أوعز المستشار الألماني أولاف شولتز، على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا، بوقف إجراءات التراخيص المتعلقة بخط أنابيب الغاز عبر البلطيق "نورد ستريم 2" المثير للجدل، والذي كان سيمد ألمانيا وأوروبا بالغاز الطبيعي الروسي.
ويتساءل الكثيرون عن إمكانية لجوء الشركة إلى التحكيم الدولي للحصول على تعويضات ضخمة قد تنهي أثر العقوبات وهدفها، لا سيما أنه تم إنشاء شركة فرعية للتشغيل في ألمانيا، عملا بالقوانين المحلية للاستحصال على الترخيص المطلوب.
وترجح مصادر متابعة للملف أن الحكومة الألمانية تشتري الوقت، وسط المعلومات التي تفيد بأنه سيصار إلى إعداد تقرير ألماني جديد في الأشهر الثلاثة المقبلة حول أمن استيراد مشتقات الطاقة.
وإزاء ذلك، لفت وزير الاقتصاد المنتمي إلى حزب الخضر الشريك في الائتلاف الحكومي، روبرت هابيك، إلى أن الإشارات قد تكون سلبية، مما يعني أن الشركة الموردة المملوكة من الدولة الروسية "غازبروم" قد يتم تصنيفها كخطر استراتيجي، ناهيك عن أهمية التدقيق في شروط المنافسة الأخرى.
وتذهب التوقعات إلى أن شركة الطاقة العملاقة أصبحت في مأزق، خاصة مع إعلان الشركة الفرعية التي تدير المشروع ومقرها سويسرا تسريح موظفيها وإعلان إفلاسها.
أسوأ السيناريوهات
وفي هذا السياق، أبرزت صحيفة "راينشه بوست" الألمانية، أنه في أسوأ السيناريوهات قد تواجه شركة غازبروم عملية تفكيك مكلفة لخط الغاز، لأنه لا يمكن وبكل بساطة ترك الأنابيب ليأكلها الصدأ في قاع بحر البلطيق.
وقد تلجأ غازبروم ومع تعرّضها للضرر إلى مقاضاة الحكومة الألمانية، خاصة وأن تكلفة مشروع خط الأنابيب الذي سيضخ 110 مليارات متر مكعب سنويا، وتم الانتهاء من تنفيذه في سبتمبر/أيلول 2021، قد كلف حوالي 10 مليارات يورو.
وعن فرص مقاضاة شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم لألمانيا، أشار المحامي المتخصص في القانون الإداري في فرانكفورت أولاف دزيالاس، في حديث مع "كابيتال أونلاين"، إلى أنه "مع نورد ستريم 2 لدينا وضع خاص، لاسيما وأن المشروع انتهى العمل به وتم ملؤه بالفعل بالغاز، لكن التراخيص من الجهة المعنية في ألمانيا لم تصدر بعد، وهذا إجراء إداري معقد للغاية، وما حصل من ناحية وقف عمليات إصدار الشهادات خطوة أساسية في هذه العملية في الوقت الحالي".
وتابع دزيالاس أنه لا يمكن للحكومة إيقاف المشروع لأسباب سياسية، وسيتعين على وزارة الاقتصاد إجراء تقييم جديد وإصدار بيان حول تأثيرات خط الأنابيب نورد ستريم 2 على أمن الطاقة.
ولفت إلى أن الوزارة وعبر الوكالة الاتحادية لتنظيم قطاع الطاقة معنية ومن تاريخ تقديم كافة المستندات المطلوبة بدراسة الملف، ومن ثم يتم إرسال مسودة القرار إلى المفوضية الأوروبية، والتي يجب أن تقوم بدورها بإجراء تقييمها الخاص في غضون شهرين، وأمام الوكالة الألمانية الاتحادية بعد ذلك شهران آخران لمنح الترخيص أو رفضه، ومبرزاً أن ما يمكن تصوره أن يكون القرار سلبيا، ومن دون الحصول على الشهادات يجب ألا يتم تشغيل المشروع.
الاتجاه نحو القضاء
في حالة الرفض اعتبر دزيالاس أنه يمكن لشركة غازبروم رفع دعوى والمطالبة بالتعويض عن الأضرار، لكن هناك الكثير من الشك ما إذا كانت المحكمة ستتخذ قراراً لصالحها "لأن الأمر يتعلق هنا بشكل لا لبس فيه بالمصالح الأساسية المرتبطة بالسياسة الخارجية، والمطالبات بالتعويض على هذا الأساس ضعيفة جداً".
ويوضح، "من وجهة نظري ليس هناك لأي بلد أي حق قانوني في تزويد دول أخرى بالمواد الخام، وهذا ينطبق على روسيا، لكن يبقى هناك بالطبع خطر معين مرتبط برفض إعطاء الترخيص، وهذا ما قد تعتمده غازبروم كوسيلة ضغط أمام المحكمة الأوروبية.
ويحمي ميثاق الطاقة في ألمانيا الاستثمارات في هذا القطاع من التغيرات والقرارات السياسية، وكسبت شركة الطاقة "فاتنفال" أخيراً دعوى قضائية ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية أمام هيئة التحكيم، بعد قرار الأخيرة التخلص التدريجي من الأسلحة النووية عام 2011، وحصلت في النهاية على تعويضات بمليارات اليوروهات.
وشرح المحامي دزيالاس أنه وبالمقارنة بين حالة نورد ستريم 2 وشركة فاتنفال، فإن التشابه ممكن بشكل محدود، موضحاً أنه كان لدى فاتنفال تراخيص تشغيل سارية عندما اتخذت الحكومة الألمانية قرارها بالاستغناء التدريجي عن الطاقة النووية في وقت مبكر، وهذا مختلف عن وضع خط نورد ستريم 2 لأنه ليس لديه أي تراخيص أو شهادات صالحة، والشركة ما زالت تنتظر ترخيص التشغيل.
ويشير إلى الخطر القانوني المتمثل في أن المستثمر يمكن أن يحصل على المليارات كتعويضات مباشرة، يمكن التحكم به، لكن من المهم أن تقدم الحكومة الألمانية تبريراً واضحاً عن سبب رفض الترخيص، ويبقى الأهم معالجة الطلب واتخاذ قرار إن كان سلباً أو إيجاباً.
تجدر الإشارة إلى أن هيئات التحكيم الدولية ترتكز على العديد من اتفاقيات التجارة الدولية والتي عادة ما تحمي المستثمر، وتلجأ الشركات إلى هذا النوع من المحاكم إذا تعرضت للمضايقات من قبل الحكومات بطريقة تعسفية أو بدوافع سياسية.
لكن وفق "راينشه بوست"، فإن روسيا لم تصادق على ميثاق الطاقة الأوروبي الذي ينص على آلية وقائية للشركات، كما أن اتفاقية حماية الاستثمار بين ألمانيا وروسيا التي أبرمها الجانبان لم تشمل "نورد ستريم2" لكون مقر الشركة التي تدير المشروع يقع في تزوغ السويسرية.
وكان الوزير روبرت هابيك ذكر أخيراً، أنه وإذا لم تتوافر شروط الموافقة على طلب الترخيص، فلن يكون التعويض مستحقاً، وبروكسل لها السيادة الوحيدة على السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات التي تهدف إلى إلحاق الضرر الاقتصادي بروسيا بعد انتهاكها القانون الدولي.