لم يتردد معلقون في وصف رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الحالي، جيروم بأول، بأنه "بول فولكر الجديد"، بالنظر للسياسة التي يتبعها من أجل التحكم في التضخم وتقليصه، وإن أفضى ذلك إلى ركود اقتصادي، مشيرين إلى أنه يستلهم الاستراتيجيات التي طبقها سلفه بول فولكر في الثمانينات من القرن الماضي.
عاد اسم فولكر إلى الواجهة بقوة منذ مايو/أيار الماضي. فقد عبر باول عن إعجابه به، حيث اعتبره رمزا لمحاربة التضخم، بل إن الرئيس الحالي للفيدرالي الأميركي اعتبره "أعظم موظف عام اقتصادي في تلك الحقبة".
لقد شكل تعيين هذا الأميركي المتقشف على رأس الفيدرالي الأميركي نهاية خضوع تلك المؤسسة للسلطة السياسية والسياسات النقدية التي يراد لها دعم النمو وإن أفَضى ذلك إلى انفلات التضخم، الذي حوله سعيه الذي لا يلين من أجل محاصرته إلى رفع معدلات الفائدة كي تصل إلى 20 في المائة.
تولى فولكر أمر الفيدرالي الأميركي، مباشرة بعد انتخاب الرئيس جيمي كارتر، حيث عينه على رأس تلك المؤسسة النقدية في أغسطس 1979، وأعيد تعيينه لولاية ثانية في أغسطس/ آب 1983 التي امتدت إلى غاية أغسطس 1987، تاريخ مغادرته لتلك المؤسسة.
ولد فولكر في عام 1927 بولاية نيوجيرسي. درس بجامعتي برنستون وهارفارد، حيث أهله تعليمه لتولي منصب اقتصادي بالفيدرالي الأميركي بين 1952 و1957 قبل الالتحاق بمصرف "شيز مانهاتن بنك" الشهير، حيث قضى خمسة أعوام، عين بعدها بمكتب التحليل المالي بوزارة الخزانة الأميركية.
وتولى فولكر الذي توفي في عام 2019، مسؤوليات رفيعة لها علاقة بالشؤون النقدية بالخزانة التي غادرها إلى جامعة برنستون في 1974.
عندما تولى أمر البنك الفيدرالي الأميركي في أغسطس 1979، كان مؤشر أسعار المستهلك أي التضخم يزيد بـ11.8 في المائة على أساس سنوي، حيث كان يتجه نحو 14.6 في المائة في مارس/ آذار من العام التالي. عقد فولكر العزم على كسر ظهر التضخم، وهو هدف من صميم عمل البنك المركزي في الولايات المتحدة الأميركية.
عمد هذا الاقتصادي المتأثر بأفكار ميلتون فريدمان، إلى رفع معدلات الفائدة من 11.2 في المائة إلى 20 في المائة، حيث كان ذلك من أقوى القرارات التي اتخذها في ولايته.
ساعد ذلك على خفض التضخم الذي انتقل من 14.8 في المائة في 1980 إلى أقل من 3 في المائة في عام 1983، وهو ما تأتى بفعل ركود عميق من تجليات انهيار الاستثمار واتساع دائرة البطالة التي بلغت 10.8 في المائة.
تعرض لانتقادات شديدة في سياق متسم باتساع دائرة البطالة بسبب الركود، كما أن سياسة معدلات الفائدة المرتفعة أدت إلى ارتفاع قيمة الدولار قياسا بالين الياباني. والحال أن إنتاجية العملاق الآسيوي زادت بقوة وتدفقت الآلات اليابانية على السوق الأميركي، ما تسبب في أزمة صناعية عميقة في الولايات المتحدة.
يلاحظ عضو هيئة التدريس بجامعة ييل والرئيس السابق لمصرف مورغان ستانلي آسيا، ستفن ستيفن س.روش، في مقال له تحت عنوان "جيروم باول وعجز فولكر" أن نهج هذا الأخير "كان بسيطا، وصريحا، ومباشرا. الواقع أن السياسة النقدية، في نظر فولكر، تبدأ وتنتهي بأسعار الفائدة".
يلاحظ عضو هيئة التدريس بجامعة ييل والرئيس السابق لمصرف مورغان ستانلي آسيا، ستفن ستيفن س.روش، في مقال له تحت عنوان "جيروم باول وعجز فولكر" أن نهج هذا الأخير "كان بسيطا، وصريحا، ومباشرا
يحكي ستيفن س.روش أنه قال له: "إذا لم تكن مستعدا للتصرف بشأن أسعار الفائدة، فربما يكون من الأفضل لك أن تغادر المدينة". ويضيف: "بالطبع، رفع فولكر أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة 1980-1981، وكان هناك كثيرون يريدونه أن يغادر المدينة".
ويشير إلى أن "صيحات الاحتجاج من قِـبَـل العاملين في قطاع البناء، والمزارعين، ومجموعات من المواطنين، وأعضاء الكونغرس الذين طالبوا بإقالته لم تثنه عن إحكام السياسة النقدية على نحو غير مسبوق".
بعد مغادرته الفيدرالي الأميركي تولى فولكر العديد من المسؤوليات، حيث عمل في بنوك استثمار كبرى، وأسندت له رئاسة اللجنة المستقلة التي شكلها مجلس الأمن، من أجل التحقيق في تهم الفساد الموجهة لبرنامج النفط مقابل الغذاء.
وفي 2008 دعم ترشح باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، حيث عينه ذلك الرئيس مستشارا اقتصاديا وتولى أمر المجلس المكلف بمحاربة الأزمة المالية العالمية، إذ انتقد بشدة سلوك المصارف، خاصة مصارف الاستثمار، داعيا إلى منع الأنشطة التي تنطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لمصارف التجزئة.
يقول الرئيس السابق للفيدرالي الأميركي، بن بيرنانكي، إن فولكر جسد الاستقلالية للبنك المركزي وفكرة تبني قرارات لا تحظى بالتأييد الشعبي، لكنها ضرورية اقتصادياً.