بدائل الطاقة تشعل أزمة غذائية عالمية...دول كبرى تحوّل الحاصلات الزراعية إلى وقود

14 نوفمبر 2022
مزارع هندي يجمع محصول قصب السكر (Getty)
+ الخط -

تشعل أزمة الطاقة في أوروبا فتيل أزمة غذائية عالمية من الأبواب الخلفية، إذ يتزايد الطلب الأوروبي على الوقود الحيوي المنتج من الذرة وقصب السكر وفول الصويا في الولايات المتحدة والبرازيل وغيرها من الدول الكبرى المنتجة للغذاء، ما يعرّض الأسواق العالمية إلى نقص أكثر حدة في السلع الأساسية، ويرفع أسعارها، ويهدد الكثير من الدول الفقيرة بالجوع، لا سيما أن الطلب المتزايد على الوقود الحيوي لم يعد يقتصر على أوروبا المتعطشة للطاقة، وإنما تحولت بلدان كبرى مستوردة للنفط، على غرار الهند، إلى تمديد حظر تصدير سلع غذائية رئيسية لتحويل جزء من حاصلاتها الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي.

وتظهر بيانات الشركات العالمية المنتجة للوقود الحيوي أن شحنات الإيثانول البرازيلي إلى أوروبا حتى سبتمبر/أيلول الماضي، جاءت أعلى بثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي، حيث انطلقت الشراهة الشرائية بشكل خاص بدءاً من يوليو/تموز.

ويعد الإيثانول البرازيلي الأرخص، ما دفع أوروبا إلى تعظيم وارداته بشكل كبير، بينما تشهد أسعار الوقود الأحفوري ارتفاعاً كبيراً في القارة الباردة التي تخشى شتاءً قاسياً. والإيثانول سائل كحولي شفاف، يُستخدم بديلاً للبنزين، أو يُمزج معه بنسب مختلفة، ويُنتج غالباً من الحاصلات الزراعية ومخلفاتها التي تحتوي على كمية كبيرة من السكر والنشويات، مثل قصب السكر والذرة.

ثلاثة مصانع جديدة في البرازيل

يُعتبر الطلب على الإيثانول كبير جداً لدرجة أن الشركات تسعى إلى تعزيز إنتاج أنواع بديلة منه لمواكبة الطلب المرتفع. وفي البرازيل تقوم شركة "رايزن"، وهي عبارة عن مشروع مشترك بين عملاق البنية التحتية البرازيلي "كوسان إس ايه" وشركة "شل" العالمية، ببناء ثلاثة مصانع جديدة لزيادة إنتاجها من الإيثانول بمقدار ثماني مرات أكثر حتى عام 2024.

وجرى بالفعل بيع 80% من هذه المعدلات من خلال عقود آجلة، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية التي نقلت مؤخراً عن باولو نيفيس، نائب رئيس التداول في "رايزن" قوله، إن حجم الطلب يفوق الكميات التي يمكن تقديمها في الوقت الحالي.

وتتسارع الاستثمارات الموجهة إلى إنتاج الوقود الحيوي ليس في البرازيل وحدها، وإنما في الولايات المتحدة أكبر سوق لهذا النوع من الوقود، والصين، والهند، ما يضع الكثير من الدول المستهلكة للغذاء، لا سيما الفقيرة والنامية، في مأزق كبير، إذ تمر بالأساس بصعوبات بالغة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت شحاً في إمدادات الغذاء، لا سيما من الحبوب، وارتفاع فاتورة استيرادها بشكل كبير.

وتبدو أزمة الغذاء العالمية المتخوف منها خلال الفترة المقبلة، مركبة ومعقدة، فبينما سارعت العديد من الدول المنتجة للغذاء بعد أسابيع من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نهاية فبراير/شباط الماضي إلى حظر تصدير الحبوب من القمح والذرة تحديداً، لتلبية احتياجاتها المحلية والحفاظ على أسواقها المحلية، تبادر العديد من الدول إلى تمديد حظر التصدير رغم الحصاد الوفير، وذلك ليس لتوفير الإمدادات الكافية لشعوبها من الغذاء فحسب، وإنما أيضاً لتوجيه جزء من الحاصلات لإنتاج الوقود الحيوي.

ونهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مددت الهند، أكبر منتج للسكر في العالم، القيود المفروضة على تصدير السكر لمدة عام حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وجاء تمديد حظر التصدير، على الرغم من أنه من المتوقع أن تنتج الدولة محصولاً قياسياً من قصب السكر هذا العام، حسبما قالت الحكومة ومسؤولو الصناعة.

قيود هندية على تصدير السكر

ويشجع الارتفاع في أسعار النفط الخام مصانع السكر على تحويل المزيد من قصب السكر لإنتاج الإيثانول لمزجه مع البنزين. وكانت الهند قد فرضت في مايو/أيار الماضي قيوداً على الصادرات حتى نهاية الشهر الماضي لاحتواء ارتفاع الأسعار المحلية بعد صادرات قياسية. وشهدت أسعار السكر هذا العام ارتفاعات كبيرة بسبب انخفاض إنتاجه في البرازيل، وهي منتج رئيسي وأكبر دولة مصدرة في العالم لهذه السلعة.

والهند أكبر منتج للسكر في العالم، ولكنها تستهلك أيضاً معظم ما تنتجه. وصدّرت رقماً قياسياً بلغ 7 ملايين طن في السنة المالية 2021/2022 التي انتهت في مارس/آذار الماضي، وكان ذلك ارتفاعاً من 620 ألف طن صدّرتها الدولة في 2017/2018.

وبخلاف قيود تصدير السكر، منعت الهند تصدير القمح، واستثنت فقط الشحنات المتفق عليها سابقاً قبل الحظر، وتعتبر الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، بعد الصين، وأدى حظر التصدير الذي فرضته أخيراً، إلى حالة من الغموض في السوق العالمية التي تشهد حالة من التوتر والارتباك، رغم استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية منذ نحو ثلاثة أشهر.

ومع قيود التصدير التي فرضتها الدول الكبرى المنتجة للغذاء، اتجهت العديد منها إلى التوسع في زراعة النباتات المنتجة للوقود الحيوي مع تنامي الطلب فيها على الطاقة، ومحاولة تقليل فاتورة استيرادها، في ظل ارتفاع أسعارها عالمياً.

وليس الإيثانول وحده ما يجري إنتاجه من السلع الزراعية، فهناك أنواع أخرى من الوقود الحيوي، منها وقود الديزل الحيوي، فهو زيت من النبات أو الحيوانات ‏يستخدم بديلاً للديزل البترولي، أو ممزوجاً به في السيارات ‏والأساطيل الصناعية بمحركات الديزل. وهناك كذلك الغاز الحيوي، وهو منتج ثانوي لتحلل نفايات ‏النبات والحيوانات في بيئات ذات مستويات منخفضة من ‏الأوكسجين، والوقود الحيوي الصلب الذي يستخرج عبر حرق ‏الكتلة الحيوية كالخشب، ويستعمل في الطهي.

وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة (فاو) من أن العالم قد يواجه أزمة غذاء جديدة، على غرار تلك التي وقعت عام 2007- 2008 إذا ما لجأت البلدان إلى حظر الصادرات.

وفي تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية في 22 أغسطس/آب الماضي، استحوذ الإيثانول على غالبية القدرة الإنتاجية للوقود الحيوي في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن القدرة الإنتاجية للوقود الحيوي وصلت إلى 21 مليار غالون سنوياً من 275 منشأة في العام المنتهي في 1 يناير/كانون الثاني 2022. وبحسب التقرير، فإن أكثر من أربعة أخماس قدرة إنتاج الوقود الحيوي المتحدة كانت مخصصة لوقود الإيثانول الذي بلغ إجمالي سعة إنتاجه 17.4 مليار غالون سنوياً.

أكبر سوق لتحويل الغذاء إلى وقود

ومن بين الولايات الـ13، التي تستحوذ على غالبية السعة الإنتاجية للإيثانول في أميركا، توجد 12 ولاية في منطقة الغرب الأوسط، منها ولايات أيوا ونبراسكا وإلينوي، التي تحتوي على نصف قدرة الإنتاج في البلاد. واستحوذ منتجو وقود الإيثانول على 81% من إجمالي الطاقة الإنتاجية للوقود الحيوي، ثم الديزل الحيوي 11%، الذي بلغت القدرة الإنتاجية منه 2.3 مليار غالون سنوياً عبر 72 منشأة، في حين تشكل أنواع الوقود الحيوي الأخرى نسبة 8%.

وتتزايد الاستثمارات العالمية كذلك في تحويل الغذاء إلى وقود، فقد بلغ حجم سوق الطاقة الحيوية العالمية 116.5 مليار دولار في عام 2021، وفقاً لتقرير نشرته مجلة "إي إس آي أفريكا" الجنوب أفريقية منتصف العام الجاري، إذ تتركز هذه السوق في الأميركتين الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا. وسيطرت أميركا الشمالية على هذه السوق، بنسبة تزيد على 35% من إجمالي الطاقة الحيوية المركبة في عام 2021.

وتحدثت وكالة الطاقة الدولية العام الماضي، عن الحجم الهائل لاستخدام الحبوب في إنتاج الإيثانول، حيث جرى حرق 100 مليار لتر من المادة كوقود للسيارات، و43 مليار لتر من الديزل الحيوي، متوقعة استمرار ارتفاع استهلاك الوقود الحيوي بنسبة 5% هذا العام، و3% عام 2023، كتقديرات قبل تداعيات الحرب الروسية على أسواق الطاقة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتقدّر شركة "غرو إنتيليجنس" للتحليل الدولية، بأن السعرات الحرارية الخاصة بالحبوب التي تهدر لإنتاج وقود حيوي تكفي لسد احتياجات السعرات الحرارية لنحو 1.9 مليار إنسان.

كذلك، كشفت منظمة النقل والبيئة الأوروبية أن استهلاك دول الاتحاد الأوروبي وحدها للقمح والذرة والسكر وبذور اللفت وزيت عباد الشمس وفول الصويا من أجل إنتاج الوقود الحيوي لمدة عام، يلبي احتياجات السعرات الحرارية لـ150 مليون إنسان.

في المقابل باتت مشاهد الاضطرابات بسبب الغلاء وشح الغذاء مألوفة في العديد من الدول النامية والفقيرة، كما أضحت مشاهد نفوق الماشية والحيوانات أكثر انتشاراً في دول مثل جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال.

 

المساهمون