تسببت الحرب في اليمن بغلق المنافذ البرية والبحرية والجوية، ما أدى إلى تدمير أهم الفئات الإنتاجية في قطاعي الزراعة وصيد الأسماك نتيجة انهيار التصدير إلى الخارج، خصوصاً أسواق الدول المجاورة، والتي كانت تستوعب الجزء الأكبر من صادرات الغذاء. إذ يشغل القطاع الزراعي والسمكي مئات الآلاف من الأيادي العاملة.
ويؤكد وكيل وزارة الصناعة والتجارة عبدالله عبد الولي، أن فقدان خطوط التجارة الخارجية وتأثر الصادرات الوطنية أفقد بعض الشرائح المنتجة الحافز المتمثل بالعوائد والمنظومة التسويقية التي تصرّف محاصيلهم، خصوصاً المنتجات النوعية التي تحمل مزايا ومعايير استطاعت من خلالها أن تجد لها أسواقا خارجية تستوعبها.
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن هناك تخليا عن دعم المنتج اليمني، مع فقدان الدولة منظومتها التجارية والاقتصادية، في ظل وضع غير طبيعي تسبب به الحصار وإغلاق المنافذ وتضييق الخناق على التجارة والصادرات. ويلفت عبد الولي إلى أن الحرب الدائرة في اليمن رافقها استهداف لمؤسسات الدولة التي تم بناؤها خلال العقود الماضية.
وتعرض البلد المنكوب بفقر وبطالة مزمنة على مدى خمس سنوات من الحرب والصراع الدائر، إلى تدمير هائل وخسائر ضخمة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية وتفاقم المعاناة الإنسانية وتزايد نسب البطالة، الأمر الذي يجعل عملية التعافي صعبة للغاية، في ظل أهداف التحالف التي تعرقل عملية البناء وتطبيع الحياة في المحافظات والمناطق المحررة.
فقد تسببت الحرب في فقدان المواطن اليمني ثلثي دخله نتيجة ارتفاع التضخم، وانهيار العملة وصعود نسبة الفقر ومعاناة نحو 80 في المائة من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
مدير إدارة التبادل التجاري في وزارة الصناعة والتجارة اليمنية فؤاد هويدي يؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التضييق الذي رافق الحرب على المنافذ البرية والجوية والبحرية، إضافة إلى الصعوبات والمعوقات في النقل الداخلي، أدى إلى حدوث ارتفاع كبير جداً في تكاليف النقل والتصدير.
ويذكر هويدي أن عدم توافر خطوط نقل منتظمة بين الدول العربية أعاق تصدير العديد من السلع الزراعية، خاصة الموز والخضروات وبعض أصناف الفواكه، خصوصاً التي كانت تعتمد على السوق السعودية، وهو ما أدى إلى انخفاض الصادرات بنسبة تفوق 70 في المائة عما كان يصدر سابقاً.
ويرى خبراء أن هذا الانهيار أثر على سبل العيش للمزارعين والصيادين، وقلص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد، وساهم في تدهور العملة الوطنية مقابل الدولار، وارتفاع سعر الصرف التفضيلي لتمويل واردات السلع الغذائية الأساسية بأكثر من ضعفين مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
وكانت صادرات النفط والغاز أهم روافد العملة الصعبة اللازمة لتغذية الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي وتمويل الواردات السلعية ودعم استقرار سعر الصرف، حيث شكلت أكثر من 80 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية قبل الحرب.
ويشير نائب مدير عام مركز تنمية الصادرات اليمنية محمد محمد عامر، إلى تراجع ناتج قطاع الزراعة والاسماك، متأثراً بمجموعة من العوامل التي يحدد عامر في حديثه لـ"العربي الجديد"، بعضها إلى جانب تضييق الحصار على الصادرات اليمنية، أزمات الوقود المتلاحقة وارتفاع أسعارها وتكاليف مدخلات الإنتاج الزراعي ومحدودية الوصول إلى مناطق الاصطياد السمكي، الأمر الذي أدى إلى فقدان سبل العيش، وتقليص فرص العمل والدخل لشريحة كبيرة من السكان التي تعمل بشكل رئيس في مجال الزراعة، وكذا في قطاع الأسماك.
ويؤكد أن ما تشهده المنافذ التجارية اليمنية البرية والبحرية والجوية من إغلاق وحصار وصراع، أصاب حركة الاستيراد والتصدير بالشلل التام، وتسبب في تدهور الاقتصاد اليمني والعملة الوطنية. ومثل الافتقار إلى الفرص الاقتصادية المتاحة السبب الرئيس وراء انخفاض سبل العيش لجميع الفئات السكانية التي تم تقييمها في المحافظات والمديريات في اليمن، وفي المرتبة الثانية يأتي تخلف دفع الرواتب، والتي ساهمت مستويات انخفاضها سابقاً في تدهور سبل المعيشة، الأمر الذي يجعل سبل كسب العيش أمراً ملحا للغاية، في ظل ظروف صعبة وحرجة ترزح تحت وطأتها معظم شرائح المجتمع اليمني.
وفيما يتعلق بالموارد التي من شأنها أن تمكن السكان من المحافظة على سبل عيش منتظمة على الرغم من الأزمة الراهنة، فقد كشفت نتائج دراسة تقييمية تركزت في المديريات والمناطق النائية في اليمن أن الأدوات اليدوية هي الحاجة الأكثر شيوعا لتحسين سبل عيش السكان، خصوصاً النازحين والعائدين والمجتمعات المستضيفة في معظم هذه المناطق، يليها معدات الصيد، ثم حاجة شديدة للمياه والماشية، إضافة إلى ذلك يعتبر المستطلعون النقد أكثر الموارد احتياجاً لتطوير سبل عيشهم.
إلى جانب آليات أخرى ذات أهمية في تحسين سبل العيش، منها تربية الحيوانات الصغيرة وبذور الخضار وبذور الحبوب وماء للاستخدام الزراعي والماشية..
وحسب أحدث المؤشرات اليمنية والأممية، فقد بلغ عدد السكان غير الآمنين غذائياً في اليمن 20.1 مليون شخص، وهو رقم يؤكد تفاقم حدة انعدام الأمن الغذائي بصورة غير مسبوقة، مع وجود ما يقارب من 63.5 ألف شخص وصلوا لأول مرة المرحلة الخامسة (الكارثة/ المجاعة) من التصنيف المرحلي المتكامل، مقارنة مع ما يقارب 238 ألف شخص لا يستطيعون الوصول إلى المساعدات، مما يعكس الشدة العالية جداً لانعدام الأمن الغذائي بين بعض الفئات السكانية التي باتت تقاسي الجوع، وغير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.
ويرى الباحث الاقتصادي حامد الصلاحي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن انهيار بعض الموارد الرئيسية مع توقف الإنتاج والتصدير كانت تبعات ذلك مؤثرة في فقدان الدخل وسبل العيش، وتراجع الإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتوقف المرتبات نظراً لأن الموازنة العامة للدولة كانت تعتمد على عائدات النفط والغاز، إذ تسبب توقف تصديرها في مجمل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها اليمن.
ويتابع أن كل ذلك أدى إلى تدهور القدرة على إنتاج الغذاء وشرائه حتى عندما يكون متاحاً، لذا يعتقد الباحث الاقتصادي أن إنعاش وتعافي الوضع الإنساني متمثلا في الحد من الفقر وسبل العيش ومواجهة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية أمر بالغ الأهمية، وأولويات أساسية في إعادة الإعمار وبناء السلام على المدى القصير والطويل.