استمع إلى الملخص
- التحديات والانتقادات: يواجه التجديد انتقادات بسبب استمرار الشركة الفرنسية في العمل رغم العقوبات وتهريب المخدرات تحت إشراف الفرقة الرابعة، مع تساؤلات حول ازدواجية المعايير.
- التعاون الدولي: تستمر الشركة في تنظيم رحلات بين اللاذقية وإيران، مما يثير تساؤلات حول كيفية استمرارها في العمل مع شركات عالمية رغم العقوبات.
مرّ خبر تجديد عقد استثمار محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية، غربي سورية، من دون تدقيق أو ملاحقة، حتى من الجهات الدولية التي فرضت عقوبات على وزارة النقل وشركة المرافئ السورية، ما يدلل، بحسب مسؤول سابق في وزارة النقل السورية، على "تواطئ أو ازدواجية المعايير، إذ وفي الوقت الذي تمنع خلاله سفن سورية، ولو محملة بمواد غذائية، من أن تؤم المرفأ، يُجدَّد العقد للشركة الفرنسية، رغم كل إشارات الاستفهام والتجاوزات السابقة، بل ووجود مواد ممنوعة متفجرة بالمرفأ، كشفها القصف الإسرائيلي للمرفأ مرتين متتاليتين في 7 و28 ديسمبر/كانون الأول 2021.
وأعلنت شركة الشحن الفرنسية "سي إم إيه سي جي إم CMA-CMG"، قبل أيام، عن تجديد عقدها لاستثمار محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لمدة خمس سنوات قادمة، وذلك للمرة الثانية بعد انتهاء فترة التجديد الأولى في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
مراحل التعاقد مع الشركة لاستثمار محطة حاويات مرفأ اللاذقية
ويكشف المسؤول في النقل البحري السوري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن التعاقد بدأ عام 2009 مع شركة "سعادة سي إم إيه ترمينالز" لاستثمار محطة الحاويات، لعشر سنوات، بالتشارك مع شركة "سورية القابضة" التي تأسست عام 2007 بعد مرسوم رئيس النظام السوري، رقم 19 لعام 2005، بإنشاء شركات سورية قابضة مساهمة مغفلة. ليستمر عمل الشركة الفرنسية خلال الحرب في سورية حتى مدة انتهاء العقد، قبل أن يُجدّد مرة أخرى قبل أيام.
ويشير المسؤول إلى أن التجديد السابق تمّ بعد تحقيق شرط الشركة الفرنسية، وهو فك الشراكة مع "سورية القابضة" وإدخال الموظف السوري سمير حامض الذي يعمل بطبيعة الحال لدى وكالة سعادة البحرية، وجرى تعديل حصة استثمار الشركة الفرنسية لتصل إلى 99%، كما جرى تعديل مجلس الإدارة ، الذي يتجدد بعد عامين تلقائياً، ليدخل إليه المديران التنفيذيان اللبنانيان في شركة سعادة "c m a" في بيروت وهما كارلوس نصري شويري وغابريل دقاق، ويُفوّض سمير حامض ببعض المهام التنفيذية".
ويترك المسؤول السوري أسئلة معلقة من قبيل: "كيف تدير الشركة الفرنسية محطة حاويات مرفأ اللاذقية وتستقبل حاويات من شركات عالمية مثل"MSC و CMA" وغيرها الكثير، مثل أركاس وسفن إيرانية، بواقع العقوبات، وتستمر بتنظيم رحلات منتظمة بين اللاذقية وإيران؟!". وحول العقد وقيمته، يضيف المصدر الخاص أن "تأهيل محطة الحاويات شكلي لاستثمار المرفأ والاستئثار به"، مشيراً إلى أن " قيمة الاستثمارات من قبل الجهة المشغلة بنحو 45.9 مليون دولار، منها 6.2 ملايين دولار لأعمال الصيانة وإعادة تأهيل البنية التحتية في المحطة، و6.2 ملايين دولار لشراء تجهيزات ستعود ملكيتها لشركة المرفأ بعد انتهاء العقد". لافتاً إلى عدم تعديل العقد رغم تبدل الأسعار وما يمكن أن تؤول إليه التجهيزات بعد انتهاء العقد الجديد.
ووصل "العربي الجديد" من جراء التقصي والمتابعة إلى أن الفرنسي من أصل لبناني جاك سعادة أسس مجموعة "سي إم إيه" (Compagnie Maritime d’Affretemen) عام 1978 لتختص، وقتذاك، عبر سفينة واحدة، بخدمة بحرية واحدة بين مرفأي مرسيليا الفرنسي وبيروت اللبناني، قبل أن يتوسع ويستحوذ عام 1996 على شركة "سي جي إم" (Compagnie Générale Maritime- CGM) ثم "إيه إن إل - ANL" عام 1998، ودلماس -Delmas في عام 2005.
وبحلول عام 2006، أصبحت شركة سعادة من كبريات مجموعات شحن الحاويات حول العالم. ونقل جاك سعادة إدارة مجموعته في فبراير/شباط عام 2017، أي قبل وفاته بعام، إلى ابنه رودولف سعادة ليصبح الرئيس التنفيذي لمجموعة سي "إم إيه سي جي إم"، ثم رئيسًا لمجلس الإدارة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني في نفس العام، وقبل التعاقد لاستثمار محطة الحاويات، ضمن شركة مرفأ اللاذقية السورية، بعامين.
وتأسست شركة مرفأ اللاذقية بقرار من رئيس الحكومة السورية خالد العظم في فبراير/شباط 1950، ليتحول الرصيف البحري الصغير "الرصيف الشمالي" عبر شركة تشيكوسلوفاكية وتمويل سعودي بنحو ستة ملايين دولار إلى مرفأ اللاذقية، قبل أن تتوسع سورية عام 1956 بالمرفأ وتبني مكسر حماية بطول 1432 مترًا يحمي الحوض بمساحة 55 هكتاراً، وبناء الرصيف الثاني عام 1958 الذي أنشأت عليه صوامع للحبوب سعتها 35 ألفاً إلى 40 ألف طن، ليستمر التوسع مرتين، بين أعوام 1981 و1984، ليحتوي المرفأ بعد ذلك على أربعة عشر مربطا لرسو السفن إضافة إلى أحد عشر رصيفاً بطول إجمالي 2190 متراً، وبنهاية المرحلة الثانية من التوسع، أصبحت طاقة المرفأ 15 مليون طن، لتصل سعته إلى نحو 620 ألف حاوية، موزعة على 23 رصيفاً، وتؤمه، قبل الحرب، نحو 1800 سفينة سنوياً بإيرادات بلغت عام 2011 نحو 2.4 مليار دولار.
وبحسب مصادر ووثائق سورية، ينقسم مرفأ اللاذقية، وهو شركة عامة تتبع للحكومة السورية، إلى إدارتين، الأولى إدارة عمليات تفريغ شحنات وبضائع عامة تأتي على متن سفن تجارية، وتتبع هذه الإدارة للشركة العامة للمرفأ ومقر إدارتها في مرفأ اللاذقية. وأما الإدارة الثانية، فهي شركة الحاويات المساهمة محدودة المسؤولية، أو محطة الحاويات كما هو معروف بسورية، وهي متخصصة بإدارة عمليات شحن وتفريغ كافة سفن الحاويات، وهي المستثمرة من شركة "سي إم إيه تريمنالز" العائدة لرودولف سعادة، بالتشارك مع شركة "سورية القابضة" ممثلة سابقاً برجل الأعمال السوري هيثم جود، منذ عام 2009 حتى عام 2019، قبل أن ينتهي العقد ويُجدّد بحلة ووجوه جدد، ويُجدّد ثانية قبل أيام.
شروط جديدة لتجديد التعاقد
وقال المختص بالمرافئ السورية معد حسون لـ "العربي الجديد" إن "هناك شروطاً جديدة بتجديد العقد، لأن للإيرانيين سطوة، وإن جزئية، على مرفأ اللاذقية، كما أن مرفأ طرطوس، كاملاً، حصة روسيا بعد عقد الاستثمار لـ49 سنة، قابلة للتجديد، في إبريل/نيسان 2019". وأضاف أنه " بواقع تبدل علاقات نظام الأسد والحرب الإيرانية الإسرائيلية، ليس في مصلحته إبقاء السطوة الإيرانية على المرفأ رغم أن أمن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد القريب من طهران يتحكم، عبر قسم خاص يترأسه ضابط، بما يدخل ويخرج، بما في ذلك الدخان والحبوب المخدرة، لأنهم يقومون بدور الكشاف والجمركي والأمني ويتحكمون بالمستندات وبوالص الشحن".
ويلفت حسون إلى أن "شركة سعادة قريبة جداً من الدولة الفرنسية، وقد مددت العقد بسورية بعد عقودها بمحطة حاويات طرابلس ومحطة حاويات بيروت، بمعنى أن فرنسا تسيطر على مرافئ حاويات سورية ولبنان، وليس إيران كما يشيع البعض، كما أن روسيا تسيطر على ميناء طرطوس". وحول البواخر التي تحمل النفط الإيراني، يلفت حسون إلى أنها " تؤم مرفأ بانياس وليس اللاذقية، وهناك ببانياس تأتي المهربات من نفط ومواد صناعية وتقوم بها مجموعة القاطرجي وعبد الرزاق يمق وعبد الجليل الملاح التي طاولته عقوبات أميركية مؤخراً.
وسبق للعامل السابق بشركة مرفأ اللاذقية نبيل سعد، الذي غادر سورية عام 2021، أن كشف لـ"العربي الجديد" أن شركة الحاويات بمرفأ اللاذقية مسيطر عليها، بشكل شبه كامل، من المكتب الخاص التابع للفرقة الرابعة، ومنها تُهرّب المخدرات مثل حبوب الكبتاغون والكريستال، عبر توضيب وإخفاء ضمن منتجات غذائية أو مواد بناء"، مشيراً إلى أن " تهريب المخدرات من سورية لا يقوم عليه صغار كما يقول البعض، بل هناك ضبط شديد وشركات كبيرة متعاونة".
وحول المرافئ التي تُهرّب منها المخدرات، يضيف سعد لـ"العربي الجديد" أنه تقريباً بنسبة 95% من مرفأ اللاذقية، وربما 5% من طرطوس، لأن مرفأ طرطوس بعد الاستثمار الروسي، ورغم وجود الفرقة الرابعة بشكل محدود، إلا أنه شبه مشلول ولا تؤمه أكثر من عشرة آلاف حاوية سنوياً، في حين لا يزال مرفأ اللاذقية، ورغم العقوبات والحصار، مقصداً لجميع دول العالم وتؤمه أكثر من 250 ألف حاوية سنوياً.
وجاء تمديد عقد محطة الحاويات بمرفأ اللاذقية للشركة الفرنسية بمثابة صفعة للعاملين بقطاع النقل البحري، بحسب ما يقول ناقل بشركة "شام" للنقل البحري، طالباً عدم ذكر اسمه، متسائلاً: "كيف تمنع سفن تجارية تحمل بضائع غذائية، تعود لملكية سورية، من أن تؤم الموانئ السورية، بسبب العقوبات الأميركية، ويُجدّد، بالوقت نفسه، عقد الشركة الفرنسية لتنقل ما تريد عبر الحاويات. وكيف يُجدّد عقد الشركة الفرنسية مع وزارة النقل السورية الخاضعة للعقوبات؟".