تشتهر بلدة دركوش السورية بإنتاج جميع أنواع الثمار واللوزيات بفضل تربتها العضوية الخصبة ومياهها الوافرة والرطوبة العالية ومناخها الحار صيفاً والمعتدل شتاء، الأمر الذي دفع بعض أبنائها لإجراء تجارب جديدة شملت الموز.
من أبناء البلدة التابعة لريف جسر الشغور بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد، يقول المزارع نعمان يوسف قريش (51 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، الأحد، إنه بدأ بزراعة شجر الموز في أرضه البالغة مساحتها 15 دونماً "بعدما اقتنعت بأنّ الأرض لا تتوقف على إنتاج موسم واحد، وأنه يجب علينا أن نطور عملنا الزراعي وندخل أصنافاً جديدة على المزروعات سنوياً، بما يتماشى مع التطورات الكبيرة التي تحدث في مجال الزراعة".
ويتابع: "ورثت حب الأرض والعمل الزراعي عن آبائي وأجدادي، وبما أنني لم أحصل على شهادة بسبب وضعي المادي المتردي تمسكت بها لتكون مصدر رزق لي لتأمين معيشتي".
ويضيف: "أبتكر أصنافاً جديدة فيها كل سنة، مثل زراعة المشمش المبكر والمشمش المهجن الذي حصلت عليه من المزارعين، والمشمش الغزير والمقاوم للعوامل الجوية، واللوزيات مثل الجانرك والخوخ الهجين بأنواعه والمانغا والرمان، علماً أنّ هذا الأخير وصل إنتاجه منذ 10 سنوات إلى نحو 31 طناً، لكنه الآن تراجع إلى 7 أطنان نتيجة الغلاء والظروف المحيطة".
أما عن تجربة شجر الموز، فيقول: "الآن أجري عليها تجربة لزراعة الموز لأول مرة في محافظة إدلب، وقد استغرقت تهيئة التربة سنتين من العمل والجهد المستمرين، لأنها نبتة غريبة وتحتاج إلى تربة خاصة، وقد بدأت بهذه الزراعة منذ 10 سنوات وطوّرتها إلى أن أصبحت لديّ مجموعة من الغراس الوافرة رغم تراجع الزراعة خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير لعدم إمكانية تقديم مستلزمات الزراعة بشكل جيد، وسأجهز هذا العام بيوتاً بلاستيكية على مساحة واسعة إن استطعت الحصول على دعم أو قرض طويل الأمد لتأمين المستلزمات المطلوبة".
عن كيفية القيام بذلك، يشرح: "بالنسبة لطريقة تكاثر نبتة الموز، نقوم بأخذ الغراس الموجودة بأسفل النبتة ونضعها في أكياس للتشجير لعدة أشهر، ثم نزرعها في الأرض، ولها عدة أنواع، أفريقي (صومالي) وآسيوي وأوكراني، لكن باعتبارها تجربة جديدة، سأحصل على غراس الموز الصومالي رغم أجور الكلفة الباهظة للحصول عليها من تركيا".
أما الخطوة التالية، فهي تخمير الموز وهو على الشجر، عبر وضع الأكياس على الثمار لمدة يومين أو 3 بعد وضع حبة تفاح معها أو مادة الكبريت التي تخمر الموز، علماً أنّ جميع هذه المراحل مبتكرة من خلال التجربة الشخصية والاستفادة منها.
وتكون آخر مرحلة فك أكياس التخمير ووضع ثمار الموز في "كراتين" (صناديق ورقية قوية) مخصصة لمدة يومين لتأخذ اللون الأصفر.
وأوضح قريش: "بلغ محصول الموز في مزرعتي التي تتضمن 50 إلى 60 شجرة موز عالي الجودة لهذه السنة 100 كيلوغرام، كما أنتجت نحو 100 غرسة ووزعتها مجاناً لأشجع مزارعي المنطقة على زراعتها".
وتلقى تجربة قريش ترحيباً واسع النطاق، إذ يضيف: "شاركنا بتقديم ثمار الموز في مهرجان الرمان الذي أقيم في دركوش، وحصلت على الدرجة الأولى من خلال إنتاج ثمرة الرمان المحلي وعلى الدرجة الثانية في إنتاج شجر الموز كأفضل عرض، إلا أنني لم ألق الاهتمام والتشجيع الكافي لدعم استمرار هذا المشروع رغم أنه منتج جديد يُزرع لأول مرة في دركوش ويثمر بنجاح".
طموح لإنتاج الكيوي في إدلب دونه عقبات
ولا تقف طموحات المزارع عند حدود معينة، فهو يبيّن أنه حصل على بعض أشجار الكيوي التي يسعى إلى إنتاجها مستقبلاً لأول مرة في المنطقة أيضاً.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في أنّ هذه الثمار تحتاج إلى الدفء في الشتاء كي تنمو من دون ضرر ولتجنب خسارة المشروع، في حين أنّ عناصر التكلفة جميعها بالدولار، من محروقات وأسمدة وأدوية زراعية وتُباع بالليرة التركية.
وبالعودة إلى الموز، أكد أنّ زراعته مشروع ناجح وغزير الإنتاج على مدار السنة، وقد يبلغ إنتاج كل شجرة 50 كيلوغراماً عند نضجها التام، وهي تمنح صاحبها فوجاً من الموز كل 10 أيام، ولذلك يُسمّى الموز "قاتل أبيه" لأنّ بعد الانتهاء من قطاف الإنتاج تنبت شجرة أخرى جديدة بجانبها عدة مرات، وفي كل مرحلة تعطي ثماراً جديدة.
ولبلوغ مرحلة من الاكتفاء الذاتي وتلافي الاستيراد، يدعو المزارع السوري إلى ضرورة تأمين بيوت بلاستيكية وأسمدة كيميائية عالية الجودة، وأسمدة طبيعية لتطوير هذه الزراعة وتحقيقها أرباحاً، فهذه برأيه "أهم الصعوبات التي نواجهها، إضافة إلى غلاء المحروقات والأسمدة والأدوية غير المراقبة الفاسدة التي قمنا برشها العام الماضي وتسببت لي بخسارة موسم شجرة المانغا (تين الصبار) بشكل كامل".
بدوره، يلفت مسؤول مكتب الزراعة في دركوش عبد القادر حميدي، بحديث لـ"العربي الجديد"، الأحد، أنّ مدينة دركوش بأراضيها الخصبة تشتهر بالعديد من الزراعات أهمها الرمان والحمضيات واللوزيات، إضافة إلى شجرة الزيتون كشجرة بعلية دائمة الخضرة.
ويشير إلى أنه أجرى تجارب عديدة على أراضي دركوش وكانت جميع هذه التجارب ناجحة ومثمرة ووفيرة.
وهو يؤكد أنّ وزارة الزراعة والري (تابعة للحكومة المؤقتة) تؤمّن الغراس من بعض المشاتل، وكذلك يتم استيراد قسم منها من الجوار.
كما تشجع الوزارة على الزراعة من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج بأفضل المواصفات من خلال فحص عينات من هذه المستلزمات وحماية المزارع من خلال استصدار الروزنامة الزراعية، ومنع إدخال المنتجات الزراعية في فترة الإنتاج محلياً، وتقديم الخبرة الفنية مباشرة، وعن طريق إقامة ندوات إرشادية.
وأضاف مسؤول مكتب الزراعة في دركوش أنّ تجربة زراعة الموز ناجحة لكنها تحتاج إلى أصناف جيدة الإنتاج، بالإضافة لحاجتها لأن تكون ضمن بيوت محمية لحمايتها في فصل الشتاء لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، لأن في بقية السنة يكون المناخ مناسباً لغالبية المحاصيل.