تحذير من هجران 50% من الفلاحين لقطاع الزراعة في سورية

25 ديسمبر 2023
الزراعة في سورية تواجه تهديداً وجودياً (فرانس برس)
+ الخط -

صفعت حكومة بشار الأسد المزارعين، قبل نهاية العام، بضربة رفع أسعار الأسمدة، لتكون، بواقع ندرة وارتفاع أسعار المحروقات والبذار، بمثابة القشة التي ستكسر ظهر الزراعة في سورية المترنحة منذ سنوات، تحت وطأة زيادة تكاليف الإنتاج وتراجع مساحات الأراضي الزراعية المروية والبعلية، ما حوّل سورية من بلد مصدر للقمح والزيتون والقطن والخضر والفواكه، إلى مستورد تعاني أسواقه من الندرة وارتفاع الأسعار.

وجاء رفع وزارة التجارة الداخلية بحكومة بشار الأسد أمس الأول، أسعار الأسمدة، وللمرة الثانية خلال شهر، كعامل إضافي، حتى للتفكير بتبوير الأراضي، أو عزوف المزارعين عن العمل، كما يقول المهندس الزراعي السوري، يحيى تناري الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن الزراعات التي تلزم الحكومة الفلاحين بتسليمها بأسعار محددة، كالقمح والقطن والشوندر السكري، باتت خاسرة بمعنى الكلمة، ولا من مغريات للفلاحين ليعملوا طيلة العام بخسائر، بعد رفع أسعار البذار والأسمدة والمحروقات.

وتزامن رفع أسعار الأسمدة مع رفع سعر البنزين أمس بنحو 500 ليرة سورية لليتر ليصل سعره إلى 9 آلاف ليرة ويتعدى سعر ليتر المازوت بالسوق السوداء 16 ألف ليرة، بعد رفع أسعار جميع أنواع الأسمدة، ليصل سعر مبيع طن سماد اليوريا إلى 8.9 ملايين ليرة بدلاً من 8 ملايين ليرة، وطن سماد السوبر "فوسفات 46" بسعر 6 ملايين ليرة، وفقاً لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

وعمم المصرف الزراعي التابع للنظام السوري على فروعه استئناف بيع أسمدة "سوبر فوسفات 46%" فقط للفلاحين ولمحصول القمح حصراً، وذلك من خلال الكميات المخزنة في المستودعات فقط، وعدم بيع أي كمية من مادتي "سماد السوبر فوسفات 46%" وسماد "الكالينترو 26%"، التي ستشحن لاحقاً من معامل الأسمدة في حمص، لحين إصدار التعليمات الجديدة حول ذلك.

ويعتبر المهندس تناري أن رفع أسعار الأسمدة تزامن مع زارعة القمح للموسم المقبل، ما يعني عزوف عدد من المزارعين عن بذار القمح، لأن التكاليف اليوم، بواقع غلاء الأسمدة والبذار والمحروقات، تصل ربما إلى أعلى من السعر الرسمي الذي تحدده حكومة الأسد، وتعاقب بالسجن والغرامة كل من يبيع لخارج مؤسسة تجارة وتصنيع الحبوب، أو يهربه إلى خارج سورية.

وسعّرت حكومة النظام كيلو القمح لموسم عام 2023 بنحو 2500 ليرة زائدا 300 ليرة مكافأة، في حين عرضت "الإدارة الذاتية " شمال شرق سورية بسعر 430 دولارا للطن ما زاد من استلامها للمحصول. وتراجعت الكميات التي تسلمتها مؤسسات النظام السوري إلى نحو 800 ألف طن، في حين تزيد حاجة الاستهلاك المحلي بحسب المهندس يحيى تناري عن 2 مليون طن سنوياً.

بدوره، يرى الاقتصادي عبد الناصر الجاسم أن شح الأسمدة بسورية يعود أولاً لتأجير شركة الأسمدة الوحيدة بمدينة حمص عام 2019 لشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية لمدة بين 25 و40 سنة قابلة للتجديد، وعدم الالتزام ببنود العقد لإنتاج 400 طن.

ويشير الجاسم لـ"العربي الجديد" إلى أن تكاليف الزراعة في سورية، عدا الأسمدة، باتت مرتفعة جداً بسبب تراجع منسوب مياه نهر الفرات وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ما دفع كثيرا من المزارعين للعزوف عن الزراعة. وأشار إلى أن هذه "الكارثة" لا تقتصر على الأراضي "السليخ" بل طاولت الأشجار المثمرة أيضاً، حيث إن خسائر مزارعي الحمضيات السنوية تدفع بعض المزارعين لعدم جني المحصول.

واعتبر الجاسم أن غياب الخطط، وانسحاب حكومة الأسد عن دعم القطاع الزراعي، حول الإنتاج الزراعي من الوفرة والتصدير إلى الندرة والاستيراد، رغم ما لذلك من آثار على أسعار المنتجات على المستهلكين أو استنزاف القطع الأجنبي، ولعل باستيراد القمح مثال حي منذ سنوات.

ويكشف الاقتصادي الكبير أن "إفلاس نظام الأسد" يدفع حكومته لمقايضة بعض الإنتاج الزراعي بآخر "زيت الزيتون مقابل القمح مثلاً" أو مقايضة الأسمدة مع منتجات أخرى.

وتزيد خشية العزوف عن الزراعة للموسم المقبل، بواقع استمرار رفع أسعار المحروقات والأسمدة، ما يهدد بمزيد من رفع أسعار المنتجات الغذائية بالسوق، وذلك بعد ارتفاعها بأكثر من 300% خلال عام 2023.

ويقول عضو المجلس العام لاتحاد الفلاحين بدمشق، محمد الخليف، إن تداعيات عدم توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي وخصوصا الأسمدة والمحروقات سيكون لها أثر سلبي على الإنتاج وعلى قدرة الفلاح على الزراعة في سورية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتوقع الخليف خلال تصريحات صحافية نقلتها صحيفة "الوطن" القريبة من نظام الأسد أمس، أن يغادر العمل الزراعي 50% من الفلاحين بحال لم تحل مشكلات الزراعة التي تسببت في ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم استطاعة كثيرٍ من الفلاحين مجاراةَ هذه التكاليف والعجز عن تأمينها، وهو ما يسهم في عزوفهم عن العمل والتحول نحو مهن وأعمال أخرى، ما يعني فقدان وتراجع جزء مهم من الإنتاج الزراعي.

وتشهد سورية تراجعا مستمرا بغلال الزراعة، بعد تراجع محصول القمح من نحو 4 ملايين طن قبل الثورة عام 2011 إلى 1.5 مليون العام الماضي، وتراجع إنتاج القطن من مليون طن عام 2004 إلى سبعة آلاف طن تسلمتها مؤسسة الأقطان بحكومة الأسد العام الماضي. ولم تسلم الحمضيات من تقلص الإنتاج، بعد أن تراجع الإنتاج من نحو 1.2 مليون طن عام 2018،إلى نحو 640 ألف طن الموسم الماضي، وبنسبة تراجع 40%، حسب بيانات مكتب الحمضيات.

وطاولت آثار زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي الزيتون، أهم الزراعات السورية، ليصل الإنتاج لموسم 2023 إلى نحو 711 ألف طن زيتون، منها نحو 304 آلاف طن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وينتج منها 49 ألف طن من مادة زيت الزيتون للاستهلاك المحلي. أما الإنتاج الإجمالي من زيت الزيتون في سورية فقد قدره مكتب الزيتون، التابع لوزارة الزراعة، بنحو 91 ألف طن منها 49% في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.

المساهمون