باكستان على خطى سريلانكا... الاقتصاد ينهار

27 يناير 2023
الروبية الباكستانية تتهاوى وسط الطلب القوي على الدولار (Getty)
+ الخط -

تتنقل باكستان من أزمة إلى أخرى منذ أكثر من عام، إذ ما انتهت أزمتها السياسية التي قضت على فترة رئيس الوزراء عمران خان، حتى تعرضت لكارثة الفيضانات ثم تلتها كارثة انهيار العملة. ويتعرض الاقتصاد الباكستاني حالياً لخطر الانهيار وسط صعوبات مالية مستفحلة، واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، ونقص حاد في العملة الأجنبية، مما جعل الشركات تكافح للعمل في الوقت الذي تحاول فيه السلطات إحياء خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي للتخفيف من حدة الأزمة المتفاقمة.

وتواجه البلاد حالياً أزمة حادة في الحصول على دولارات، ويعطل ذلك النشاط التجاري في البلاد ويسبب ارتباكاً للتجار والمستوردين.

ويحدث ذلك وسط تراجع مخيف في احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتي تقدر بنحو 6 مليارات دولار تكفي لتغطية احتياجات ما يقرب من شهر من الواردات.

وفي سوق الصرف انخفضت العملة الضعيفة، الروبية، بحدّة أمس الخميس مقابل الدولار، بعد أن أشارت الحكومة إلى أنها مستعدة للامتثال للشروط الصارمة التي وضعها صندوق النقد الدولي للشريحة التالية من حزمة الإنقاذ.

وتسعى باكستان للحصول على قسط حاسم قدره 1.1 مليار دولار من الصندوق وهو جزء من حزمة إنقاذ بقيمة 6 مليارات دولار، لتجنب التخلف عن السداد. وتعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن إحياء خطة الإنقاذ في الأشهر الماضية.

وبلغ سعر صرف الدولار الواحد 230 روبية باكستانية الأربعاء. وتراجعت الروبية أكثر يوم الخميس، حيث يُتداوَل الدولار عند 255 روبية خلال ساعات من إعادة فتح السوق. ولم تعلّق الحكومة على الفور على التطورات.
يقول المحلل أحسن رسول، إن تراجع الروبية مؤشر على أن باكستان كانت على وشك الحصول على القرض الذي تشتد الحاجة إليه من صندوق النقد الدولي وفق أسوشييتد برس.

يأتي تراجع الروبية بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء شهباز شريف، أن حكومته مستعدة لالتزام "الشروط الصعبة لصندوق النقد الدولي" لإحياء حزمة الإنقاذ البالغة 6 مليارات دولار، وكانت معلقة منذ عدة أشهر.

وفي الأسواق يتواصل غلاء الأسعار في ظل امتناع البنوك عن تدبير النقد الأجنبي للمستوردين. ووفقًا للبنك المركزي في باكستان، تتراكم حاويات الشحن المليئة بالواردات في الموانئ مع عدم قدرة المشترين على تأمين الدولارات لدفع ثمنها.

وحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، حذرت جمعيات شركات الطيران والشركات الأجنبية من أنها قد لا تعيد الدولارات إلى البلاد بسبب ضوابط رأس المال المفروضة لحماية الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة.

وقال مسؤولون للصحيفة البريطانية، إن المصانع مثل مصنعي المنسوجات تغلق حالياً أو تقطع ساعات العمل للحفاظ على الطاقة والموارد. وتفاقمت الصعوبات الاقتصادية والتجارية بسبب انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد يوم الاثنين الماضي واستمر الانقطاع أكثر من 12 ساعة.

وأعرب رئيس الوزراء شهباز شريف يوم الثلاثاء عن "خالص أسفه للإزعاج الذي سببه انقطاع التيار للمواطنين". وقال إن التحقيق سيحدد السبب.

من جانبه قال ساكب شيراني، مؤسس نشرة "ماكرو إيكونومكس إنسايت" في إسلام أباد: "لقد أغلقت الكثير من الصناعات بالفعل، وإذا لم تستأنف هذه الصناعات قريبًا، فستكون بعض الخسائر دائمة".

ويحذر المحللون من أن الوضع الاقتصادي في باكستان أصبح يتعذر تحمله، ومعرض لخطر أن تكون باكستان سائرة على نهج سريلانكا، حيث أدى نقص الاحتياطيات من العملات الأجنبية إلى نقص حاد في السلع الأساسية وأدى في النهاية إلى تعثر في سداد الديون في مايو/ أيار.

وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية لدى باكستان إلى أقل من 5 مليارات دولار، أي أقل من شهر كامل من الواردات خلال الشهر الجاري، ولا تزال حكومة شريف في مأزق مع صندوق النقد الدولي بشأن إعادة إحياء حزمة مساعدات بقيمة 6 مليارات دولار والتي توقفت العام الماضي.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

في هذا الصدد، قال المستشار السابق للبنك الدولي، عابد حسن "كل يوم مهم الآن في باكستان. وأضاف "ليس من الواضح ببساطة ما هو المخرج، حتى لو حصلوا على مليار دولار أو اثنين فإن الأمور سيئة للغاية لدرجة أنها ستكون مجرد إسعافات أولية في أحسن الأحوال".

من جانبه قال إحسان إقبال، وزير التخطيط الباكستاني، لصحيفة "فايننشال تايمز" إن باكستان خفضت وارداتها "بشكل كبير" في محاولة للحفاظ على العملة الأجنبية. وفي ذات الشأن قال محللون، إن ذلك يشمل منع البنوك من فتح خطابات اعتماد للمستوردين وإجراءات أخرى، مما دفع هيئة صناعة الصلب هذا الأسبوع للتهديد بوقف الإنتاج.

وقال إقبال "إذا امتثلنا فقط لشروط صندوق النقد الدولي، كما يريدون، فستحدث أعمال شغب في الشوارع". "نحن بحاجة إلى برنامج متدرج، لا يمكن للاقتصاد والمجتمع استيعاب صدمة أو تكلفة برنامج تم تحميله مسبقًا".

وقال البنك المركزي يوم الاثنين إنه سيخفف قيود الاستيراد لتسهيل توريد المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود. ولا تزال باكستان تعاني من فيضانات مدمرة العام الماضي، أثرت على عشرات الملايين من الناس وتسببت في أضرار تقدر بنحو 30 مليار دولار.

وقالت حكومة شريف إنها ملتزمة بإحياء اتفاق صندوق النقد الدولي لفتح الشريحة التالية من الأموال. لكن لا يزال الجانبان في مأزق بسبب مطالبة صندوق النقد الدولي بأن تقبل باكستان إصلاحات اقتصادية مثل رفع أسعار الطاقة المدعومة وزيادة الضرائب.

وتعترض باكستان على شروط صندوق النقد الدولي، وتقول إن الدفع بإجراءات تقشف مؤلمة أثناء تعافيها من الفيضانات أمر غير عملي.

تأتي الاضطرابات الاقتصادية في الوقت الذي تستعد فيه باكستان لانتخابات يجب إجراؤها هذا العام. والمنافس الرئيسي لنواز شريف هو رئيس الوزراء السابق، عمران خان، الذي أطيح العام الماضي وتعرض لمحاولة اغتيال، لكنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة. ويلقي كلا الزعيمين باللوم في الأزمة الاقتصادية على الآخر.

وألقى شريف باللوم على رئيس الوزراء السابق عمران خان وحكومته في الأزمة الاقتصادية. أطيح خان عبر اقتراع بحجب الثقة في البرلمان في إبريل/ نيسان، ومنذ ذلك الحين يخوض حملة لإجراء انتخابات مبكرة.

وعلى الرغم من الكثافة السكانية في باكستان فإن الناتج المحلي لم يصل إلى 400 مليار دولار. ويقدر البنك الدولي حجم الاقتصاد الباكستاني بنحو 376.49 مليار دولار بحساب الأسعار الجارية. وارتفع الناتج المحلي في باكستان بمقدار 28.3 مليار دولار في العام الماضي 2022 أي بزيادة نسبتها 8.13%.

وكانت باكستان قد حصلت على تعهدات من مانحين دوليين بلغت أكثر من 8 مليارات دولار في مؤتمر جنيف الذي عقد في بداية الشهر الجاري، ولكنها تظل تعهدات وليست أموالا فورية ستصل لإنقاذ البلاد من أزمتها الحادة.

ويقول القيادي في حزب "تحريك إنصاف الباكستاني" الذي يتزعمه خان في تصريحات في إسلام أباد "نحن بحاجة إلى قوة سياسية تقود البلاد إلى بر الأمان ويمكن التنبؤ بمسارها الاقتصادي".

المساهمون