ما بعد مذبحة رابعة لا يوجد شيء مستغرب أو مستبعد على الإطلاق، فالنظام الذي قتل الآلاف في مذبحتي رابعة والنهضة ليس مستغرباً منه أن يبرّئ رئيساً ونظاماً قتل أيضاً المئات وأفسد حياة المصريين طيلة 30 عاماً، القتلة يبرئون أنفسهم ويبرئون أمثالهم.. ما الجديد في ذلك، القاتل لا يحمي سوى قاتل مثله، والذين أحرقوا جثث الضحايا والمستشفى الميداني في رابعة، ليس مستغربا منهم أن يبرئوا رئيساً قتل وأفسد البشر وسجن الآلاف من معارضيه وانتهك الحريات وحقوق الإنسان.
والنظام الذي تعاقد على شراء غاز من إسرائيل لمدة 15 عاماً في صفقة بقيمة 60 مليار دولار، ليس مستغرباً منه أن يحكم ببراءة رئيس مثله أهدر ثروات البلاد وباع الأراضي برخص التراب لرجال الأعمال وارتكب جريمة تصدير الغاز لإسرائيل بالمجان، في الوقت الذي كانت فيه الأسر المصرية تبحث عن أنبوبة غاز تطهو بها طعامها أو تقيها برودة الشتاء.
والنظام الذي قتل المصلين وهم سجود أمام مقر الحرس الجمهوري وداخل مسجد الفتح برمسيس وأمام المنصة وفي ميادين التحرير والدقي ومصطفى محمود والاستقامة بالجيزة والعباسية، ليس مستغرباً منه أن يبرئ مبارك من تهم استغلال النفوذ والتربح وإهدار المال العام والاستيلاء عليه وتصدير الغاز إلى عدو مصر، حتى ولو كان هذا التصدير قد ألحق خسائر فادحة بالموازنة العامة تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار.
والنظام الذي يقتل المتظاهرين السلميين في الشوارع ويغتصب النساء في السجون ويلقي بآلاف الأبرياء في غياهب السجون ليس مستغرباً منه أن يقضي ببراءة حبيب العادلي ومساعديه من تهم قتل المتظاهرين وسحلهم في الشوارع والميادين العامة.
براءة مبارك ستفتح الباب على مصراعيه أمام حالة من الاحتقان السياسي والأمني وزيادة حالة عدم التوتر بالبلاد، ذلك لأن الجميع بات يدرك أن ما حدث في 30 يونيو/حزيران لم يكن سوى ثورة مضادة لثورة 25 يناير، وأن الثورة المضادة باتت في ذروة انتصاراتها ونشوتها، وأن الشباب الذين طالبوا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ضاعت أحلامهم في العثور على فرص عمل وحياة كريمة، وأن بعض المخدوعين في النظام الجديد قد ينضمّون إلى الحراك السلمي في الشارع بعد أن أدركوا أن النظام الذي وعدهم بالحياه الكريمة والرخاء الاقتصادي كان يخدعهم كما خدعهم في 30 يونيو.
ومع زيادة حالة الاحتقان السياسي فإن الاستقرار الاقتصادي سيصبح بعيد المنال، وإن الحلم بجذب استثمارات خارجية وتنشيط السياحة وزيادة موارد الاقتصاد من النقد الأجنبي واسترداد الأموال المهربة في الخارج سيصبح حلماً صعب المنال على الأقل في المدى القصير، وربما المتوسط.
براءة مبارك ستكون لها آثار كارثية على الاقتصاد المصري وعلى ملفات عديدة، منها الحفاظ على المال العام، حيت تعطى البراءة رسالة للصوص وناهبي المال العام مضمونها "اسرق وستحصل على صك البراءة في النهاية"، وكذا ستؤثر البراءة على ملف الغاز المصري المنهوب من قبل إسرائيل في مياهنا الاقليمية، لأن من سهّلوا للكيان الصهيوني سرقة الغاز المصري في وضح النهار وبالقانون حصلوا على البراءة.
أما بالنسبة لملف الأموال المنهوبة في بنوك الغرب، فمن حق رموز نظام مبارك مطالبة المصارف السويسرية بالافراج عن ملياراتهم المجمدة، لأنه لا يوجد ما يدينهم قانوناً.