بايدن واقتصاد الكباري

31 مارس 2021
زحام في شوارع القاهرة رغم التوسع في سياسة إقامة الكباري والطرق
+ الخط -

تُخطئ الحكومة، أي حكومة، عندما تحصر الاقتصاد وتقصره على مشروعات الكباري والطرق، وما عداها من مشروعات لا تمثل أولوية أو قيمة مضافة للاقتصاد من وجهة نظرها.

وتخطئ الحكومة عندما تكون إجابتها على من يطالبها بتنفيذ مشروعات لتطوير وتنمية الاقتصاد، وخلق فرص عمل، وزيادة الإنتاج والصادرات، وتطوير الخدمات الرئيسية من تعليم وصحة وصناعة وزراعة بقولها: "هناك عشرات الطرق والكباري الجديدة التي تعمل عليها الحكومة".

ويخطئ أي مسؤول يتعامل مع مشروعات الطرق والجسور الجديدة على أنها تمثل الاقتصاد الكلي وقاطرة التنمية، فالكباري والطرق جزء صغير من مشروعات البنية التحتية لها أدوار مهمة منها سهولة انتقال المواطن لمقر عمله، وسرعة نقل البضائع والسلع والافرداد، وتخفيف حدة الزحام خاصة في المدن المكتظة بالسكان، وهي جزء أصغر من مشروعات الاقتصاد الكلي، وتطوير أي اقتصاد يحتاج إلى النظر إلى المنظومة بكاملها وليس لفرع صغير ضمن مكوناته.

ليس بإقامة الكباري تحيا المجتمعات وتنشط الاقتصادات المتعثرة، وإقامة جسور وطرق في أي مجتمع يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع تأسيس المدارس والجامعات والمعاهد والمستشفيات ودور الرعاة الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي والإنترنت والاتصالات

لنأخذ العبرة من التجربة الأميركية الحالية في إصلاح الاقتصاد، فعندما جاء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سدة الحكم وجد أن الاقتصاد ينزف بشدة بسبب التأثيرات الخطيرة لجائحة كورونا على الأنشطة المختلفة، وما أحدثه الوباء من خسائر فادحة، سواء على مستوى خلق فرص العمل، أو إفلاس الشركات وزيادة التعثر المادي، وضعف القدرة الشرائية للمواطن.

هنا تحرك بايدن وبسرعة على عدة مستويات ولم يقصر تحركه على إقامة كبري هنا وافتتاح طريق هناك، وركز في بداية حكمه على مسارين رئيسيين هما:
أولاً: إقرار خطة إغاثة عاجلة للاقتصاد والمواطن من فيروس "كورونا" بقيمة 1.9 تريليون دولار، ومثلت تلك الحزمة المالية الضخمة أولوية لدى بايدن وإدارته، خاصة مع ما يترتب عليها من نتائج إيجابية وسريعة، حيث ضخ سيولة عاجلة في شرايين الاقتصاد والمشروعات المختلفة، والحيلولة دون انزلاق الشركات نحو التعثر المالي أو الاستغناء عن العمالة، والأهم المحافظة على القوى الشرائية للمواطن والطلب على الأسواق عبر منح سيولة مجانية للأسر الأميركية للإنفاق على شراء السلع وسداد الالتزامات من إيجارات وغيرها.

خصص بايدن 3 تريليون دولار للمرحلة الأولى من خطته "إعادة البناء بشكل أفضل"، منها ما يقرب من تريليوني دولار للإنفاق على البنية التحتية على مدى 8 سنوات

ثانياً: خطة الإنقاذ الثانية العاجلة التي بدأ بايدن التحرك عليها من اليوم الأربعاء هي تطوير وتحديث وصيانة البنية التحتية، وهذا مجال واسع ومهم للمواطن والاقتصاد، ويعني ببساطة ضخ الدولة استثمارات جديدة في مشروعات البنى التحتية التقليدية مثل الطرق والكباري والموانئ والمطارات وشبكات الكهرباء والإنترنت وغيرها.

ولتحقيق ذلك الهدف خصص بايدن 3 تريليون دولار للمرحلة الأولى من خطته "إعادة البناء بشكل أفضل"، منها ما يقرب من تريليوني دولار للإنفاق على البنية التحتية على مدى 8 سنوات.

 وفي التفاصيل تتضمن خطته استثمار 621 مليار دولار في البنية التحتية للنقل مثل الجسور والطرق والنقل العام والموانئ والمطارات، وتشمل 32 ألف كلم من الطرق والطرق السريعة، وإصلاح آلاف الجسور ومضاعفة التمويل الفيدرالي للنقل المشترك.

وضخ أكثر من 300 مليار دولار في تحسين البنية التحتية لمياه الشرب وتحديث الشبكات الكهربائية، وأكثر من 300 مليار دولار في بناء وتعديل المساكن ذات الأسعار المعقولة وبناء المدارس وتحديثها. 
وخطة بايدن تلك تحقق عدة أهداف منها تطوير قطاع الخدمات من أنشطة التعليم والصحة وغيرها، وتطوير البنية التحتية، والحفاظ على الطبقة الوسطى، وإعادة تنشيط الاقتصاد.

التجربة الأميركية وغيرها من تجارب العالم، سواء في مجال معالجة الأزمات الاقتصادية الطارئة، أو تحقيق تنمية مستدامة تعطي درساً لحكومات دول المنطقة وهو أنه ليس بإقامة الكباري تحيا المجتمعات وتنشط الاقتصادات المتعثرة.

وأن إقامة جسور وطرق في أي مجتمع يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع مشروعات إقامة المدارس والجامعات والمعاهد الفنية والمستشفيات ودور الرعاة الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي والإنترنت والاتصالات، وتطوير المنظومة التعليمية والصحية، وتحديث شبكة السكك الحديدية والقطارات، وإقامة مصانع ومنشآت إنتاجية وجديدة وتعويم المتعثر منها، وتوفير فرص عمل للشباب والخريجين الجدد، والاهتمام بالطبقات الفقيرة والمعدمة وكبار السن، وتوفير السلع الرئيسية بأسعار مناسبة.

المساهمون