بدا تأثير مساهمة التونسيين المقيمين في المهجر هذا العام واضحاً أكثر من أي وقت مضى في اقتصاد بلادهم، حيث رمّمت تحويلاتهم بالعملة الصعبة ما خلفه الوضع السياسي والاقتصادي الصعب في البلاد من ثغرات في موازنة تونس، بعدما علقت مؤسسات القرض الدولية مفاوضاتها مع السلطات إلى إشعار آخر.
ومنذ بدء الجائحة الصحية العالمية، مثلت تحويلات التونسيين المغتربين طوق النجاة للاقتصاد الذي يشكو تراجعاً قياسياً في النمو بسبب تداعيات الجائحة الصحية والاضطرابات السياسية التي أخرت خطة الإنعاش الاقتصادي من أجل استعادة النمو وفق ما كان مخططاً له في قانون الموازنة للعام الحالي.
بدأت مساهمة جيل المغتربين الجدد تظهر في الاقتصاد التونسي، بعد ارتفاع حجم التحويلات المالية بأكثر من 38 بالمائة، لتتفوق على عائدات الاستثمار الخارجي والهبات والمساعدات الإنمائية الرسمية.
التحويلات المالية للمغتربين المقدرة بنحو 5 مليارات دينار إلى حدود 20 أغسطس/آب شكلت المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في تونس، ما ساعد على مواصلة تسيير واردات المواد الأساسية وسداد أكثر من مليار دولار من القروض الخارجية.
وتكشف بيانات رسمية أن التونسيين في المهجر حولوا خلال الأشهر الثمانية المنقضية 4,997 مليارات دينار مقابل تحويلات مقدرة بـ 3,6 مليارات خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، أي بزيادة تزيد على 1,4 مليار دينار.
وقال الخبير المالي خالد النوري، إن تحويلات التونسيين في الخارج منعت هبوطاً حراً لرصيد العملة الصعبة كان يمكن أن يسبّب أزمة واردات للمواد الأساسية خلال الأشهر الماضية، بسبب نقص العائدات بالعملة الصعبة، ولا سيما المتأتية من السياحة والاستثمار الخارجي.
وأكد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ المغتربين أصبحوا يؤدون دوراً محورياً في إسناد الاقتصاد المحلي وإنقاذ عائلاتهم من الفقر والحاجة إلى المساعدات الاجتماعية الحكومية، مشيراً إلى أن تحويلات المغتربين قُدِّرت بثلاثة أضعاف إيرادات القطاع السياحي التي لم تتجاوز 1.5 مليار دينار منذ بداية العام وإلى غاية 20 أغسطس/آب الماضي.
ويمثل التونسيون في دول المهجر أكثر من 1.3 مليون، يقيم أغلبهم في دول الاتحاد الأوروبي وبدرجة أقل في دول الخليج العربي وأميركا الشمالية.
وقد شهدت السنوات التي تلت الثورة تغيراً في نوعية العمالة التونسية بالمهجر، بدخول جيل جديد من المهاجرين في دورة الاقتصاد، وهو بالأساس من أصحاب التحصيل العلمي العالي والكفاءات ممن نجحوا في الاستقرار والاندماج سريعاً في دول الإقامة.
جيل المهاجرين في العشرية الأخيرة يقدَّر بأكثر من 250 ألف تونسي، وهؤلاء المهاجرون الجدد أظهروا قدرة على دعم الاقتصاد من طريق التحويلات المنتظمة لفائدة أسرهم التي تحولت إلى دخل أساسي للبعض منهم.
وحسب دراسة إحصائية أنجزت بإشراف ديوان التونسيين بالخارج (هيئة حكومية تشرف على الجاليات التونسية في الخارج)، فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخص.
وتكشف بيانات لوزارة السياحة أن عودة التونسيين بالخارج إلى وطنهم ساهمت في تنشيط القطاع السياحي، حيث زاد عدد الليالي التي قضاها التونسيون في فنادق بلادهم على 1,5 مليون ليلة في أغسطس، مقابل 1,2 مليون ليلة في الفترة نفسها من السنة الماضية.
غير أن تحويلات المهاجرين لا تزال توجه إلى نفقات التعليم والصحة والاستهلاك العادي واقتناء العقارات، ولم ترتق بعد إلى مستوى الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية، رغم المحاولات العديدة للمهاجرين لإحداث مشاريع وشركات ناشئة تسوّق للعلامة التونسية في القطاعات المتجددة.