"بلومبيرغ": عشرة تريليونات دولار كلفة سباق إعادة التسلح لأميركا وحلفائها

10 ابريل 2024
طائرة أميرية بدون طيار في معرض سنغافورة للطيران، 20 فبراير 2024 (رسلان رحمان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تدخل في سباق تسلح جديد ضد روسيا والصين، مع توقعات بأن يكلف هذا السباق عشرة تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، في ظل تسجيل الإنفاق الدفاعي العالمي رقماً قياسياً.
- الدول الأوروبية تواجه ضغوطاً مالية متزايدة لزيادة ميزانياتها الدفاعية لتلبية متطلبات الأمن في القرن الحادي والعشرين، مما يهدد بتعطيل جهود توحيد ديون الاتحاد الأوروبي ويضعها أمام خيارات اقتصادية صعبة.
- التحديات الجديدة تتطلب التوفيق بين الإنفاق الدفاعي المتزايد والحفاظ على الرفاهية، مع توقعات بأن تصبح هذه المسألة محورية في السياسة العالمية، مما يعقد الجهود الدولية للحفاظ على السلام والأمن العالميين.

تشير التقديرات إلى أن سباق إعادة التسلح يكلف الولايات المتحدة وحلفاءها نحو عشرة تريليونات دولار، وأن الدول بدأت التأقلم مع الزيادة الهائلة في الإنفاق الدفاعي المطلوب لموازنة جيشي روسيا والصين.

فقد بدأ عصر جديد من إعادة التسلح عالمياً يكتسب زخماً متزايداً، ما يعني تكاليف باهظة واتخاذ بعض القرارات الصعبة بالنسبة للحكومات الغربية التي تعاني أصلاً من هشاشة مواردها المالية العامة، وفقاً لتقرير أوردته شبكة بلومبيرغ الأميركية أمس الثلاثاء.

ورغم أن الإنفاق الدفاعي العالمي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 2.2 تريليون دولار العام الماضي، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت للتو تفكر في ما سيتطلبه الأمن في القرن الحادي والعشرين، في ظل تحرك روسيا على حدودها الشرقية واضطرابات الشرق الأوسط المضطرب وتوسّع الجيش الصيني.

تلبية الحد الأدنى الذي حدده التحالف بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للنفقات العسكرية من شأنها أن تعطل الكثير من جهود توحيد ديون الاتحاد الأوروبي

وكان الزعماء السياسيون يهنئون أنفسهم على التقدم نحو تحقيق أهداف حلف شمال الأطلسي (الناتو) المتمثلة في تخصيص 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي للدفاع. لكن المسؤولين الذين يركزون على الأمن يقولون إن الميزانيات العسكرية قد تحتاج إلى محاكاة إنفاق الحرب الباردة بما يصل إلى 4% من أجل تنفيذ خطط الحلف.

وإذا تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الوصول إلى هذه المستويات، فإن ذلك يعادل أكثر من عشرة تريليونات دولار من الالتزامات الإضافية على مدى العقد المقبل، وفقاً لحسابات خدمة بلومبيرغ إيكونوميكس.

في هذا الصدد، قالت كبيرة محللي الاقتصاد الجيواقتصادي في هذه الخدمة جينيفر ويلش إن "مكاسب السلام في فترة ما بعد الحرب الباردة تقترب من نهايتها. ومن المرجح أن يكون لهذا تأثير على شركات الدفاع والمالية العامة والأسواق المالية".

والحقيقة القاسية، بحسب بلومبيرغ، بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، هي أن التقدم الذي أحرزه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا يعني أنهم بحاجة إلى تعزيز دفاعاتهم بشكل كبير في أوروبا الشرقية في نفس الوقت الذي تكبّر الصين موازنتها الدفاعية وتعكف على زيادة تعاونها مع موسكو.

قفزت تقديرات نسبة الدين العام الإيطالي إلى 179% من الناتج بحلول عام 2034، صعوداً من 144% هذا العام

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ واضحاً بشأن طموحه لوضع تايوان تحت سيطرة بكين بالقوة إذا لزم الأمر، مؤكداً تكراراً على مطالبات الصين الإقليمية في أماكن أخرى من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ويدفع هذان التهديدان الزعماء الغربيين (وبالتالي ناخبيهم) إلى مواجهة المشكلات المتعلقة بالضرائب والرعاية الاجتماعية والاقتراض الحكومي التي ظلت تتراكم منذ سنوات، بينما يتصالحون مع المقايضات التي ستجلبها عودة المنافسة بين القوى العظمى.

حول هذه النقطة، قال سايمون جونسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي كان في السابق كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي: "لا أتوقع حدوث أزمة مالية ناجمة عن ارتفاع الإنفاق الدفاعي، لكنني أشعر بالقلق بشأن أزمة الأمن القومي الناجمة عن الفشل في الدفاع عن بلدك".

ويُظهر تحليل أجرته بلومبيرغ إيكونوميكس كيف أن العبء المتزايد للتحضير للحرب سيخلق نموذجاً مالياً جديداً لمعظم الدول الأعضاء في حلف الناتو.

وحتى مجرد تلبية الحد الأدنى الذي حدده التحالف بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للنفقات العسكرية من شأنها أن تعطل الكثير من جهود توحيد ديون الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد وباء كورونا. ومن شأن الوصول إلى 4% أن يدفع الدول الأضعف في الكتلة إلى اتخاذ خيارات مؤلمة بين مستويات أعمق من الاقتراض، أو تخفيضات كبيرة في أجزاء أخرى من الموازنة أو زيادة الضرائب.

ماذا عن النفقات الدفاعية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا؟

وستكون فرنسا وإيطاليا وإسبانيا منكشفة بشكل خاص إذا تم تمويل الإنفاق الإضافي من أسواق السندات، بعدما قفزت تقديرات نسبة الدين العام الإيطالي إلى 179% من الناتج بحلول عام 2034، صعوداً من 144% هذا العام.

وحتى الولايات المتحدة، التي تخصص بالفعل 3.3% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي للدفاع، ستشهد زيادة في الاقتراض من 99% إلى 131% على مدى العقد المقبل إذا ما رفعت ميزانيتها العسكرية إلى 4%.

وقد تظهر التداعيات عندما يصدر صندوق النقد الدولي توقعاته المحدثة للديون الأسبوع المقبل في اجتماعاته الربيعية. وقد طلب مسؤولوها بالفعل من البلدان أن تبدأ تدريجاً في إعادة بناء الاحتياطيات المالية وسط نمو من المرجح أن يكون أضعف في نصف العقد المقبل مقارنة بما كان عليه قبل جائحة كورونا.

ورغم أن حرب أوكرانيا والعدوان المتواصل على قطاع غزة قد ركّزا الاهتمام على أوروبا والشرق الأوسط، فإن ارتفاع الميزانيات العسكرية يشكل ظاهرة عالمية.

الإنفاق الدفاعي في الصين يتصاعد

ومن المتوقع أن ينمو الإنفاق الدفاعي في الصين بنسبة 7.2% في عام 2024، وهو أكبر معدل منذ خمس سنوات. وتتصدر ماليزيا توقعات النمو على أساس سنوي لـ22 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بزيادة قدرها 10.2% وإجمالي نفقات قدرها 4.2 مليارات دولار هذا العام، وفقاً لتحليل أجرته شركة الاستخبارات الدفاعية جينز، ويتبع ذلك نمو بنسبة 8.5% في الفيليبين بمبلغ 6.6 مليارات دولار.

الولايات المتحدة، التي تخصص بالفعل 3.3% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي للدفاع، ستشهد زيادة في الاقتراض من 99% إلى 131% على مدى العقد المقبل

وفي الولايات المتحدة، ستطلب إدارة الرئيس جو بايدن زيادة بنسبة 1% في الميزانية العسكرية التي تفوق بالفعل ميزانية أي دولة أخرى، وفي هذا الإطار، يقول ماثيو كروينغ من المجلس الأطلسي إنها قد تحتاج إلى مضاعفة الميزانية العسكرية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مضيفاً أن "الولايات المتحدة ليست قريبة من المكان الذي يجب أن تكون فيه".

أما الكيفية التي قد يتمكن بها عالم أعيد تسليحه من التوفيق بين هذه الالتزامات والإيرادات الضريبية المحدودة والاحتياجات المتزايدة الرفاهية والصحة، فمن المنتظر أن تصبح مسألة سياسية ملحّة في السنوات المقبلة.

إن الكيفية التي قد يتمكن بها عالم أعيد تسليحه من التوفيق بين هذه الالتزامات والإيرادات الضريبية المحدودة والاحتياجات المتزايدة الرفاهية والصحة، من المنتظر أن تصبح مسألة سياسية ملحة في السنوات المقبلة.

ومع أخذ ذلك في الحُسبان واحتمال فوز دونالد ترامب المتشكك في حلف شمال الأطلسي بولاية ثانية، بدأ زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون في أواخر مارس/ آذار المنصرم، مناقشات صعبة حول كيفية تمويل إصلاح كبير لقطاعهم الدفاعي مع الحفاظ أيضاً على المساعدات لكييف. وأدت تعليقات ترامب التي أثارت الشكوك حول المساعدات الأميركية لأوروبا في حالة الحرب، إلى زيادة إلحاح تلك المحادثات.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، فمن غير المرجح أن يوافق أعضاء حلف شمال الأطلسي على التزام صارم بإنفاق ما يصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع في أي وقت قريب. وقد اتفقوا العام الماضي على زيادة تعهدهم بإنفاق ما لا يقل عن 2%، لكن حتى ذلك أثار جدلاً حاداً، ودائماً بحسب بلومبيرغ.

توسيع إصدار سندات اليورو المدعومة

وبالنسبة للمستثمرين، فإن الخيار الأكثر جاذبية هو توسيع إصدار سندات اليورو المدعومة بشكل مشترك والتي موّلت خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي بعد كورونا. ومثل هذه الآلية من شأنها أن تستفيد من المطالبة بالمزيد من الأوراق المالية الأوروبية ذات التصنيف الممتاز، وأن تحمي البلدان من تزايد الأعباء.

من غير المرجح أن يوافق أعضاء حلف شمال الأطلسي على التزام صارم بإنفاق ما يصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع في أي وقت قريب

ومع ذلك، فإن حقبة طويلة من أسعار الفائدة المرتفعة التي تبدو الآن محتملة قد تؤدي إلى زيادة رسوم خدمة الديون وتضييق خيارات التمويل العام، خاصة إذا اقترنت بإنفاق دفاعي أعلى بكثير.

وإذا تجنبت الحكومات اتخاذ قرارات صعبة سياسياً، فإن ذلك قد يضمن فقط بقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة، وفقاً لكريستوفر سمارت، وهو مسؤول كبير سابق في السياسة الاقتصادية في وزارة الخزانة الأميركية والبيت الأبيض.

سباق التسلح سيفاقم مديونية الدول المعنية ويرفع الفوائد

وسمارت، الذي يشغل الآن منصب الشريك الإداري في مجموعة أربروث، قال: "إننا نعيش في عالم من السياسيين الذين يفضلون الأسلحة، لذلك لا أعلم أن ذلك سيفرض مجموعة كبيرة من الخيارات الصعبة، بل سيؤدي فقط إلى المزيد من الديون، الأمر الذي سيؤدي في حد ذاته إلى رفع أسعار الفائدة".

وتكمن هذه المخاوف أيضاً وراء معارضة إصدار السندات المشتركة من قبل الصقور الماليين في الدول الأكثر ثراء مثل ألمانيا التي لم يستبعد مستشارها أولاف شولتز بشكل قاطع في تصريح الشهر الماضي، إصدار سندات مشتركة، لكنه لم يُظهر الكثير من الحماس أيضاً، قائلاً للصحافيين: "لسنا من المعجبين الكبار بمثل هذه الأفكار".

وتتمثل خلفية هذه المناقشات في خطة حلف شمال الأطلسي لتنفيذ واحدة من أكبر عمليات الإصلاح لدفاعاته منذ نهاية الحرب الباردة.

ويهدف التحالف إلى وضع نحو 300 ألف جندي في حالة استعداد أعلى، مع قدرة أعضائه على توسيع نطاق ثماني مجموعات قتالية متعددة الجنسيات على جناحه الشرقي، تضم كل منها حالياً 1000 جندي تقريباً، ليصل حجم اللواء إلى 5500 جندي.

وعن هذه النقطة، قالت أوانا لونجيسكو، المحللة في مركز الأبحاث "آر يو إس أي" RUSI ومقره لندن والمتحدثة السابقة باسم الناتو، إن "هناك حاجة ماسة للمزيد"، لأن الحلف يحتاج إلى سد الفجوات القائمة منذ فترة طويلة مثل الدفاع الجوي، وتجديد مخزون الأسلحة والذخائر، ومواصلة الاستثمار في التقنيات الجديدة للحفاظ على تفوقه على روسيا. كما ستحتاج أوكرانيا إلى الدعم المستمر مع تتحمّلها عاماً ثالثاً من الحرب.

وفي حين أن كل هذا قد يؤدي إلى تكاليف لم يبدأ القادة السياسيون في حسابها بجدية بعد، إلا أنه ربما لا يزال أفضل من البديل، وفقاً لجونسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي انتهى إلى القول: "عليك أن تزين ذلك مقابل ما يحدث إذا لم تنفق المال".

المساهمون