بريطانيا: 5 تحديات اقتصادية أمام "سوناك" أخطرها الغلاء والكساد

26 أكتوبر 2022
خلال لقاء الملك تشارلز الثالث برئيس الوزراء سوناك في قصر باكنغهام بلاس (Getty)
+ الخط -

قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك، أمس الثلاثاء، إنه سيحاول معالجة الفوضى التي تركتها ليز تراس التي سبقته في المنصب، واستعادة الثقة في السياسة البريطانية ومواجهة "أزمة اقتصادية متجذرة"، لكنه حذّر البلاد مما وصفه بقرارات صعبة قادمة.

ويتولى سوناك منصبه بعدما فاز في السباق على زعامة حزب المحافظين ليتولى بذلك مهمة قيادة دولة منقسمة بشدة خلال انكماش اقتصادي يتجه إلى أن يدفع بالملايين إلى هاوية الفقر.
ويواجه رئيس الوزراء الجديد خمسة تحديات رئيسية خلال فترة حكمه التي ستمتد إلى عام واحد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية العامة. وهذه التحديات هي، إدارة التضخم وغلاء المعيشة دون زيادة الإنفاق الحكومي، وخفض كلف خدمة الدين العام البريطاني من دون رفع الفائدة بمعدلات كبيرة، وإعادة ثقة الأسواق في الجنيه الإسترليني وسندات الخزانة البريطانية، وإدارة دفة النمو الاقتصادي بعيداً عن هاوية الكساد الاقتصادي. ويرى محللون أن اختيار سوناك للحكم جرى على أساس اقتصادي بحت، وبالتالي سيُحكم على فترة حكمه بناء على نجاحه الاقتصادي.
ومن أمام مكتبه في داوننغ ستريت، وجه سوناك التحية أمس إلى تراس، التي أحدث برنامجها الاقتصادي اضطراباً في الأسواق، قائلاً إن الأخطاء التي ارتكبتها لم تكن "وليدة نيّات سيئة".
وأضاف "انتُخبت زعيماص لحزبي ورئيساً للوزراء، وذلك جزئياً لإصلاح الأخطاء. ويبدأ هذا العمل على الفور. سأضع الاستقرار الاقتصادي والثقة في صميم أجندة هذه الحكومة. وهذا يعني اتخاذ قرارات صعبة".
وقال سوناك، وهو أحد أغنى المشرعين في البرلمان، مناشداً الشعب البريطاني الذي يواجه ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، إنه يقدر تماما مدى صعوبة الأمور بالنسبة لكثيرين. وأضاف "كل ما يمكنني قوله هو أنني لست خائفا. أعرف المنصب الرفيع الذي قبلته وآمل أن أفي بمتطلباته".
ويعد صعود سوناك إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا سابقة تاريخية، حيث إنه أول رئيس وزراء من غير سكان البلاد الأصليين، فهو حفيد المهاجرين الهنود إلى بريطانيا. كما سيكون سوناك البالغ من العمر 42 عاماً، كذلك أصغر رئيس وزراء في بريطانيا منذ روبرت بانكس جينكينسون الذي حكم بريطانيا في عام 1812.
ويرى محللون ماليون أن اختيار سوناك من قبل حزب المحافظين جرى على أساس خبرته المالية وعلاقته الوثيقة بحي المال البريطاني وبنوك الاستثمار العالمية، فهو على دراية بآليات وكيفية عمل أسواق المال. وسبق أن عمل في مصرف غولدمان ساكس بين عامي 2001 و2004، وتوجّه بعدها إلى جامعة ستانفورد في كاليفورنيا لنيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال. ثم عمل بمجموعة من صناديق التحوط والاستثمار البريطانية قبل أن يصبح عضواً في البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين ممثلاً لدائرة ريتشموند غربي لندن في عام 2015. وهذه الخلفية المالية البحتة وعلاقاته بمجتمع المال والأعمال والمصارف ربما تكون هي التي أهلته لتسلم منصب رئاسة الوزراء في هذه الفترة الصعبة من التاريخ البريطاني الذي تواجه فيها البلاد شبه انهيار مالي واقتصادي.

ومن المتوقع أن يطلق رئيس صندوق التحوط السابق المليونير تدابير خفض إنفاق كبيرة لمحاولة إعادة بناء سمعة بريطانيا المالية، في الوقت الذي تنزلق فيه البلاد إلى حالة من الركود بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء.
وتعيش بريطانيا في الوقت الراهن ارتفاعاً في التضخم الذي يحلّق فوق 10%، كما تتفاقم كلفة الدين العام وتعاني تراجعاً في سعر صرف الإسترليني. وبالتالي فالاقتصاد يقف على حافة الركود الاقتصادي إن لم يكن فعلياً قد دخل في دورة الركود الاقتصادي، حسب وكالة موديز لخدمات الائتمان المالي. وبالتالي يلاحظ أن أولى الخطوات التي اتخذها سوناك هي طمأنة المستثمرين في الأسواق البريطانية بشأن مسار الإنفاق والسياسة المالية والتراجع عن خطة خفض الضرائب التي سبق أن انتقدها بشدة ووصفها بأنها " قصة من نسج الخيال".
وحتى الآن يبدو أن الأسواق رحبت به على خلاف رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس التي استقبلتها بالرفض التام. وفور تسلم سوناك رسمياً رئاسة الوزراء تراجع عائد السندات الخزينة البريطانية بنسبة 37 نقطة أساس، وهو أكبر انخفاض يومي منذ عام 1992، كما صعد سعر صرف الإسترليني مقابل الدولار والعملات العالمية الرئيسية، إذ ارتفع سعر صرفه إلى 1.1334 دولار في تعاملات نصف النهار في لندن، وفقاً لبيانات بلومبيرغ.
ويرى محللون أن الجنيه الإسترليني ربما سيتراجع قليلاً خلال الشهور المقبلة، ولكنه سيحافظ على التأرجح بين 1.10 و1.15 مقابل الدولار خلال الشهور المقبلة. وكادت المكاسب المبكرة للجنيه الإسترليني أن تذوب بعد خطاب سوناك في البرلمان الذي حذر فيه، من الأوقات الصعبة المقبلة للاقتصاد والقرارات المتعلقة بالمالية العامة.
في هذا الشأن يقول خبير الأسواق بمصرف "آي أن جي" الاستثماري، كريس تيرنر، في تعليقات نقلتها نشرة "باوند ستيرلنغ"، "ربما سيكون صعود سوناك لرئاسة الوزراء في صالح السندات الحكومية، ولكن فائدته للإسترليني ربما ستكون محدودة، لكن تيرنر توقع ارتفاع الإسترليني إلى 1.15 مقابل الدولار قبل أن يتراجع قليلاً".
ويترقب المستثمرون في الأصول البريطانية إعلان سوناك ووزير الخزانة جيرمي هنت عن خطة الحكومة المالية في نهاية الشهر الجاري وتحديداً يوم 31 أكتوبر/تشرين الجاري قبل تقييم مسار أدوات المال البريطانية في الفترة المقبلة.
من جانبه يرى الاقتصادي بمؤسسة "أوكسفورد إيكونومكس"، أندرو غوردون، أن سوناك سيعمل تشديد السياسة النقدية، أي أنه سيرفع الفائدة على الإسترليني، كما سيضغط النفقات العامة. ولا يستبعد غوردون أن يجري سوناك زيادة في الضرائب على الشركات في الميزانية المصغرة في أبريل/ نيسان المقبل.
في ذات الشأن يقول كبير الاقتصاديين في شركة "إنفست تيك" في لندن، فيليب شو "الأسواق وضعت في حساباتها فوز سوناك وخروج بوريس جونسون من المنافسة، وبالتالي نفذت تسعير فوز سوناك في الأسواق، حيث ارتفع الإسترليني قليلاً فوق 1.13 دولار، كما ارتفعت عوائد سندات الخزينة البريطانية أجل 10 سنوات إلى 3.8%، أي نحو 23 نقطة أساس".

ويتوقع الخبير شو أن يرفع بنك إنكلترا الفائدة بنسبة 75 نقطة أساس إلى 3% في اجتماع الخميس المقبل.
ورغم الخبرة المالية المتوفرة لريشي سوناك في إدارة الميزانية البريطانية، ولكنه سيواجه منعطفات خطرة في إدارة الاقتصاد البريطاني.

ومن المتوقع ان يواصل بنك إنكلترا رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم ويتوقف عن شراء الديون الحكومية بدءا من الشهر المقبل، كما يخطط البنك لبيع حيازاته من السندات ببطء. وهذا يعني أن الحكومة ستعتمد على المستثمرين في تمويل الانفاق الحكومي. وعادة يطالب المستثمرون بمعدلات فائدة أعلى على أدوات الدين الحكومية.

المساهمون