ارتفعت المبيعات النقدية من الدولار في مزاد البنك المركزي العراقي خلال الأسابيع الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع ملحوظ في نسبة الحوالات المالية من داخل البلاد إلى الخارج.
وزادت نسبة الشراء النقدي للدولار من قبل المصارف الأهلية عبر المزاد الذي ينظمه البنك المركزي بشكل يومي في بغداد، لتصل إلى أكثر من مليار دولار خلال أسبوع واحد. وتشير النافذة إلى أن بيع الدولار الذي طرحه البنك المركزي خلال الأسبوع قبل الماضي كان بمعدل يومي بلغ 245 مليون دولار، مرتفعاً بمقدار 86.1 بالمائة عن الأسبوع الذي سبقه.
ويعتمد البنك المركزي على "مزاد بيع الدولار" منذ سنوات كأحد أدوات تثبيت سعر صرف الدينار ومنع المضاربة به، إلّا أنّ مراقبين يرون في الإجراء استنزافاً للعملة الصعبة، ووسيلة بدائية يمكن الاستعاضة عنها بطرق أكثر حداثة للحفاظ على قيمة الدينار العراقي.
يسمح البنك المركزي العراقي للبنوك الخاصة والأهلية وشركات التحويل المالي والصرافة المرخصة بالدخول في مزاد العملة لشراء الدولار بسعر 1450 ديناراً للدولار الواحد، بينما تبيعه تلك الجهات للمواطن عند 1456، لكن في العادة يصل إلى عتبة 1458 ديناراً.
تأثير مزاد العملة
اتسعت التحذيرات من استمرار عمل "مزاد بيع العملة" من البنك المركزي العراقي بهذا الشكل الكبير، لوجود مخاطر متزايدة من خلال عدم وضع جدول زمني لهذا المزاد، ليصبح استثماراً لبنوك أجنبية بدلاً من أن يكون فائدة عامة ومباشرة للعراقيين أنفسهم، مما ينذر بمخاطر مالية مباشرة وغير مباشرة.
أكد الخبير الاقتصادي العراقي، همام الشماع، أنّ هناك تأثيراً مباشراً لزيادة مبيعات مزاد العملة من الدولار على السوق المحلية، وهذه الزيادة الكبيرة سببها إقرار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي الذي فتح المجال لتبييض الأموال وصفقات الفساد المشبوهة.
وقال الشماع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنّ "زيادة المبيعات في مزاد العملة أصبحت ضعف ما كانت عليه قبل إقرار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، فضلاً عن وجود أموال مكتسبة من قانون 1/12 من موازنة 2021، بالإضافة إلى وجود استثمارات داخلية لهذه الأموال وِظّفَت لشراء العقارات داخل البلد، والتي تسببت في زيادة كبيرة في أسعار العقارات.
وكشف عن أن السوق العراقي الآن يعاني الكثير من مشاكل الركود والعجز الاقتصادي، بسبب الأموال المهربة إلى الخارج، وليست هناك استثمارات داخلية توظف للمجالات الإنتاجية والتجارية، مما زاد من مستويات الفقر والانخفاض الحاد في الطلب على السلع بسبب تهريب الأموال العراقية إلى الخارج.
غسل الأموال
يرى الخبير المالي مصطفى حنتوش، أن كميات عرض الدولار في نافذة بيع العملة تتم وفق آلية العرض الذي يعتمد على حجم الطلب من البنوك، التي تقسم إلى فئات (A. B. C. D)، وكل مصرف يُصنف حسب حجم الطلب المقدم من قبله، وهذه البنوك تضم اعتمادات للتجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يريدون شراء العملة الصعبة بالسعر الرسمي.
أكد الخبير الاقتصادي العراقي، همام الشماع، أنّ هناك تأثيراً مباشراً لزيادة مبيعات مزاد العملة من الدولار على السوق المحلية، وهذه الزيادة الكبيرة سببها إقرار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي
وأضاف حنتوش لـ"العربي الجديد"، أن سوق العملة فيه الكثير من المشاكل في مقدمتها البيع من خلال المنافذ بأسعار أكثر من المقرر بيعها رسمياً، حيث تعتمد بعض المنافذ على بيع الدولار بـ 1480 ديناراً بدلاً من السعر الرسمي وهو 1470، مما يولد حالة من الإرباك وعدم التوازن في السوق.
وبيّن أنّ هناك بعض التحويلات تُسجل بحجة الاستيراد، إلّا أنّها في الحقيقة تهريب للعملة، وتوضع في أرصدة وحسابات الغاية منها غسل الأموال أو شراء عقارات خارج البلد، مشدداً على أهمية أن يكون هناك دور لهيئة الجمارك للحد من هذه العمليات، من خلال رصد ومتابعة الحوالات المسجلة للاستيراد لديها، والتنسيق مع دائرة التحويلات في البنك المركزي.
البرلمان يتدخل
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، فيصل النائلي، إنّ لجنته ستستضيف محافظ البنك المركزي، لمناقشة القضايا التي تتعلق بعمل البنك، خصوصاً بيانات نافذة بيع العملة التي تصل إلى مليارات الدنانير أسبوعياً. وأوضح النائلي، في حديث صحافي، أنّ اللجنة ستعرض جميع هذه الملفات على طاولة النقاش والاستماع إلى إجابة محافظ البنك المركزي وفق الأدلة الإدارية والعلمية التي وثقتها اللجنة. ولفت إلى أنّ اللجنة المالية ستتخذ كافة الإجراءات القانونية في حال لم تقتنع بالإجابة، إلّا أنّه اللجنة لا تستطيع الجزم بوجود عمليات غير قانونية ما لم تستمع إلى أجوبة المحافظ التي قد تكون وافية لكلّ أسئلة اللجنة وفق أدلة قانونية.