في تقريره آنذاك الذي رفعه إلى مجلس الأمن عن تلاعب البنك المركزي بسوق العملة، وغسل جزء كبير من الوديعة السعودية بمخطط معقد لغسل الأموال "أدر على تجار مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار"، وذكر أن هذه الأموال تم تحويلها بشكل غير مشروع لمؤسسات خاصة. ولفت إلى أن وثائق البنك المركزي لم توضح سبب انتهاج مثل تلك الاستراتيجية "المدمرة".
وقال المراقبون إن "غسل الأموال والفساد ارتكبتهما مؤسسات حكومية، وهي في هذه الحالة البنك المركزي اليمني وحكومة اليمن، بالتواطؤ مع رجال أعمال وشخصيات سياسية لصالح مجموعة من التجار ورجال الأعمال تتمتع بامتيازات خاصة".
فيما لاحظ الفريق أيضاً أن الحوثيين تورطوا في حالات انتهاك لتدابير تجميد الأصول بسماحهم بتحويل أصول مجمدة وأموال عامة باستخدام عقود مزورة لصالح أفراد يتصرفون باسم الجماعة، والاستحواذ على نحو ملياري دولار من الإيرادات العامة لتمويل مجهودهم الحربي. فيما وجه تقرير فريق الخبراء تهمة الفساد والتلاعب بالوديعة السعودية إلى عدد كبير من شركات القطاع الخاص، ضمنها مجموعة هائل سعيد أنعم، أكبر مجموعة صناعية وتجارية.
تحركات دولية
الباحث الاقتصادي جمال حسن العديني لفت إلى ما رسمه فريق الخبراء من حيرة كبيرة في اليمن، سواءً بعد نشر تقريره أو التراجع عما حمله من اتهامات بالفساد وغسيل الأموال. واعتبر أن التراجع عما ورد في التقرير من اتهامات، مثير للاهتمام بموازاة التحركات الدبلوماسية والسياسية المكثفة التي تشهدها العملية السياسية في اليمن والتحركات الدولية والأميركية على وجه التحديد لإيقاف الحرب في البلاد الدائرة منذ نحو ست سنوات.
وربط العديني، في حديثه مع "العربي الجديد"، تراجع فريق لجنة الخبراء الخاصة عن اتهاماته بوقف وزارة الخارجية الأميركية قراراً اتخذته الإدارة الأميركية السابقة بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، لافتاً إلى أنه يمكن اعتبار كلا الإجراءين محفزاً لجذب طرفي الحرب في اليمن نحو التوجه إلى الحوار والحل السلمي عقب اشتداد المعارك مؤخراً بشكل غير مسبوق، خصوصاً في محافظة مأرب شرقي اليمن.
ورحب البنك المركزي اليمني بتقرير المراجعة الصادر عن فريق الخبراء حول اليمن، "والذي توخى فيه تصويب الأخطاء، وإلغاء الاتهامات التي وجهها للبنك المركزي اليمني في التقرير".
وأكد البنك في بيان صادر عنه أنه حرص ومنذ الوهلة الأولى لإصدار التقرير على اتخاذ كافة الإجراءات للدفاع عن سمعته ومصداقيته المحلية والإقليمية والدولية، وحماية كافة البنوك التجارية التي تولت فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية وتعزيز الثقة بأدائها، والتأكيد على امتثالها الكامل للمعايير الدولية في مكافحة غسيل الأموال، والدفاع عن القطاع الخاص اليمني الذي أسهم في تأمين السلع الأساسية اللازمة للأمن الغذائي.
وذكر المركزي اليمني أنه قدم الأدلة والبراهين التي تؤكد مصداقية البنك المركزي وسلامة إجراءاته ومعاملاته مع البنوك التجارية اليمنية، وشركات الاستيراد الوطنية، وأوضح آليات العمل في توظيف الوديعة السعودية لخدمة الأغراض الإنسانية، ودعم الحق في الغذاء، والحفاظ على استقرار أسعار السلع الأساسية، ومحاولة السيطرة على سعر صرف العملة الوطنية على الرغم من كافة التحديات التي يواجهها البنك، وأفلح في إعادة بناء جسور التواصل والثقة مع فريق الخبراء بقيادة داكشيني روانتيكا، الذي قام بجهود توجت بإلغاء اتهاماته.
تداعيات مصرفية
وسارع البنك المركزي اليمني عقب نشر التقرير في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي إلى الإعلان عن مراجعة حساباته وأنظمته المالية واختيار ثلاث قال إنها من أفضل ثماني شركات في العالم لمراجعة وتدقيق حسابات البنك خلال الفترة 2016-2021. وقال مسؤول مصرفي في البنك المركزي اليمني فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" إن اتهامات فريق لجنة الخبراء الأممية للحكومة اليمنية بالفساد وغسيل الأموال كانت باطلة ولم تستند إلى حيثيات بالإمكان البناء عليها لتوجيه مثل هذا الاتهام.
واعتبر أن التقرير الأول تسبب بأضرار بالغة للقطاع المالي والمصرفي وكذلك التجاري في اليمن على المستوى الإقليمي والدولي ونال من سمعة أرفع مؤسسة مالية سيادية يمنية. وأشار المسؤول المصرفي إلى أن أضرار التقرير امتدت نحو مستويات أخرى أكثر أهمية مثل حصول اليمن على قرض مالي من مؤسسات تمويلية دولية أو حصول البنك على دعم للاحتياطي النقدي من الدولار لمواجهة التزاماته النقدية وتفعيل أدواته لضبط سوق الصرف المنفلتة.
هذا الدعم من النقد الأجنبي كان عبارة عن 3 مليارات دولار من السعودية، تودع في البنك المركزي وفق آلية جديدة كان يتم التباحث حولها، لكنها تحولت إلى شحنة من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء كما أعلنت عنها السلطات السعودية الثلاثاء الماضي، وفق تأكيد المصدر.
الخبير المالي والاقتصادي محمد رضوان رأى أن اليمن كان بحاجة ماسة للوديعة السعودية والتي تحولت هي الأخرى وفق هذا الخبير المالي إلى ورقة سيتم استعمالها في المفاوضات الدائرة والتي تشترك فيها المملكة وتتم أغلبها خلف الكواليس، وذلك نظراً لعدم وجود احتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني والذي يجعله معطلاً ومكشوف مالياً وغير قادر على التدخل لإدارة السياسة النقدية وضبط سوق الصرف التي تمر بحالة انفلات واسعة.
وبخصوص التناقض الحاصل في تقرير فريق لجنة الخبراء الخاص باليمن في مجلس الأمن، رجّح رضوان، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود سبب آخر لتراجع الفريق عن اتهاماته لعدم استناده إلى أدلة قانونية ومالية ومحاسبية موثقة تثبت ما ذهب إليه من اتهامات.