بعد ارتفاع البطالة... هل بدأ الاقتصاد الأميركي مرحلة الانهيار؟

07 يوليو 2024
هل تستمر الخدمات في دعم الاقتصاد الأميركي؟ - نيويورك 6 يوليو 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تزايد علامات الضعف الاقتصادي في الولايات المتحدة**: ارتفاع معدل البطالة وتراجع الطلب الاستهلاكي أدى إلى انخفاض الإنفاق الشخصي، مما أثار تساؤلات حول دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الانهيار.

- **تأثير التباطؤ الاقتصادي على التوظيف**: تراجع النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات قد يؤدي إلى تباطؤ في التوظيف أو خفض الوظائف، مع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة مما يؤثر على مدخرات المستهلكين.

- **تغيرات في سلوك المستهلكين وتأثيرها على سوق العمل**: الشركات التي تقدم الخدمات بدأت في تخفيض عمليات التوظيف، مع تقلص العمالة في بعض القطاعات وارتفاع معدل البطالة إلى 4.1%.

مع تسجيل معدل البطالة في الولايات المتحدة أعلى مستوياته خلال أكثر من عامين، تزايدت علامات الضعف في الاقتصاد الأميركي بصورة فرضت التساؤل عن دخول الاقتصاد الأكبر في العالم مرحلة الانهيار، التي حذر منها الكثيرون في أكثر من مناسبة، على مدار العام الماضي.

ووفقاً لاستطلاعات رأي حديثة شملت مجموعة من الشركات الربحية الأميركية، والتي تقدم مختلف أنواع الخدمات بدءاً من المطاعم إلى عيادات الأسنان، يبدو أن الطلب الاستهلاكي قد تضاءل خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما تم تأكيده في أحدث بيانات للإنفاق الشخصي التي أعلنت عنها الحكومة الأميركية. وتظهر البيانات تراجعاً كبيراً عن فورة الإنفاق التي تم تسجيلها في صيف العام الماضي، حين تعاظم إنفاق الأميركيين، وظهر بصورة واضحة في مبيعات تذاكر السينما وحفلات الموسيقى باهظة الثمن، فيما جعل البعض يصف الاقتصاد الأميركي وقتها بـ"اقتصاد تايلور سويفت".

وأظهر أحدث مسح شهري أجراه معهد إدارة التوريدات، والذي يقيس نشاط الاقتصاد الأميركي في قطاع الخدمات، أن النشاط الاقتصادي الإجمالي والطلبات الجديدة تراجعت بشكل غير متوقع إلى منطقة الانكماش الشهر الماضي. وانخفض المؤشر الرئيسي إلى قراءة 48.8 في يونيو/حزيران من 53.8 في مايو/أيار، فيما شهد المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة انخفاضاً أكثر حدة، بتراجعه من 54.1 إلى 47.3. وتشير القراءة فوق 50 إلى التوسع، في حين تشير أي قراءة أقل من تلك العتبة إلى الانكماش.

هذا التباطؤ الواضح في الطلب، إذا استمر لفترة كافية، يمكن أن يُترجم إلى قيام الشركات التي تُقدم الخدمات بالتوظيف بوتيرة أبطأ، وربما خفض الوظائف. وتعمل الغالبية العظمى في الولايات المتحدة في تقديم الخدمات، وتحديداً 86% من إجمالي الوظائف في أميركا البالغ عددها 158.6 مليون وظيفة، وفقاً لأرقام نهاية يونيو/حزيران. وقال جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك الاستثمار ING، لشبكة سي أن أن الإخبارية: “عندما تفكر في الخدمات، فإن الكثير منها يحركه المستهلك، والمستهلكون هم المفتاح لمعرفة اتجاه الاقتصاد الأميركي. لقد بدأنا نرى التوتر في أعداد أكبر من الأسر".

ويتعرض المستهلك الأميركي بالفعل للضغوط، وما زال منهمكاً في صراعه مع التضخم الذي لا يزال مرتفعاً بالمقاييس الأميركية، وأسعار الفائدة الأعلى منذ أكثر من عقدين من الزمن، بينما تستمر مدّخراته التي تكوّنت وقتَ الجائحة بالتراجع، واختفت عند البعض وتحولت لمديونيات، بصورة تعكس تردي الأوضاع المعيشية للكثير من الأميركيين من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة. وتظهر الإحصاءات الحكومية أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يشكل حوالي 70% من الاقتصاد الأميركي، قد تراجع بالفعل خلال الأشهر القليلة الماضية، وقال تجار التجزئة إنهم لاحظوا أن المتسوقين من فئات دخلٍ مختلفة يغيرون سلوكهم الشرائي.

ونقلت شبكة سي أن أن الإخبارية عن إحدى شركات الخدمات الغذائية قولها إن "المبيعات لا تزال ضعيفة مقارنة بالعام الماضي"، وألقت باللوم على "ارتفاع أسعار الغاز في كاليفورنيا واستمرار ارتفاع التضخم وأسعار قائمة المطاعم". وانخفض الإنفاق في المطاعم والحانات بنسبة 0.4% في مايو/أيار، وفقاً لأحدث أرقام لوزارة التجارة حول مبيعات التجزئة. وتساءلت إحدى الشركات: "مع استمرار التضخم، هل سيكون لدى العملاء ما يكفي من الأموال للإنفاق؟"

وقدم نايتلي تحليلاً للبيانات الحكومية يظهر أن الأميركيين في فئة الـ20% الأعلى دخلاً كانوا مسؤولين عن حصة كبيرة من الإنفاق على الخدمات المتعلقة بالنقل، بما فيها السفر الجوي والرحلات البحرية، والترفيه، والغذاء، والتمويل، بينما مثّلت نسبة الـ60% الأقل دخلاً نسبة أكبر من الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية. لكن الأمر يستغرق بعض الوقت قبل أن يترجم تباطؤ الطلب إلى تباطؤ في التوظيف أو تسريح العمال، لأن الشركات تفضل التأكد أن الأمر ليس مجرد شهر أو شهرين سيئين، أو حتى ربع سيئ، كما يقول سكوت هاميلتون، الرئيس العالمي لاستشارات الموارد البشرية والتعويضات في شركة "غالاغر" للاستشارات لشبكة سي أن أن.

وأظهرت البيانات الحكومية الأميركية مؤخراً أن الشركات التي تقدم الخدمات قد شرعت في تخفيض عمليات التوظيف، حيث أضافت هذه الشركات 168 ألف وظيفة شهرياً، في المتوسط، من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران، وفقاً لما نشرته وزارة العمل يوم الجمعة الماضي في واشنطن، وهو ما كان أقل بدرجة واضحة من المتوسط المسجل ​​خلال الأشهر الثلاثة السابقة، من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، والذي بلغ 241 ألف وظيفة. وفي العام الماضي، بلغ متوسط ​​الزيادة الشهرية في الوظائف في قطاع الخدمات 228 ألف وظيفة. وبطبيعة الحال، تختلف اتجاهات التوظيف داخل قطاع الخدمات، الذي يمثل شريحة كبيرة من سوق العمل.

والشهر الماضي، تقلّصت العمالة في تجارة التجزئة للمرة الأولى منذ نوفمبر/تشرين الثاني، بينما تقلصت خدمات المساعدة المؤقتة بمقدار 48,900 وظيفة، مما أدى إلى تراجع الوظائف في قطاع الخدمات المهنية والتجارية الأوسع، الذي فقد 17 ألف عامل. وكانت الرعاية الصحية إحدى النقاط الرئيسية المضيئة في قطاع الخدمات، حيث أضافت وظائف بوتيرة سريعة على مدى العقود القليلة الماضية، باستثناء الانخفاض في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد 19. وقالت شركة للرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية في استطلاع الرأي المشار إليه آنفاً: "لقد انخفض الطلب على الخدمات بعد مستويات شبه قياسية تم تسجيلها الشهر الماضي".

وشهد سوق العمل تحولاً مذهلاً عندما تعافى الاقتصاد الأميركي الأوسع من جائحة كوفيد 19، مما أدى في النهاية إلى انخفاض البطالة إلى أدنى مستوى لها في أكثر من نصف قرن، وصولاً إلى 3.4% في عام 2023. ومع إبقاء بنك الاحتياط الفيدرالي على معدلات الفائدة عند مستوياتها المرتفعة لفترات مطولة، ارتفع معدل البطالة بأميركا إلى أعلى مستوياته منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مسجلاً 4.1%، بينا تشهد الطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة اتجاهاً تصاعدياً. 

المساهمون