تحديات برلمان لبنان: سياسات مالية ضرورية لكبح الغرق الاقتصادي

04 يونيو 2022
جدار حماية البرلمان الذي فُتح تحت ضغط النواب التغييريين (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

أنهى لبنان أول استحقاقاته بعد إجراء الانتخابات النيابية وفق نتيجة أحيت آمال التغيير مع وصول عدد من النواب من خارج الاصطفافات الحزبية إلى البرلمان، فيما كانت مخيبة للكثيرين من الذين كانوا يطمحون لتغيير رئاسة البرلمان ونيابتها وهيئة المكتب.

إلا أن موجة مخاوف جدية بدأت ترتفع من تعطيل قد يطاول تشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة، قد تكون بمثابة الضربة القاضية اقتصادياً لدولة تكابر في إعلان إفلاسها رسمياً.

وانتخب مجلس النواب اللبناني، الثلاثاء، نبيه بري رئيساً له لولاية سابعة وإلياس بو صعب نائباً له، وكلاًّ من آلان عون وهادي أبو الحسن أميني سرّ هيئة مكتبه، والنواب هاغوب بقرادونيان وميشال موسى وكريم كبارة مفوضين.

ويسبق ذلك مرحلة تكليف رئيس مجلس الوزراء لتشكيل حكومة جديدة تخرج البلاد من مرحلة تصريف الأعمال، وانتخاب رئيس للجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وتبقى الأنظار شاخصة إلى طريقة التعاطي مع الاستحقاقات المقبلة، أبرزها انتخاب اللجان النيابية، أهمها لجنتا "الإدارة والعدل" و"المال والموازنة" لدورهما الكبير في حسم ملفات اقتصادية أساسية.

تحدي السياسة المالية

يُحذّر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفسور مارون خاطر من مخاطر الاستمرار بتصريف الأعمال في ظل الصراع السياسي القائم في البلد. وينتظر خاطر من المجلس النيابي الجديد، المُلوَّن بوجوه تغييرية انبثقت عن "انتفاضة 17 أكتوبر"، السعي إلى قطع الطريق أمام سيناريو التعطيل، والدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة تؤمِّن انتظام عمل المؤسسات.

يقول خاطر لـ"العربي الجديد": "في مطلق الأحوال، وحتى إن تعذّر تشكيل الحكومة، على البرلمان أن يكون سدّاً منيعاً أمام كرات النار التي رمتها حكومة نجيب ميقاتي في ملعبه قبل دخولها نفق تصريف الأعمال، خصوصاً على صعيد خطة التعافي المالي، والتمريرات المفخخة الناتجة عن استبدال التفاوض مع صندوق النقد الدولي بالإذعان المطلق لشروطه".

ويشدد خاطر على أن "المطلوب أن يأخذ المجلس المبادرة، فيتحوَّل إلى ورشة عمل حقيقية ومستمرّة يتوحّد فيها المتناحرون أمام وجع جميع الناخبين والمواطنين"، مضيفاً "لا شيء يمنع المجلس من إقرار موازنة تنسف شبه المشروع المقدَّم وتُعيد صياغته، وتساهم في رسم معالم سياسة ماليَّة لم تنجح الحكومة حتى في الدوران في فلكها".

ويُردف خاطر "أما خطة التعافي النثريَّة فهي خالية من الأرقام والآليات والمنطق، ومشبعة بأفكار وتناقضات وتخيّلات. لذلك، على المجلس الجديد إعادة صياغتها وتصويبها بما يضمن عدم تحميل المودعين ما يجب أن تتحمله الدولة، وتوسيعها وربطها بما أقر من خارجها من مشاريع، كمشروع تعديل قانون السرية المصرفية ومشروع الكابيتال كونترول الذي يجب تعديله بشكل يمنع تكبيله الاقتصاد، وجعله يساهم في إعادة النهوض بالقطاعات الإنتاجية".

ويلفت الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية إلى أنه يقع على عاتق المجلس المنتخب منع سحق القطاع المصرفي على الرغم من أخطائه وعدم ضرب مصداقيَّته".

ويرى خاطر أنه "على المجلس الجديد أن يسعى جاهداً لإرساء استقرار سياسي تعزّزه الشفافية والحوار الصريح، والتشديد على ضرورة توحيد الجهود لبسط سيادة الدولة والقانون على كامل الأراضي ومحاربة الفساد والوقاحة والتعنّت".

ويشدد على أنه "لا يمكن تطبيق كابيتال كونترول ولا توحيد سعر الصرف ولا إصلاح الكهرباء ولا القيام بأي إصلاح ما لم يَسُد القانون على جميع اللبنانيين من دون إستثناءات، وبالتالي فإن أمام البرلمان المنتخب من الشعب مهمة واحدة تحمل في طيّاتها جميع المهام وهي الإنقاذ".

شروط صندوق النقد

من جهته، يؤكد الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة المحامي كريم ضاهر، في حديثه مع "العربي الجديد"، ضرورة أن ينكبَّ مجلس النواب بسرعة على التصديق وإقرار القوانين المحالة إليه، والتي تعدّ من شروط صندوق النقد الدولي لإبرام الاتفاق النهائي مع الحكومة والحصول منه على قرض الـ3 مليارات دولار، وتمهيد الطريق لنيل تمويل الـ7 مليارات دولار من الدول الصديقة المانحة.

ويشدد على أهمية إقرار الموازنة العامة، وقانون الكابيتال كونترول، وقانون السرية المصرفية، عدا عن ركائز أساسية من إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحسين المالية العامة لتأمين استدامة الدين، مع زيادة النفقات على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية وغيرها.

ويلفت ضاهر إلى ضرورة الإسراع في إقرار القوانين المحالة إلى البرلمان، وإعادة البحث بها ودرسها وتعديلها في ظل الأصوات المعترضة عليها، لأن مجلس إدارة صندوق النقد يجتمع في منتصف يونيو/حزيران الجاري، ومن ثم يدخل في إجازة سنوية حتى شهر سبتمبر/أيلول المقبل.

ويلفت ضاهر إلى أنه في حال عدم السير باتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، فإن المجلس النيابي الجديد سيكون شاهداً ومن المسؤولين عن الانهيار النهائي والتام لكل ما تبقّى من مقوّمات اقتصادية واجتماعية للبنان، ومن الصعب جداً أن يتمكن من اتخاذ أي تدبير في ظل غياب التمويل الخارجي الضروري لتغطية نفقات الدولة وانتشالها من الإفلاس.

ويشرح ضاهر أهمية إنجاز الاتفاق والانفتاح على الأسواق العالمية واسترداد ثقة المستثمرين في الخارج ودول الاغتراب بلبنان وقطاعاته، مع العلم أن إتمام الاتفاق ستكون له ارتداداته على المجلس الجديد، ولا سيما على مستوى ضرب شعبيته، نظراً للقرارات التي سترافقه والخطوات الموجعة للبنانيين لكن الضرورية لإعادة تنشيط الجسم اللبناني، والتي تعد شراً لا بد منه للخروج من الأزمة.

إصلاحات ضرورية

ويرى ضاهر أن على مجلس النواب بحث الكابيتال كونترول وإقرار نسخة خالية من المواضيع التي تعتبر بمثابة مطبّات وتشكِّل أذى للمودعين وللبلد، والانكباب على العمل التشريعي وأداء دوره في مراقبة عمل الوزراء ومحاسبة الحكومة ومساءلتها، واتخاذ إجراءات إصلاحية خصوصاً على مستوى القطاعات الأكثر فساداً، ووضع حدّ لمزاريب الهدر والزبائنية ومعابر التهريب.

ويحذر الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة من إطالة مرحلة تصريف الأعمال وانسداد أفق مجلس النواب، التي "ستدفع بالبلاد نحو الانهيار التام والمجاعة والمشاكل الأمنية، وقد تستتبع بتدخل دول أجنبية لإرساء حلٍّ، ليس محبّة بلبنان بل لأن محيطه لا يحتمل انفجاره".

ويشير ضاهر إلى أن "الوضع في لبنان يحتاج إلى نقاش وطني عام للاتفاق على حلول، يكون أشبه بطائف اقتصادي للالتقاء على التضحيات وخريطة الطريق الواجب السير وفقها، والأخذ برأي شرائح المجتمع وفئاته ومختلف قطاعاته التي يجب ألا يصار إلى تغييبها عن إجراءات ستطاولها".

المساهمون