بريطانيا بلا خضروات... أزمات المناخ وبريكست تؤثر على المستهلكين

بريطانيا بلا خضروات... أزمات الطاقة والمناخ وبريكست تؤثر على المستهلكين

01 مارس 2023
رفوف فارغة من الخضروات في أحد المتاجر شرقي لندن (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه بريطانيا أزمة في الخضروات الطازجة وبعض أنواع الفواكه منذ أيام، وسط توقعات باستمرارها لأسابيع مقبلة، ما دفع بعض المتاجر في مختلف أنحاء البلاد إلى تحديد الكميات المتاحة للزبائن بـ"الحبة"، لا سيما الطماطم والخيار والفلفل، بسبب النقص في المعروض منها، والذي أرجعته الحكومة إلى الظروف المناخية القاسية في إسبانيا وشمال أفريقيا، حيث تأتي منها معظم الفواكه والخضروات المستهلكة في بريطانيا، فضلاً عن مشاكل النقل من دول الاتحاد الأوروبي وارتفاع تكاليف الطاقة.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات ساخطة من جانب البريطانيين، خصوصا مع صدور تصريحات عن بدائل للخضروات وُصفت بـ"الهزلية"، كما تخطت الأزمة الحدود لتصل إلى حد معايرة مواطنين في دول الاتحاد الأوروبي للبريطانيين بأن ما يشهدونه من نقص في السلع يرجع إلى خروج بريطانيا من الاتحاد، كما دخل أحد رؤساء الدول الأفريقية على خط الأزمة بتصريحات تتعلق بعدم تحوط الحكومة بفتح خطوط استيراد من بلده ودول أفريقية أخرى.

وفي محاولة لإيجاد حل لأزمة الفواكه والخضروات التي تعصف بالبلاد، دعا وزير الزراعة مارك سبنسر الوزراء إلى إجراء محادثات حول هذه المسألة مع رؤساء المتاجر الرئيسية للعثور على وسيلة لملء الأرفف شبه الفارغة مرة أخرى، في ظل مخاوف من أن تقنين البيع المتزايد قد يستمر لأربعة أسابيع.

وقال سبنسر في تصريحات إعلامية: "أعلم أن العائلات تتوقع إيجاد المنتجات الطازجة التي تحتاجها على الرفوف عندما تتسوق من المتاجر. ولهذا السبب، أتصل برؤساء المتاجر لمعرفة ما يفعلونه لإعادة تعبئة الرفوف مرة أخرى ولإيضاح كيف يمكننا تجنب تكرار هذا الأمر".

يأتي ذلك بعد يوم من تحذير الاتحاد الوطني للمزارعين (NFU)، من أن نقص بعض أنواع الفواكه والخضروات يشكل عبئاً يُضاف إلى أزمة المعيشة. ويشكو الناس في البلاد من صعوبة العثور على الطماطم والفلفل والخيار والباذنجان والقرنبيط والتوت في المتاجر الكبيرة، وهناك تحذيرات من نقص التفاح والجزر قريباً.

وأدى هذا النقص إلى تعرض وزيرة البيئة تيريز كوفي لانتقادات لاذعة، أولاً لإنكارها وجود مشاكل كبيرة في هذه السوق وثانياً لحثّها الناس على شراء اللفت والخضروات المزروعة في بريطانيا. وهي تصريحات سلّطت عليها الضوء مينات باترز، رئيسة الاتحاد الوطني للمزارعين، التي أوضحت، يوم الإثنين الماضي، في برنامج "صباح الخير يا بريطانيا"، أن "موسم اللفت مضى في فصل الخريف، وأن وزيرة البيئة أظهرت تجاهلاً مؤسفاً للتحدي الهائل الذي تواجهه البلاد".

كما لفتت باترز إلى أن الناس يتوقعون أن يكونوا قادرين على شراء مكونات السلطة على مدار العام، وأكدت أنّه يمكن إنتاج الكثير منها هنا حتى بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن من أجل حصول ذلك لا بد من تغيير النهج وحث المزارعين في هذه البلاد على المزيد من الاستثمار فيها.

في المقابل، ألقى أرباب التجزئة باللوم على ضعف الحصاد في المغرب وإسبانيا، على الرغم من أن الكثير من الناس يعتقدون أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ساهم في تفاقم هذه الأزمة. وفي السياق، يوضح المزارعون أن من أسباب نقص المنتجات الطازجة تقليص استخدامهم البيوت الزجاجية الدافئة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وعدم دفع المتاجر الكبيرة ما يكفي من الأموال لتعويض المزارعين.

ولجأ عدد من المزارعين البريطانيين إلى "تويتر"، حيث اتهموا تجار التجزئة بالكذب بشأن الأسباب الحقيقية وراء هذا النقص، وقالوا إن هناك عوامل مهمة أخرى تساهم في نقص هذه الأنواع من الغذاء، بما في ذلك فشل المتاجر في دفع سعر عادل لمنتجاتهم بما يتماشى مع ارتفاع تكاليف المدخلات والطاقة وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأشاروا إلى أن المتاجر تحتاج إلى الابتعاد عن محاولة الحصول على الغذاء بأقل سعر ممكن، لأن هذا يعني أنها تحاول التفاوض مع منتجيها على أسعار منخفضة للغاية بدلاً من التأكد من تحقيق المزارع الربح، الذي يعد أكثر أهمية من خفض الأسعار.

كما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات الناس في بريطانيا واستيائهم من نقص الخضروات والفواكه، بينما استهزأ جيرانهم الأوروبيون بهم ونشروا صوراً لرفوفهم المليئة بجميع أنواع الأطعمة الطازجة. وانتقدت معظم المنشورات والتغريدات "بريكست". على سبيل المثال، قالت مواطنة إسبانية في تغريدة على "تويتر" إن "وسائل الإعلام البريطانية تكذب على الجميع في المملكة المتحدة. وحدها أرض بريكست تعاني من نقص المنتجات الطازجة"، وأرفقت المغردة تدوينتها بصورة من متجر إسباني تتبضع منه وهو ممتلئ بالخضروات والفواكه.

ومن ألمانيا، قالت تغريدة أخرى: "نحن نعيش في ريف ألمانيا، بعيداً تماماً عن أي مدينة. لقد التقطت هذه الصور الآن، انظر إلى خيارات الطماطم المختلفة. وسائل الإعلام والسياسيون البريطانيون مليئون بالحماقات!". وقال آخرون "إذا أخبرك السياسيون البريطانيون بأنها مشكلة على مستوى الاتحاد الأوروبي، فهم يكذبون".

من جهتها، قالت غبرييلا، وهي رومانية مقيمة في جنوب لندن، لـ"العربي الجديد"، إنها تتسوق عادة من سلسلة متاجر "ليدل" بالقرب من منزلها، لكنها فوجئت عندما أبلغتها الموظفة بأنه ينبغي عليها الالتزام بعدد معين من الخيار والطماطم. وأضافت غبرييلا: "عائلتي كبيرة وتحديد مبدأ واحد على الجميع ليس عادلاً، بل ينبغي النظر إلى عدد أفراد الأسرة.. هذه هي نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

أما غانثر، وهو نمساوي مقيم في غرب لندن، فقال في رده على أولئك الذين يقولون إنه لا علاقة لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بأزمة سوق المنتجات الطازجة إن "المتاجر في الاتحاد الأوروبي لديها كميات وفيرة من الطماطم والخيار وغيرها.. ولم يرتفع سعر أي منها، بينما ما يؤكد التأثير السلبي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو نقص المنتجات الطازجة، لأن الدولة تستورد خلال فصل الشتاء أكثر من 90% من الخضروات التي تُباع في البلاد".

في السياق، وجّه نائب رئيس الاتحاد الوطني للمزارعين ديفيد إكسوود انتقادات إلى وزيرة البيئة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، من خلال شبكة سكاي نيوز، حيث قال: "لا يمكننا الاعتماد على الدول الأخرى لمواصلة إطعامنا. نحن بحاجة إلى خطة تتضمن الإنتاج داخل البلاد بالإضافة إلى الواردات. وإلا فإن الوضع الذي نشهده حالياً سيستمر. ففي العام الماضي كان إنتاج البيض أقل بمليار بيضة مقارنة بعام 2019... نحن بحاجة إلى أن تأخذ الحكومة الأمر على محمل الجد بدلاً من الإدلاء بتعليقات هزلية حول اللفت".

وأثار نقص الفاكهة والخضروات في المملكة المتحدة جدلاً وصل صداه إلى دول أفريقية، حيث قال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إن "المملكة المتحدة لا تستغل بشكل جيد روابطها التجارية مع العديد من البلدان الأفريقية. كان بإمكانها تفادي النقص الحالي في الفاكهة والخضروات لو أنها أبرمت صفقات تجارية متينة مع أوغندا ودول أفريقية أخرى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

وأضاف موسيفيني في تصريحات لـ"ذا غروسير" (مجلة بريطانية مخصصة لمبيعات البقالة)، إن المملكة المتحدة "فقدت فرصاً للتجارة مع شركائها في دول الكومنولث مثل أوغندا، وإن المزارعين في الدول الواقعة في شرق أفريقيا على استعداد لزيادة صادرات المنتجات الطازجة والبن".

وأشارت وسائل إعلام بريطانية إلى أن بريطانيين يتذكرون من خلال القيود المفروضة حالياً على بعض أنواع الخضروات والفواكه برامج تقنين الطعام التي أقرتها الحكومة خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت الخطة وسيلة لضمان توفير كمية متساوية من السلع للعملاء وسط النقص.

ويُرجع البعض النقص في المقام الأول إلى ارتفاع درجة حرارة المناخ، حيث يوضح أحد المزارعين من مقاطعة يوركشاير (شمال)، في حديث إلى شبكة "سي إن بي سي"، أن إنكلترا تعرضت لجفاف شديد في صيف عام 2022، وهو أسوأ ما شهدته منذ أكثر من 500 عام. ونتيجة لذلك، كانت المحاصيل الأساسية مثل البطاطس والجزر والبصل منخفضة بشكل خطير في موسم الحصاد.

ويضيف المزارع أنه لم يشهد مثل هذه الظروف المريرة طوال 30 عاماً قضاها في العمل، موضحا أنه بينما كان متوسط تساقط الأمطار في يوركشاير، في أغسطس/ آب، 70 ملليمترا على مدار الأعوام الماضية، سقط فقط ما مقداره 6 ملليمترات في الشهر نفسه من 2022.

ويدفع المتسوقون الآن ثمن حالات الجفاف تلك في العام الجديد. فعند الذهاب إلى متجر في المملكة المتحدة مثل "تيسكو"، قد ترى علامة تشير إلى نفاد المنتج بسبب "الظروف الجوية السيئة". وتعدّ خطط التقنين التي تنفذها السلسلة ومنافسوها إحدى الوسائل المتاحة لإبقاء المنتجات على الرفوف لفترة أطول قليلاً.

وتكمن المشكلة في أنّ بريطانيا لم تواجه وحدها حالات الجفاف الشديدة، بل أيضا تلك الدول التي تعتمد عليها لاستيراد منتجات السلطة الخضراء والطماطم، مثل إسبانيا والمغرب وتونس ومصر. فالمملكة المتحدة تستورد حوالي 90% من الخس و95% من الطماطم في أشهر الشتاء من إسبانيا وشمال أفريقيا، وفقًا لمجموعة التجارة البريطانية للبيع بالتجزئة. بيد أن المحاصيل في هذه البلدان كانت أقل من المعتاد أيضاً بسبب ظروف الطقس السيئة. فقد شهد جنوبي إسبانيا طقسًا باردًا بشكل غير عادي وتضرّرت المحاصيل في المغرب في شمال أفريقيا بسبب الفيضانات وألغيت رحلات الشحن البحري أو تأخرت بسبب العواصف.

ويطالب المزارعون في المملكة المتحدة بالمزيد من الدعم الحكومي، لأن قطاع الزراعة غير مدرج في مخطّط دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وفي حين أن تعطل الإمدادات من إسبانيا والمغرب هو السبب المباشر لنقص الغذاء، يلعب عامل آخر مهم دوراً كبيراً أيضاً، حيث إن العديد من المزارعين البريطانيين باتوا يفضلون الابتعاد عن زراعة "خضروات السلطة" بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والعمالة والأسمدة، ويختار البعض زراعة القمح لتحقيق عوائد أعلى.

المساهمون