يثير رحيل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعد أكثر من 70 عاماً على العرش، نوعاً من الغموض حول الحالة الاقتصادية للبلاد حالياً، وعلى المدى الطويل.
وتمثّل وفاتها نهاية الحقبة الإليزابيثية الثانية، وبداية فترة حكم جديدة في البلاد في ظلّ ابنها الملك تشارلز الثالث.
سوق العقارات
وسط سلسلة غير مسبوقة من التغييرات في كل من الحكومة والنظام الملكي، يتخوّف الناس من تدهور حال سوق العقارات في البلاد بشكل أكبر، كونه قطاعاً معروفاً بحساسيته تجاه عدم اليقين.
ويتفق الخبراء على أن وفاة الملكة إليزابيث وتتويج ابنها الملك تشارلز الثالث، على الرغم من كونه حدثاً كبيراً بالتأكيد، لكن من غير المرجح أن يكون له تأثير كبير على صناعة العقارات.
مع الأخذ في الاعتبار أنّ وفاة الملكة وتعيين ليز تراس رئيسة جديدة للوزراء، حدثان أضافا حالة من عدم اليقين على سوق الإسكان والحالة الاقتصادية في المملكة المتحدة.
وارتفعت أسعار العقارات في جميع أنحاء المملكة المتحدة بنسبة 15.5% في العام حتى يوليو/تموز الماضي، ووصل متوسط سعر المنزل في البلاد إلى 292،118 جنيهاً إسترلينياً (337،914 دولاراً)، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن حكومة المملكة المتحدة في منتصف سبتمبر.
ولا تزال هذه الأرقام بعيدة عن أحدث التحديات الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع تكاليف المعيشة، التي يواجهها مشترو المنازل الآن.
وبالنظر إلى المستقبل، وجدت دراسة استقصائية حديثة أجراها المعهد الملكي للمساحين القانونيين، أن خبراء سوق العقارات يتوقّعون استمرار انخفاض مبيعات المساكن في الأشهر المقبلة، وسط توقعات تشير إلى ركود محتمل للاقتصاد البريطاني في نهاية العام.
وأمام عجز الناس عن شراء منازل جديدة، يواجه قطاع الإيجارات في البلاد ضغوطاً كبيرة مع ازدياد الطلب وقلّة المساكن المتوفرة، تقول جيما التي تبحث عن سكن إن "سوق الإيجارات بات أشبه بمركز للمزاد العلني". وتبحث جيما عن سكن منذ ما يزيد عن شهر لكنّها تفشل في الحصول عليه في كل مرّة، بسبب نظام العرض الأعلى للأسعار الذي تتبعه وكالات الإيجار.
وتوضح في حديثها إلى "العربي الجديد": "ميزانيتي محدودة كوني أبحث عن شقة صغيرة بغرفة نوم واحدة، وعادة نرى سعر الإيجار الشهري على الإنترنت ونتوجه لرؤية السكن على أساس هذا المبلغ، لكني صُدمت بالقانون الجديد الذي تنهجه شركات الإيجار، فكلما سألت ما المطلوب كي أحظى بالسكن يكون الرد، عليك أن تقدّمي العرض الأعلى سعراً".
وجيما حالة من بين العديد من الأشخاص الذين يئسوا وهم يبحثون عن سكن مناسب ليواجهوا، بالإضافة إلى تعبئة طلبات تثبت حصولهم على مدخول سنوي يناسب ثمن الإيجار وغيره، مسألة المزايدة على الأسعار.
العملة البريطانية
يبقى السؤال الحالي الأبرز: "ما مستقبل العملة البريطانية التي تحمل وجه ملكة بريطانيا؟". من المعلوم أنّ وجه الملكة موجود على جميع العملات في المملكة المتحدة، وعلى عدة قطع من العملات في دول الكومنولث.
الآن بعد رحيلها نتوقّع استبدال وجهها ليحل محله وجه ابنها تشارلز، ملك البلاد الجديد، لكن يبقى مجهولاً متى يبدأ هذا التحوّل، وقد يأخذ بعض الوقت.
ويتوقع بنك إنكلترا أن يستغرق الأمر حوالي عامين لتصميم أوراق نقدية جديدة تحمل وجه تشارلز ليجري تداولها، ويؤكد للجمهور أن الأموال التي عليها وجه الملكة ستستمر في كونها قانونية وسيستمر تداولها.
على الصعيد الدولي، لم تعلن أستراليا ولا كندا عن جدول زمني للتغيير، بينما أعلنت نيوزيلندا عن خططها للانتظار حتى نفاد المعروض الحالي من عملات الملكة قبل أن تقدّم عملة جديدة.
تقضي التقاليد بتغيير واحد كبير، وهو تبديل اتجاه وجه الملك على العملة منذ القرن السابع عشر، فبينما كان وجه الملكة إليزابيث ينظر إلى اليمين، من المحتمل أن يكون وجه تشارلز إلى اليسار.
دخل الفرد في عهد الملكة
على صعيد آخر، أشار مركز الأبحاث التابع لمركز أبحاث " Resolution Foundation"، إلى أنّ دخل الفرد ارتفع بسرعة أكبر في عهد إليزابيث الثانية مقارنة بأي ملك آخر يعود تاريخه إلى عام 1271.
وكان متوسط النمو في دخل الفرد على مدار السبعين عاماً الماضية 2% سنوياً، أي ضعف معدله عندما كانت المملكة المتحدة الاقتصاد الرائد في العالم في عهد الملكة فيكتوريا.
لكن المتوسط بدأ يتراجع بسبب الأداء الضعيف للاقتصاد في السنوات الأخيرة. وبلغ متوسط نمو الإنتاجية أقل من 1% سنوياً على مدى العقدين الماضيين. ويتوجّس الناس من مصير دخل الفرد بعد رحيل ملكتهم.
وتتزايد تكلفة العائلة المالكة، ويرجع ذلك في الغالب إلى المشروع الكبير لإعادة تجديد قصر باكنغهام الذي بدأ في عام 2017. وفي آخر سنة من حكم الملكة، تجاوزت النفقات المدعومة من دافعي الضرائب في المملكة 100 مليون جنيه إسترليني (115 مليون دولار)، بزيادة 17% عن العام السابق.
مع العلم أنّ نفقات النظام الملكي البريطاني تقتصر على المهام الرسمية، وهي في الغالب للموظفين وصيانة الممتلكات. هل تزداد هذه النفقات أم تبقى على حالها في ظل حكم تشارلز؟
إغلاق البلد يوم جنازة الملكة
تقليدياً ينبغي استمرار الحداد الوطني لمدة 12 يوماً بعد وفاة ملك. بيد أنّ الملك الجديد تشارلز طلب تمديد فترة الحداد سبعة أيام إضافية، بعد جنازة الملكة ولغاية 26 سبتمبر.
لا يعني هذا تغيير أي شيء على عامة الناس، بل مراعاة أفراد العائلة المالكة وموظفيها وممثليها بروتوكولات رسمية.
مع ذلك، فقد اختار عدد من الشركات والمؤسسات التجارية التعامل مع فترة الحداد عن طريق الإغلاق، إما طوال المدة أو ببساطة في يوم جنازة الملكة فقط الذي جرى إعلانه رسمياً عطلة مصرفية.
كذلك، ألغت النقابات العمالية إضراباتها المخطط لها، كما ألغت الفرق الرياضية مبارياتها أو أجلتها. ومن المرجح أن تُغلق معظم المتاجر والمطاعم والمقاهي في المملكة المتحدة يوم الجنازة.
أمّا ما يثير قلق وغضب فقراء بريطانيا، فهو إعلان العديد من بنوك الطعام إغلاقها في يوم جنازة الملكة.
ويأتي إغلاق بنك الطعام مع استمرار ارتفاع تكلفة المعيشة، ولم تكترث البنوك بهذه الأصوات بل أصدرت بياناً رسمياً أشارت فيه إلى أنّها تتبع سياسة الإغلاق المعهودة خلال جميع أيام العطلات الرسمية.
الأمر الذي عرّضها لانتقادات لاذعة، وراح الناس يتساءلون على وسائل التواصل الاجتماعي: "كيف تُغلق بنوك الطعام التي تخدم المحتاجين يوم جنازة الملكة؟"، كما وصف العديد منهم هذا القرار بأغبى القرارات التي يمكن اتخاذها.
في المقابل، أنشأ متطوعون جمعيات خيرية وشركات مطابخ مجتمعية مؤقتة، لتوفير ما يكفي من الطعام للناس عندما تغلق بنوك الطعام أبوابها لحضور جنازة الملكة.
ويعتمد أكثر من 700 ألف شخص في المملكة المتحدة على بنوك الطعام، وفقاً لإحصاءات "Trussell Trust" الخيرية.
وبدأت الجنازة اليوم الاثنين، الموافق 19 سبتمبر، في تمام الساعة 11 صباحاً، في المملكة المتحدة، في وستمنستر أبي، حيث تزوجت الملكة من الأمير فيليب عام 1947، وحيث تُوّجت بعدها ملكة في المكان ذاته عام 1953. وتعدّ مراسم يوم الاثنين أول جنازة ملكية، تقام في كنيسة وستمنستر أبي منذ القرن الثامن عشر.
وهي واحدة من أكثر المعالم شهرة في لندن، وتزيد من قيمتها استضافتها جنازة الملكة، بعد أن أقيم في جنباتها ستة عشر حفل زفاف ملكي منذ عام 1100. وكان آخرها حفل الأمير وليام وكيت ميدلتون.