دفعت اعتراضات تجار النفط والشركات الوسيطة على تفاصيل كلف شحن الصفقات النفطية، شركة "أس آند بي غلوبال بلاتس" الأميركية للأبحاث النفطية، إلى تجميد مشروع تغيير آلية تسعير خام برنت التي كانت تخطط لتنفيذه في بداية مارس 2022. وظل تسعير برنت دون تغيير رغم ما حدث من تغييرات جوهرية بسوق الطاقة العالمي.
وجمدت "غلوبال بلاتس" خططها لتغيير آلية تسعير خام برنت، بعد معارضة واجهتها بسبب كلف الشحن في تقييم آلية التسعير المقترحة.
وكانت خطة الشركة تتجه لإضافة خام غرب تكساس الوسيط إلى آلية تسعير خام برنت الذي يعد من أهم الخامات في أسواق النفط، وتَحسب على أساسه مؤشره السعري ثلثي الخامات التي تتم المتاجرة بها في كل من بورصتي لندن ونيويورك.
وحسب تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الأربعاء، واجهت "غلوبال بلاتس" اعتراضات قوية من الصناعة النفطية، خاصة من كبار تجار النفط من المصافي والشركات الوسيطة التي تتاجر في الخامات. وتناولت الاعتراضات تفاصيل أساسية في آلية حساب كلف الشحن من الولايات المتحدة إلى أوروبا.
وتستهدف التعديلات على آلية تسعير برنت عكس التغييرات الرئيسية التي حدثت في أسواق الطاقة العالمية خلال السنوات الأربعين الأخيرة، خاصة ثورة النفط الصخري التي حولت أميركا من أكبر مستورد إلى مصدر للخامات.
ورغم هذه المتغيرات العديدة التي شهدتها الصناعة النفطية وأسواق الطاقة العالمية، فإن العالم لا يزال يستخدم 3 خامات مرجعية، وهي برنت وغرب تكساس ودبي/ عمان. ويلاحظ أن كلاً من خامي دبي وبرنت نضب، ولم يعودا بين الخامات النفطية المؤثرة في أسواق النفط.
وظل كل من خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت من المؤشرات الرئيسية لقياس عقود النفط العالمية الآجلة لفترة ناهزت 40 عاماً من الزمان. وعادة ما يتراوح الفرق بين برنت وغرب تكساس بين دولارين وعشرة دولارات ويكون السعر الأعلى لخام برنت، ولكن في الفترة بين عامي 2011 و2015 بلغ الفرق السعري بين الخامين 20 دولاراً، حسب دراسة نشرتها مجلة "بتروليوم سينس".
ومنذ العام 1983، تهيمن بورصتا " لندن إنتركونتننتال" و"نيويورك ميركنتايل" على عقود الخامات الآجلة التي عادة ما تحدد الأسعار الفورية. وتنشر "غلوبال بلاتس" يومياً مؤشرا سعريا يستخدم في حساب بيع وشراء الخامات العالمية.
وحسب دراسة "بتروليوم سينس"، شهد العالم منذ إنشاء بورصتي لندن ونيويورك تغييرات جوهرية في تجارة النفط الآجل، من أبرزها أن كميات النفط المنتجة في آبار بحر الشمال التي تنتج خام برنت تراجعت وقاربت على النضوب وباتت لا تمثل نسبة تذكر من حجم الخامات النفطية العالمية التي تتم المتاجرة فيها والبالغة مليون برميل يومياً قبل جائحة كورونا التي تضرب الأسواق.
شهد العالم ثورة النفط الصخري التي حولت أميركا من مستورد رئيسي للنفط إلى مصدر للخامات الخفيفة وأصبحت الخامات الأميركية التي تصدر لأوروبا تقدر بنحو مليون برميل يومياً. كما أصبحت الصين أكبر مستورد للخامات النفطية. وحسب دراسات نفطية، تبنى أسعار النفط المرجعية لخام برنت على عدة متغيرات، أهمها، العرض والطلب على الخامات النفطية والسياسة النقدية خاصة وأن الخامات النفطية مقيّمة بالدولار.
ولذلك، فإن سعر الدولار يعد من العوامل المؤثرة في الأسعار، فكلما ارتفع سعر الدولار انخفض حجم الاستهلاك العالمي والعكس صحيح. وثالثاً، الدورة الاقتصادية العالمية وما إذا كانت معدلات النمو الاقتصادي تتجه نحو الصعود أو الهبوط، ورابعاً، عوامل المضاربات بين كبار التجار والمصارف الاستثمارية، وخامساً، كلف الشحن وتأمين الممرات الآمنة لوصول الشحنات.
يُذكر أن منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" كانت تقوم بتسعير النفط حتى العام 1985، لكن النظام السعري انهار، مما دفع شركة "أس آند بي غلوبال بلاتس" الأميركية للاضطلاع بمهمة التسعير. وكانت الدول المنضوية تحت منظمة "أوبك" تعتمد وقتها في تسعير الخامات على حساب العائد الصافي للبرميل بعد خصم كلفة الإنتاج والشحن، لكن المنظمة واجهت اعتراضات من قبل الدول الكبرى المستهلكة للنفط وعلى رأسها الولايات المتحدة. وكانت شركة نفط المكسيك أوّل معتمدي آلية التسعير المرتبطة بالسوق عام 1986.
أما بخصوص حساب كلفة الشحن، فيرى محللون أن الحسابات القديمة لم تعد صالحة في حساب كلف الشحن المثمنة في المؤشر السعري لخام برنت. إذ أصبحت حركة الناقلات النفطية تتجه إلى السوق الآسيوي بدلاً من الأميركي بسبب النمو الاقتصادي السريع في الاقتصاد الصيني واقتصادات النمو الآسيوية، مما أدى إلى الارتباك في حساب كلفة الشحن القديمة التي تعتمد على سعر الشحن إلى الولايات المتحدة في الأعوام التي سبقت نجاح ثورة النفط الصخري التي رفعت الإنتاج الأميركي فوق 12 مليون برميل يومياً، وهناك وسيلتان لنقل النفط للتصدير والاستيراد العالمي، إمّا عبر ناقلات النفط بحراً، أو عبر أنابيب النفط براً.
وشهدت كلفة نقل النفط العربي على سبيل المثال تراجعاً كبيراً من نحو 33% من سعر النفط المصدر من الخليج إلى السوق الأميركي إلى ما بين 3 - 5% في السنوات الأخيرة. لكن كلفة الشحن إلى الأسواق الآسيوية القريبة من المنطقة العربية أقل كثيرا مع تراجع تصدير النفط العربي إلى أميركا، وفق بيانات شركات النقل والتأمين العالمية.