في شهر رمضان، يعيش المواطنون العرب بين حالتين صارختين من حيث الأوضاع المعيشية والغذائية، دول يعاني أغلب مواطنيها من صعوبة في تدبير وجبات طعام اليوم، بل ويعاني جزء من هؤلاء من الجوع المفرط ونقص الاكتفاء الغذائي الشديد، والفشل في العثور حتى على وجبة الإفطار.
ودول أخرى تعيش تخمة غذائية شديدة تدفع مواطنيها إلى إلقاء نصف الغذاء وربما أكثر في مقالب الزبالة، وتضغط أمراض السمنة والسكري والكوليسترول على قطاعها الصحي والمالي.
وفي المحصلة أزمة جوع تتفاقم بين مواطني دول المنطقة وسط هدر غذائي يتجاوز 48 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ لا يكفي فقط لإطعام البطون الخاوية في المنطقة العربية، بل يكفى لملء بطون جياع أفريقيا بالكامل.
الجوع يتفاقم عربياً وسط هدر غذائي يتجاوز 48 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ لا يكفي فقط لإطعام البطون الخاوية في المنطقة العربية، بل يكفى لملء بطون جياع أفريقيا
يلسع الجوع أمعاء ملايين المواطنين في اليمن وسورية ولبنان ومصر والأردن وتونس والسودان والصومال، ويكوي الفقر والحرمان والتقزم ملايين المواطنين في تونس والمغرب وموريتانيا وغيرها من الدول العربية التي تنتشر بها البطالة والتضخم وغلاء المعيشة جراء تهاوي القدرة الشرائية للمواطن وضعف العملة والزيادات القياسية في الأسعار.
حتى الدول العربية النفطية بات الجوع والفقر ينتشر بها ويحتل المساحة الأكبر من أمعاء مواطنيها، فالجزائر تشهد هذه الأيام طوابير طويلة للمواطنين الراغبين في اقتناء مواد غذائية مثل الحليب وزيت الطعام والسميد (الطحين) وسط فشل حكومي وصمت رسمي مريب.
والعراق يشهد اختناقات في الغذاء والوقود وموجة تضخمية هي الأعنف منذ سنوات رغم تدفق مليارات الدولارات عليها من إيرادات بيع النفط والغاز واللذين شهدت أسعارهما قفزات خلال الشهور الماضية.
لا يختلف حال المواطن في ليبيا الدولة النفطية حيث يعاني الفقر وانقطاع الكهرباء والمياه وقفزات فواتير خدمات النفع العام ومنها غاز الطهي، وغلاء الأسعار التي ارتفعت بنسبة 54% هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وتدهور في البنية التحتية من طرق وكباري وشبكات إنتاج الكهرباء والصرف الصحي والاتصالات وغيرها.
في المقابل تشهد دول الخليج هدرا صارخا للغذاء طوال العام خاصة في شهر رمضان، حيث الموائد العامرة والمكتظة بكل أنواع الأطعمة والولائم الفخمة، والنتيجة إلقاء نصف الغذاء في القمامة دون الاستفادة منه وتوزيعه حتى على الفقراء في هذه الدول.
في السعودية مثلا تقول الأرقام الرسمية الصادرة عن لسان وزير البيئة والمياه والزراعة، عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، إن نسبة الفقد والهدر الغذائي في المملكة تصل إلى أكثر من 33%، فيما تبلغ تكلفة هدر الغذاء 40 مليار ريال سنوياً، أي ما يزيد على 10 مليارات دولار.
في السعودية تصل نسبة الفقد والهدر الغذائي إلى أكثر من 33%، فيما تبلغ تكلفة هدر الغذاء 40 مليار ريال سنوياً، أي ما يزيد على 10 مليارات دولار
وبحسب الأرقام فإن الهدر في الدقيق والخبز يصل إلى نحو مليون طن سنوياً في الوقت الذي تصنف فيه المملكة على أنها واحدة من أكبر مستوردي القمح والحبوب في المنطقة، فيما يهدر 557 ألف طن من الأرز، و22 ألف طن من اللحوم، و13 ألف طن من لحوم الإبل، و41 ألف طن من لحوم الأبقار، و444 ألف طن من لحوم الدواجن، فيما تبلغ نسبة الهدر في الأسماك 69 ألف طن سنوياً.
ولنا أن نتخيل كيف يمكن لهذه الكميات المهدرة تغطية احتياجات ملايين الأسر العربية لو تمت إدارة الفائض الغذائي بشكل كفء، بل وسد جوع أكثر من 3 ملايين فقير يعيشون داخل المملكة.
لا يختلف الأمر كثيرا في دول الخليج الأخرى، ففي قطر بلغت كمية الطعام المهدر سنويا 1.4 مليون طن، بمعدل 636 كلغ للفرد الواحد، كما أن 14% من الغذاء يتم إتلافه بسبب مشاكل التخزين أو انتهاء الصلاحية وذلك يعادل 20 مليون كلغ.
وتتصدر الإمارات دول العالم في هدر الطعام وتأتي ثانياً بعد السعودية خليجياً. وتقدر الأرقام حجم هدر الطعام في الدولة الخليجية بأكثر من 10 مليارات درهم سنوياً، و30% من هذا الهدر يقع في شهر رمضان من كل عام. ووفق أرقام وزيرة الدولة للأمن الغذائي والمائي، مريم المهيري، فإن الفرد يهدر سنوياً 179 كيلوغراماً من الطعام.
وفي الكويت يهدر الفرد 95 كيلوغرامًا من الطعام سنويًا، وتهدر الأسر 397.7 ألف طن، وفق مؤشر نفايات الطعام لعام 2021 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). وأظهر تقرير مؤشر هدر الأغذية لعام 2021 التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الكويت تهدر 400 ألف طن طعام سنويا بمتوسط 95 كيلوغراما للفرد.
تقدر الأرقام حجم هدر الطعام في الإمارات بأكثر من 10 مليارات درهم سنوياً، و30% من هذا الهدر يقع في شهر رمضان من كل عام
وفي سلطنة عُمان تفيد الإحصائيات بأن قيمة الغذاء المهدر تبلغ 300 مليون دولار سنوياً. حتى البحرين التي تعاني من أزمات مالية ودَين مرتفع يبلغ حجم الهدر اليومي للطعام نحو 400 طن، بما يعادل 146 ألف طن سنوياً، وتبلغ قيمة الهدر 95 مليون دينار (نحو 251 مليون دولار).
ولنا أن نتخيل حال المواطنين العرب الجياع في حال التوقف عن ظاهرة هدر الطعام في منطقة الخليج والتي تعد أحد الأسباب الرئيسية لتدهور الأمن الغذائي وتؤثر سلبًا على الموارد الطبيعية.