- الوضع الاقتصادي يتدهور بفعل الحرب، مع تراجع قيمة العملة وزيادة الالتزامات العسكرية، وتقديم وزير المالية خطة الموازنة لعام 2024 مع التركيز على دعم القوات المسلحة.
- نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص وتزايد تهريب الذهب وفقدان الثقة في النظام المصرفي، مع تحذيرات من تداعيات الحرب الاقتصادية وضرورة إعادة تفعيل دور البنك المركزي.
ثارت مخاوف من تعرّض بنوك سودانية للتصفية أو الإفلاس نتيجة تواصل الحرب منذ أكثر من عام. وأكد بنك السودان المركزي في بيان سابق، تعرّض المصارف لعمليات نهب وتخريب واسعة منذ بداية الحرب، وقدّر مراقبون مواجهة أكثر من 100 فرع مصرفي بولاية الخرطوم وحدها للتخريب والتدمير.
وأدت الحرب إلى توقف أكثر من 80 بالمائة من فروع البنوك بالعاصمة والولايات، وبخاصة ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وبعض البنوك في ولايات سنار والنيل الأبيض، وفق بيانات حديثة.
ويتبادل كل من الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بتنفيذ عمليات النهب والسطو على عدد من فروع البنوك، وسط مخاوف المودعين من التأثير في أموالهم في تلك البنوك، إلا أن بنك السودان المركزي أكد في وقت سابق، أن أموال المودعين بالجهاز المصرفي "آمنة" وأن ما جرى تداوله من عمليات نهب أو سرقة لبعض فروع البنوك التجارية لا تؤثر بالودائع في تلك البنوك.
ورغم ذلك، أكد مختصون أن ودائع العملاء تآكلت بفعل تهاوي قيمة العملة المحلية بشكل كبير بسبب الحرب، إذ بلغت في السوق الموازية 1440 جنيهاً سودانياً للبيع، فيما بلغ سعر الشراء نحو 1420 جنيهاً، أمس الأحد، في حين وصل السعر رسمياً إلى نحو 570 جنيهاً.
وكان وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، قد أكد في تصريحات سابقة تراجع قيمة العملة الوطنية، وقدم عرضاً لخطة الموازنة لعام 2024، مشيراً إلى أن الموازنة الحالية تولي أهمية لدعم القوات المسلحة ومساعدة الأفراد المتضررين من النزاعات. وأقرّ وزير المالية في مؤتمر صحافي عقده بمدينة بورتسودان نهاية فبراير/ شباط الماضي، بأن "التزامات الحرب العسكرية تزداد كل يوم، وهي بالعملة الصعبة، وهذا جزء من إشكال سعر الصرف الذي تعيشه البلاد".
ويتوقع مراقبون أن يشهد الجنيه السوداني المزيد من الانخفاض بسبب الأزمات الاقتصادية الجسيمة التي تضرب البلاد في ظل تفاقم الحرب وعدم وجود أفق لتحقيق السلام بين أطراف النزاع قريباً.
وسبّبت الحرب المحتدمة منذ أكثر من عام نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، واضطرار عائلات إلى النزوح عدة مرات، بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية خاصة بها، في ظل انهيار شبكات إنتاج الغذاء وتوزيعه وانعدام الأمن.
وسبق أن حذر الخبير الاقتصادي إبراهيم أونور فى ندوة عقدت بولاية البحر الأحمر من تداعيات الحرب الاقتصادية التي يقوم بها الدعم السريع، بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية، وقطع بخطورة عدم اتخاذ الحكومة أي خطوات لإيقاف تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي في السودان. وانتقد عدم تطبيق وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي اقتصاد الحرب، وكشف عن أن من بين كل ثلاثة بنوك، بنكين تنطبق عليهما شروط الإفلاس.
وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات لإيقاف انهيار الاقتصاد السوداني من خلال إعادة تفعيل دور البنك المركزي وتعزيز الثقة في القطاع المصرفي بجانب مراجعة التوسع النقدي، مشيراً إلى أن التوجه للحرب الاقتصادية واضح، وفضلاً عن ضخ العملات المزورة، فقدت البلاد تحويلات السودانيين من الخارج إلى الدول التي نزح إليها السودانيون بعد الحرب، كذلك تزايد تهريب الذهب.
من جانبه، يرى المصرفي السوداني إسماعيل محمد توم، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن البنوك السودانية تواجه صعوبات شتى، منها فقدانها الأموال الكاش وإتلاف أصول مصرفية وتوقف تحصيل المديونية على العملاء، بالإضافة إلي توقف التمويل الجديد. وتابع توم: "كل هذا يقود إلى خسائر مالية للبنوك السودانية بلا استثناء... إذا استمر هذا الوضع شهوراً أخرى، فقد تفشل بعض البنوك في الاستمرار ثم يقود هذا إلى التصفية أو الإفلاس".
وأكد الخبير المصرفي أبو عبيدة أحمد سعيد، تأثر أعمال البنوك بالحرب لأنها وسيط مالي ما بين المودعين والمستثمرين، موضحاً أن الكثير من استثمارات البنوك سيتعثر نتيجة للحرب التي اندلعت منذ عام تقريباً. وكشف عن انخفاض الودائع المصرفية في البنوك بنسبة كبيرة.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد": "قبل الحرب ظلت البنوك السودانية تعانى من ضعف رؤوس أموالها ومشاكلها التقنية والإدارية والهيكلية، رغم قرارات بنك السودان المركزي، وكل هذه الإشكالات أثرت بأدائها قبل الحرب". وأضاف: "بعد الحرب أصبحت الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي أكبر بكثير من السابق، كذلك فقد كثير من المواطنين الثقة التي كانت متوافرة بنسبة بسيطة في البنوك، وجعلت البعض يسعى للحصول على العملة الصعبة، وفتح بعضهم حسابات في بنوك بدول أخرى خاصة".
وأوضح أنّ هناك دولاً كثيرة بدأت بتقديم تسهيلات إلى السودانيين، مع توفير ميزات استثمارية لهم، ما أسهم في هروب رأس المال الوطني إلى الخارج، وهو مما له تأثير اقتصادي خطير بالبنوك السودانية.