أجرت باكستان الانتخابات البرلمانية أمس الخميس، وهي تواجه ثلاثة تحديات رئيسية، وهي الانهيار الاقتصادي الحاد والتناحر السياسي بين الأحزاب المتنافسة والاضطرابات الأمنية الناجمة عن الفشل طويل الأمد في إجراء إصلاحات هيكلية تعيد البلاد إلى الاستقرار السياسي المطلوب لتدفق الاستثمار الأجنبي والتنمية الاقتصادية.
ويعد الانهيار الاقتصادي في باكستان، أكبر التحديات التي يواجهها رئيس الوزراء الذي سيفوز حزبه بهذه الانتخابات.
على صعيد الأزمة الاقتصادية التي تعد الأعقد في تاريخ باكستان، يقول الخبير الاقتصادي بمعهد ويلسون للدراسات الاستراتيجية بواشنطن، مايكل كوغلمان، في تحليل يوم الأربعاء على موقع المعهد، تواجه البلاد مجموعة من الأزمات الحادة، أكبرها ضغوط اقتصادية شديدة إلى الحد الذي يجعل الطبقات العليا تشعر بوطأتها وتفاعل العنف في البلاد، حيث تتفاقم التوترات الحدودية مع كل من الهند وأفغانستان إلى مستويات خطيرة. وأضاف الخبير كوغلمان القول، إن تشاؤم الباكستانيين بشأن الاقتصاد، دفع الطبقة الوسطى للهجرة من البلاد، حيث لم تعد مرتباتهم تلبي الاحتياجات المعيشية.
وشهدت باكستان تضخماً قياسياً وانخفاضاً حاداً في نصيب الفرد في الدخل المحلي خلال العام الماضي 2023، وشبه تخلف عن سداد الديون الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى حصول البلاد على قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولي قيمته 3 مليارات دولار وتسلمت الشريحة الأولى منه في يوليو/تموز الماضي البالغة 1.2 مليار دولار. وبلغ التضخم أعلى مستوياته في عام 2023 ولا يزال يواصل التضخم، حيث بلغ معدل التضخم حسب بيانات مصلحة الإحصاء الباكستانية 28% في يناير/كانون الثاني الماضي.
وعلى صعيد الديون الأجنبية المقدرة بقرابة 100 مليار دولار في نهاية العام الماضي 2023، تتوقع باكستان أن يتم تجميد تسديد حوالي نصف ديونها المستحقة في السنة المالية 2024، وفقًا لمحافظ البنك المركزي الباكستاني، جميل أحمد. ومن المتوقع أن تسدد الحكومة الجديدة المنتخبة نحو 6.8 مليارات دولار فقط خلال العام الجاري.
وقال أحمد في مؤتمر صحافي نقلته رويترز، إن حوالي 11.3 مليار دولار من أصل 24.5 مليار دولار من الديون المستحقة لهذه السنة المالية سيتم ترحيلها إلى العام 2025. وحتى منتصف العام الماضي، يقدر إجمالي الدين العام والالتزامات في باكستان بحوالي روبية، 62.881 تريليون روبية، أي حوالى 223.86 مليار دولار، وهو ما يمثل 74.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
في مقابل هذا العبء الضخم من الديون الأجنبية لدى باكستان كميات قليلة من النقد الأجنبي، حيث انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وكانت خدمة الدين الخارجي هي الأعلى على الإطلاق. وحسب بيانات البنك المركزي الباكستاني بلغت احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي 13.6 مليار دولار، كما أن لدى البنوك التجارية كميات من النقد الأجنبي تقدر بنحو 5.04 مليارات دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي الباكستاني في بداية فبراير/ شباط الجاري.
وخلال السنة المالية 2022-2023، انخفض حجم الاقتصاد الباكستاني بمقدار 33.4 مليار دولار، كما انخفض دخل الفرد بنسبة 11 في المائة، وهو رقم قياسي جديد، حسب تحليل كوغلمان. وبالتالي اقتربت باكستان بشكل خطير من التخلف عن السداد.
وكانت باكستان تقف على حافة التخلف عن السداد، وبالتالي الإفلاس في العام الماضي. وقد تم تجنب كارثة الإفلاس في يوليو/تموز من العام الماضي، بعد أن حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي. ولكن الصعوبات المعيشية استمرت بالنسبة لعامة الناس، خاصة مع سياسات التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي والتي أدت إلى زيادة التضخم.
ويعتقد خبراء أن الضغوط الاقتصادية في باكستان لم تؤثر على الفقراء فحسب، ولكنها تمددت كذلك لتلتهم دخول الطبقة الوسطى. وتظهر البيانات الحكومية، أن عدداً هائلاً من العمال المهرة غادروا باكستان في عام 2023، بما في ذلك الأطباء والمساعدين الطبيين والمحاسبين، حيث بلغ عددهم 900 ألف عامل.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي الأميركي، مايكل كوغلمان إنه "لسنوات عديدة، أعطت السياسة التجارية لإسلام أباد، الأولوية لصادرات المنسوجات (التي تكافح من أجل المنافسة عالمياً) وواردات الوقود الباهظة الثمن. ولم يتم بذل الكثير لمعالجة القاعدة الضريبية المنخفضة في البلاد، كما لم تتم معالجة الأزمات الحادة للشركات العامة المثقلة بالديون والقطاع الزراعي الذي بات غير فعال في النمو الاقتصادي".
ويضيف في تحليله أن "المسؤولين الباكستانيين وكبار رجال الأعمال والمؤسسة العسكرية رفضوا تنفيذ الإصلاحات البنيوية التي من شأنها أن تجلب للبلاد المزيد من الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل". في ذات الصدد، قال استطلاع الرأي الأميركي "غالوب" الذي أجري قبل يومين، إن نحو 70% من الباكستانيين يرون أن الوضع الاقتصادي في البلاد يزداد سوءا وأن ما يقرب من نصف السكان يرون إنه بات من الصعب العيش بدخلهم المالي الحالي.
ويقول خبراء، تحتاج باكستان التي يبلغ عدد سكانها 241 مليون نسمة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة لمعالجة الطبيعة الهيكلية لديونها الخارجية، وبالنسبة لمن يفوز في الانتخابات، فإن الإصلاح سيكون صعباً من دون تفويض شعبي. وقد تؤدي الاضطرابات السياسية إلى زيادة عدم الاستقرار على المدى القصير. وقد يؤدي هذا إلى إعاقة الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه باكستان بشدة لتنمية اقتصادها وعكس حظوظها على المدى الطويل.
وفي السياق عينه، تظهر استطلاعات الرأي التي أجراها "غالوب"، أن الباكستانيين أصبحوا أكثر إحباطاً مما كانوا عليه منذ عقود بشأن العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تهدد استقرار بلادهم. وتوقع الاستطلاع أن الاقتصاد كان محورياً في التصويت، على الرغم من أنه ليس القضية الوحيدة التي تشغل أذهان الناخبين. وقال 70% من المشاركين في الاستطلاع، إن الظروف الاقتصادية التي يعيشون فيها تزداد سوءاً.
وكانت الروبية الباكستانية العملة الأسوأ أداء في آسيا العام الماضي. وعلى الرغم من التحسن الذي طرأ على الروبية خلال الأسبوع الجاري، حيث ارتفعت قيمتها إلى 279 روبية مقابل الدولار في تعاملات يوم الأربعاء، فإنها لا تزال ضعيفة مقابل العملات التي تستورد منها باكستان. وقد ارتفعت مقابل الدولار بنحو 10% من أدنى مستوى له في عام 2023، حسب موقع "إنفيز" الباكستاني.
ومع تآكل معدلات التضخم المرتفعة، يجد الباكستانيون على نحو متزايد صعوبة في تغطية نفقاتهم، فقد وجد 49% من المواطنين، أنه بات "من الصعب للغاية" تدبير أمورهم بدخلهم الحالي، وهو رقم قياسي آخر للذين يعانون من ضائقة معيشية بالبلاد.
وإضافة إلى شكوك المواطن الباكستاني بشأن الانتخابات، تعتقد أغلبية واضحة من الباكستانيين (88%)، أن الفساد داخل حكومتهم يستشري على نطاق واسع، ويفوق على الرقم المسجل في عام 2022 والبالغ 86%، حسب استطلاع غالوب.