ثارت مخاوف في السودان من عودة البنوك المحلية إلى العزلة عن السوق الدولية في ظل الاضطرابات التي تعيشها البلاد والإضرابات وانقطاع الإنترنت. وجاء انقلاب المؤسسة العسكرية في السودان على حكومة عبد الله حمدوك في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الماضي، ليفاقم من أزمات القطاع المصرفي السوداني الذي يعاني من العديد من المشاكل ومنها ضعف السيولة وتهاوي العملة المحلية.
وقدّر الاقتصادي السوداني، عادل عبد المنعم، حجم خسائر القطاع المصرفي من انقطاع الإنترنت بحوالي 150 مليون دولار خلال أول أسبوعين بعد إجراءات الجيش الأخيرة، وستصل عقب مرور شهر من بدء الانقلاب إلى نحو 300 مليون دولار.
وأثرت الإجراءات التي اتخذتها المؤسسة العسكرية وانقطاع الإنترنت تلقائيا على التعاملات الخارجية مثل الحوالات الخارجية والمضاربة في العملات وغرف المعاملات الخارجية و"السويفت" والتواصل مع المراسلين وفتح الاعتمادات المستندية وغيرها.
وفي ظل غياب الإحصاءات الرسمية، بلغ مجموع التحويلات من المهاجرين والعاملين في الخارج بعد توحيد سعر الصرف وبدء البنوك في تلقي التحويلات، مليارا و500 مليون دولار في 3 أشهر (من يونيو/ حزيران إلى أغسطس/ آب الماضيين)، حسب تقديرات خبراء اقتصاد.
ورغم تأكيد البنك المركزي السوداني أن التعاملات تسير بصورة جيدة وتلقائية ولم تتأثر، إلا أن مصرفيين ومتخصصين في الإنترنت يرون أن القطاع تكبّد خسائر باهظة.
ويؤكد المتخصص في الأمن السيبراني، أنور دفع الله، أن البنوك السودانية تضررت بشكل كبير خلال فترة انقطاع الإنترنت، إذ تراجعت المعاملات المصرفية بصورة ملحوظة.
وأشار دفع الله إلى أن ذلك سيؤدي إلى فقدان الثقة في المصارف السودانية، إضافة إلى احتمال اتجاه من بعض الجهات لزرع برمجيات خبيثة تؤثر سلبا على القطاع، خلال هذه الفترة، التي تشهد فوضى واضطرابات متصاعدة.
المسؤولة بشركة الخدمات المصرفية، هديل خالد عبد الرحيم، رغم تأكيدها على المعالجات التي تمت إلا أنها لا تنفي تأثر التعاملات الخارجية بقطع الإنترنت بصورة كبيرة.
وتقول لـ"العربي الجديد": هناك معالجة تمت في ما يتعلق بالإجراءات الداخلية بين البنوك بشأن التطبيقات البنكية لكن في ما يتصل بالتعاملات الخارجية فقد تأثرت بصورة كبيرة رغم نفي البعض، لأن هناك خدمات أصبحت مقطوعة خاصة في الأيام الأولى من الإجراءات التي أعلن عنها الجيش، والتي بدورها أثرت بصورة كبيرة على المراسلات والمقاصة الإلكترونية حتى البنوك الخارجية التي تتعامل مع نظيراتها السودانية ولها أنظمة خارجية توقف العمل بها.
وقالت: هذه من السلبيات التي تؤثر على القطاع المصرفي مستقبلا ويعيد الكثير من المصارف التفكير في تعاملاته مع نظيراته السودانية، ما قد يعيد القطاع للعزلة عن السوق الدولية مرة أخرى.
وتابعت: لا يمكن أن تقطع الخدمات فجأة دون النظر إلى التعاملات الخارجية التي تعمل وفقا لأنظمة حديثة بجانب وجود استثمارات كبيرة تؤثر عليها بالطبع مسالة الانقطاعات غير المأمونة، وسوف يفكر أي شخص أو عميل عدة مرات في استمرار التعامل أو عدمه في مثل هذه الأوضاع.
ووفق هديل عبد الرحيم فإن الإضرابات تؤثر أيضاً بصورة مباشرة على العملاء سواء كانوا في خارج السودان أو من داخله.
أما المدير الأسبق لبنك النيلين، عثمان التوم، فأكد أن الأثر لانقطاع الإنترنت يتفاوت من بنك لآخر حسب الأجهزة المستخدمة، ولكن الضرر الأكبر يقع على المواطن الذي تتعطل مصالحه.
وفي المقابل، قال مدير إدارة نظم الدفع ببنك السودان المركزي، إبراهيم حسن علي، لـ"العربي الجديد" إن الشبكة الخاصة بالقطاع المالي لم تتأثر وكل تطبيقات البنوك ظلت تعمل اثناء انقطاع الشبكة.
وأشار إلى أن التأثر شمل فقط التطبيقات الاجتماعية، موضحا أن المكاتبات الخارجية ظلت تعمل بصورة اعتيادية لأنها مستثناة من انقطاع الإنترنت.
وأكد المدير الأسبق للبنك الزراعي السوداني، صلاح حسن أحمد، لـ"العربي الجديد" أن عمليات الصادر والوارد ظلت تعمل بصورة طبيعية، مؤكدا أن الاستيراد ما هو الا اعتمادات مصرفية تعمل عبر السويفت.
وكان السودان حصل رسميا على التسجيل الخاص برقم الحساب المصرفي العالمي من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك المعروفة، التي أوضحت في سجل الآيبان أن السودان أصبح في عداد الدول المنضوية إلى منظومة رقم الحساب المصرفي الدولي وأن العمل به يصبح نافذا منذ 21 يوليو/ تموز 2021.
وفي إطار التحديات التي تواجه القطاع المصرفي، شهدت السوق السوداء للعملة توسعا كبيراً وانتقلت عمليات البيع والشراء إلى الساحات والشوارع الخلفية بعيداً عن المصارف، إضافة إلى تزايد عمليات الاختلاس والتزوير بالحسابات في بعض المؤسسات المصرفية.
وتعرض بنك السودان المركزي في السنوات الأخيرة لعمليات فساد مالي وإداري واسعة، مثل قضيتي عوائد الصادر، ودولار الدواء المدعوم، بجانب بعض التمويلات المالية لشخصيات نافذة من بعض البنوك التجارية، وكل هذه الأمور أسهمت في ضعف القطاع المصرفي وهو على حافة الانهيار، حسب مراقبين.
وفي ظل الأوضاع المأزومة وعدم الاستقرار السياسي، كانت البنوك السودانية هي الحلقة الأضعف والتي مازالت تعاني من ضعف الكوادر والفنيين والمختصين والكفاءات والتقنيات الحديثة.