في 24 أغسطس/آب 2023، دُعيَت مصر، ضمن 6 دول أخرى، للانضمام إلى عضوية تجمع البريكس، ونظر البعض إلى الأمر على أنه بمثابة أحد أسباب خروج مصر من أزمتها الاقتصادية الحالية، وبخاصة أن التجمع يضم الصين، ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، والهند، سادس أقوى قوة اقتصادية في العالم.
ومن الطبيعي أن تتعلق نفوس المجتمعات بالخروج من الأزمات التي شملت العديد من جوانب حياتهم، وبخاصة التضخم، الذي حوّل حياتهم إلى أمر صعب. فآخر تقديرات البنك المركزي المصري للتضخم تفيد ببلوغ المعدل 36.5% بنهاية يوليو 2023. لكن السؤال: هل الانضمام إلى تجمّع اقتصادي إقليمي أو دولي مثل البريكس هو الأول لمصر؟
السرد التاريخي يخبرنا بأن مصر انضمت إلى كيانات إقليمية ودولية عدة، لكن مردود هذا الأمر على الاقتصاد المصري كان محدوداً، خصوصاً ما يتعلق بالتجارة الخارجية، واستمرار المشكلة المزمنة في العجز التجاري لمصر.
ومن أهم التجمعات الاقتصادية التي انضمت إليها مصر خلال السنوات الماضية:
مجموعة الـ 15: انضمت مصر إلى المجموعة، التي تضم دولاً من قارة أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، في عام 1989، والمجموعة تضم أعضاءً من المؤسسين لبريكس، مثل البرازيل والهند، وتضم أعضاءً من المنضمين الجدد إلى بريكس، مثل إيران والأرجنتين.
ويلاحظ أن الأمر لم يتجاوز الحضور السياسي في بعض المناسبات الاقتصادية الدولية، مثل الإعلان عن منظمة التجارة العالمية، ومؤتمراتها الوزارية، التي كانت تشهد صخباً كبيراً بسبب تحرير التجارة وأثره على الدول النامية.
وحسب البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن التبادل التجاري لمصر مع دول مجموعة الـ 15 بلغ 16.9 مليار دولار عام 2022.
وتستحوذ الهند وحدها على نسبة 51% من قيمة هذا التبادل التجاري. ولدى مصر عجز بميزانها التجاري مع دول المجموعة يقدَّر بـ 7 مليارات دولار تقريباً.
تجمّع الكومسيا: في عام 1998 وقّعت مصر اتفاقية عضويتها بتجمّع الكوميسا، وفي عام 1999 دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، وبلغ التبادل التجاري لمصر مع دول المجموعة 5.3 مليارات دولار، وتضم المجموعة عدة دول عربية افريقية، تستحوذ على النصيب الأكبر للتجارة الخارجية مع مصر في إطار التجمع، ويسفر الميزان التجاري عن وجود فائض لصالح مصر بنحو 1.5 مليار دولار تقريباً.
وتضم المجموعة 21 دولة أفريقية (مصر، بوروندي، جزر القمر، الكونغو الديمقراطية، جيبوتي، إريتريا، كينيا، إثيوبيا، إيسواتيني (كانت تسمى سوازيلاند)، ملاوي، مدغشقر، ليبيا، سيشيل، رواندا، موريشيوس، تونس، السودان، الصومال، زامبيا، زيمبابوي، وأوغندا).
مجموعة الـ 8 الإسلامية: انطلقت المجموعة في عام 1997، وتضم دول (بنغلادش، ومصر، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ونيجيريا، وباكستان، وتركيا)، إلا أنها لم تضف على أرض الواقع كثيراً من الأهداف التي أنشئت من أجلها، حيث كان ينتظر لها أن تصل إلى أداء مجموعة الـ 7 الصناعية، وحال دون ذلك إرادات سياسية ضعيفة.
وبلغ التبادل التجاري لمصر مع دول المجموعة عام 2022 نحو 11.5 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري إلى وجود عجز لمصر يبلغ قرابة 1.3 مليار دولار.
منطقة التجارة الحرة العربية: منذ ما يزيد على 23 عاماً، أُطلِقَت تلك المنطقة، وكثيراً ما يُعوَّل على زيادة التجارة العربية البينية، كأحد مداخل زيادة التعاون الاقتصادي العربي.
وحسب الإحصاءات الخاصة بعام 2022، بلغ التبادل التجاري لمصر مع دول منطقة التجارة العربية الحرة 29 مليار دولار.
ويسفر الميزان التجاري عن وجود عجز لدى مصر في تبادلها التجاري مع أعضاء منطقة التجارة الحرة العربية، بنحو 5 مليارات دولار تقريباً.
وباعتبار مصر مستورداً صافياً للنفط، حتى الآن وبعد اكتشافات حقول الغاز الكبيرة، فإن العجز في الميزان التجاري لمصر مع الدول العربية يعود لوارداتها من النفط.
اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية: في عام 2003 صدق البرلمان المصري على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في يونيو 2004.
وأتت الاتفاقية بعد مفاوضات طويلة بين الطرفين، واشتهرت بتنفيذ عدة برامج لدعم الاقتصاد المصري، أبرزها برنامج تحديث الصناعة، وكان الأمل أن تحدث الاتفاقية نقلة في أداء الاقتصاد المصري.
لكن مضت الاتفاقية، ولم تغير شيء بعد قرابة عقدين من الزمن، وحتى الإعفاءات الجمركية الواجبة في حق الواردات من دول الاتحاد الأوروبي، التي كان المصريون يعوّلون عليها، لكن التفّت عليها الحكومة المصرية بفرض ضرائب مبيعات وقيمة مضافة، بما يعادل أو يزيد على قيمة الجمارك، التي كانت تُحصَّل قبل تفعيل بند الإعفاء الجمركي.
تعكس الإحصاءات الخاصة بعام 2022 أن قيمة التبادل التجاري كان بحدود 41.9 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري الفائض لصالح الاتحاد الأوروبي بقرابة 3.5 مليارات دولار.
والاتحاد الأوروبي أحد أبرز الشركاء التجاريين لمصر، ومصدر مهم للاستثمارات المباشر، وتدفق السائحين، وبخاصة في موسم الشتاء.
مصر والدول المؤسسة للبريكس: لدى مصر علاقات اقتصادية ملحوظة مع بعض تلك الدول، وعلى رأسها الصين والهند، فالتبادل التجاري لمصر مع الصين عام 2022 بلغ 14.9 مليار دولار، بفائض تجاري كبير لصالح الصين بلغ 11.5 مليار دولار تقريباً.
أما الهند، فوصل التبادل التجاري لها مع مصر عام 2022 إلى نحو 6 مليارات دولار، وبفائض تجاري لصالح الهند أيضاً بحدود 2.2 مليار دولار، ثم روسيا في المرتبة الثالثة بتبادل تجاري قيمته 4.7 مليارات دولار تقريباً، وبفائض تجاري لصالح روسيا بنحو 3.5 مليارات دولار.
وتأتي البرازيل في المرتبة الرابعة بقيمة تبادل تجاري 1.4 مليار دولار، وبفائض تجاري لصالح البرازيل بنحو 850 مليون دولار تقريباً، ثم جنوب أفريقيا بتبادل تجاري قيمته 216 مليون دولار في عام 2021، وبفائض تجاري لصالح مصر قيمته قرابة 40 مليون دولار.
خلاصة التجارب، أنه بعد سرد نتيجة العلاقات التجارية لمصر مع أبرز التجمعات الاقتصادية التي تشتبك معها عبر اتفاقيات، على مدار سنوات مضت، وجدنا أن مصر تعاني من عجز مع هذه التجمعات كافة، اللهم بعض الاستثناءات القليلة، والفائض لصالح مصر بمبالغ زهيدة.
وكانت نتيجة ذلك أن الميزان التجاري لمصر عموماً يعاني من عجز مزمن، وتشير أحدث بيانات البنك المركزي المصري إلى وجود عجز تجاري لدى مصر في عام 2021/2022 يقدَّر بنحو 43.3 مليار دولار، بينما الفترة من يوليو/تموز 2022 ومارس/آذار 2023، بلغ بها العجز التجاري لمصر 23.5 مليار دولار.
فعضوية مصر في تجمعات اقتصادية، لم تؤد إلى إحداث نقلة نوعية في أدائها الاقتصادي، سواء كانت تجمعات أفريقية أو إسلامية أو عربية أو أوروبية، بمستويات اقتصادية مختلفة، ولكن بقيت مصر تعاني دوماً في مجالات التكنولوجيا، وزيادة الديون، وأداء تنموي، لم يتحرك خارج تصنيف الدول النامية.
ويمكننا أن نستنتج أن عضوية مصر بتجمع البريكس، لن تضيف جديداً، إلا إذا غيرت مصر من أدائها، وحاولت بجد الاستفادة من بعض دول المجموعة، سواء القدامى أو الجدد، في نقل التكنولوجيا، وتحويل علاقات التجارة إلى شراكات استثمارية، بوجود مشروعات مشتركة على أرض مصر لزيادة الإنتاج بقطاعي الصناعة والزراعة.
وسيكون معيار التقييم الحقيقي لانضمام مصر إلى البريكس، هو ما يزيد من علاقاتها الحالية من تجارة واستثمار على ما كان عليه بنهاية 2023.