انفلات التضخم يهوي بمعيشة العرب: الفقر يتفاقم

28 ديسمبر 2021
معدل التضخم في السودان لشهر نوفمبر الماضي بلغ 339.58% (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت العديد من الدول العربية ارتفاعات قياسية للتضخم وصلت في بعضها إلى أن تكون ضمن الأعلى عالمياً، الأمر الذي فاقم أعباء محدودي الدخل، وأدخل المزيد من العرب إلى خانة الفقر.

وفي هذا الإطار رصدت "العربي الجديد" تأثيرات التضخم على معيشة مواطني 5 دول عربية وهي السودان واليمن والعراق ولبنان وليبيا.
معدل تضخم قياسي في السودان
انخفض معدل التضخم في السودان لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى 339.58% مقارنة بـ350.84 لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء، ويأتي ذلك وسط تشكيك في الأوساط الاقتصادية في عملية انخفاض التضخم، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وتواصل غلاء العديد من السلع.
وأشارت البيانات الرسمية إلى أنّ سوق المواد الغذائية شهد زيادة عالية فاقت نسبتها في عدد من السلع الأساسية 500% خلال العام الجاري.
وفي هذا الإطار طالب خبراء اقتصاد بعودة تمويل الاستهلاك، وتطوير أدوات التدخل من جانب الدولة لإزالة تشوهات الأسواق عن طريق تطبيق حزم مكافحة الاحتكار وتعزيز المنافسة.
وحسب البيانات الرسمية، انخفض التضخم لمجموعة الأغذية والمشروبات مسجلا 195.89% لشهر نوفمبر مقارنة بـ208.55% لشهر أكتوبر. كما انخفض معدل التضخم الأساسي (بدون مجموعة الأغذية والمشروبات) مسجلاً 428.34% لشهر نوفمبر مقارنة بمعدل 508.83% لشهر أكتوبر/ تشرين الأول.
ويرى المواطن الدسوقي محمود في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الوضع المعيشي الصعب تسبب في الكثير من المشاكل والانحرافات، وأضحى من الصعب على المواطن البسيط توفير ما يريده من مستلزمات دون الدخول في دوامة ديون وأزمات لا تُحمد عقباها.
وتقول المواطنة سعيدة إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إنّ غلاء المعيشة من أكبر المشاكل التي تواجه السودانيين في الوقت الراهن، والتي أدت إلى مشاكل أسرية واجتماعية اقتصادية ونفسية، فيما الحكومة غير قادرة على تحمل مسؤولية المرحلة، وذلك للارتفاع المتكرر للأسعار والقرارات التي لم تأتِ في صالح المواطن.
تضيف: "لقد فشلت الحكومة في محاربة الغلاء الذي ضرب كلّ منزل"، موضحة أنّ الحلول تتمثل في توفير الدعم ومحاربة الفقر والبطالة وحماية المستهلك من أطماع التجار.
من جانبه، أكد المحلل المالي، فياض حمزة، أنّ التضخم ناتج عن زيادة تكلفة الإنتاج، وليس عن زيادة في الكتلة النقدية. وأضاف أنّ الاقتصاد يعاني من تدهور ألقى بظلاله السالبة على التنمية الاقتصادية، ونتج عن ذلك تراجع العديد من القطاعات. كما أرجع غلاء الأسعار للسلع الضرورية والاستهلاكية إلى السياسات الاقتصادية للنظام.
وقال الخبير الاقتصادي حسين القوني، لـ"العربي الجديد" إنّ استمرار الظاهرة شيء طبيعي في ظل انفلات الأسواق، خصوصاً مع بدايات كلّ شهر.
ورأى الاقتصادي عادل عبد العزيز، أنّ إيقاف كسر دائرة التضخم يتطلب "تدخلاً قوياً من الدولة بتثبيت قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الأخرى، وتثبيت أسعار بعض السلع الأساسية".

ارتفاع متواصل لأسعار السلع والمواد الغذائية في اليمن

في الوقت الذي يشهد فيه سعر صرف الريال اليمني تحسناً نسبياً ملحوظاً أمام العملات الأجنبية، تواصل أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعها في الأسواق المحلية، وسط تذمر كبير من قبل اليمنيين الذين يواجهون ظروفا معيشية قاسية هي الأصعب منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل نحو سبع سنوات.
وارتفع سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية منذ تعيين المحافظ الخامس للبنك المركزي اليمني في 6 ديسمبر/ كانون الأول، إذ وصل سعر صرف الريال المستمر بالتحسن إلى نحو 1006 ريالات للدولار الواحد، بعدما كان قد تجاوز حاجز 1700 ريال مقابل الدولار مطلع الشهر الحالي.
وعلى الرغم من المكاسب التدريجية التي تستمر العملة المحلية بتحقيقها، لم يلمس اليمنيون بعد، تأثيرات ذلك على وضعيتهم المعيشية المتردية مع بقاء أسعار السلع الغذائية مرتفعة بصورة قياسية ساهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة الإنسانية ومستويات الفقر والبطالة.
ويصل سعر قرص "الروتي" المسطح (نوع من الخبز) إلى نحو 50 ريالاً في منافذ بيع خاصة بالخبز، ويبلغ سعر كيلوغرام الأرز نحو 2000 ريال، فيما يصل سعر 5 كيلوغرامات من السكر إلى حوالي 6 آلاف ريال.
ويشير المواطن صابر مهيوب، من سكان مدينة عدن جنوب اليمن، إلى أنّ سعر رغيف الخبز يباع في المخابز بنحو 30 ريالاً، لكنه يحتاج إلى الاصطفاف لساعات في طوابير طويلة، لا يستطيع كثير من الناس تحملها.
أما المواطن عبد القوي سعيد، وهو كذلك من سكان العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، فيبدي استغرابه في حديث لـ"العربي الجديد" من الاستغلال الذي يتعرض له المواطن اليمني، الذي تفرض عليه جرع سعرية في قوته اليومي بحجة ارتفاع سعر الصرف، وعند الانخفاض يظل يدفع نفس الأسعار في معظم السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية التي يقوم بشرائها.
في السياق، يشير تقرير جديد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنّ اليمن، والذي يعد حالياً من بين أفقر البلدان في العالم، يمكنه إنهاء الفقر المدقع في غضون جيل واحد - أي بحلول عام 2047 - شريطة أن تتوقف الحرب المدمرة الآن.
ويوضح التقرير أنّ تحقيق السلام بحلول يناير/ كانون الثاني 2022، إلى جانب حدوث عملية تعاف شاملة، يمكنهما مساعدة اليمنيين على عكس الاتجاهات العميقة للفقر، ومساعدة اليمن على القفز إلى وضع متوسط الدخل بحلول عام 2050، مع القضاء على الفقر المدقع الذي يعاني منه حالياً 15.6 مليون شخص.
وتتزامن موجة الارتفاعات السعرية في الأسواق اليمنية كما يلاحظ مؤخراً منذ مطلع العام الحالي 2021، مع تدهور العملة المحلية.
وتوقع البنك المركزي اليمني أن يرتفع معدل التضخم السنوي في البلاد ليبلغ 40 في المائة خلال عام 2021، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 25 في المائة خلال العام 2020، ومعدل سنوي منخفض بلغ 10 في المائة نهاية 2019.
ويقول شاهر القعطبي، وهو تاجر مواد غذائية، لـ"العربي الجديد"، إنّ القطاع التجاري تعرض لخسائر كبيرة طوال الفترة الماضية بسبب اضطراب سعر الصرف، وتدهور العملة المحلية وصعوبات الاستيراد وتكاليف الشحن التجاري، ورغم ذلك وفق حديثه، عمل كثير من التجار جاهدين على تقليل هامش الربح إلى أدنى مستوى أو البيع بسعر التكلفة.
ويرى خبراء اقتصاد أنّ المعضلة الرئيسية التي خلقت كل هذه الأزمات والاختناقات السعرية والسلعية، تركزت في صعوبات الاستيراد وسلاسل التوريد.
ويقول الباحث الاقتصادي، مجدي عامر، لـ"العربي الجديد"، إنّ المهمة الأصعب أمام الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية هي ضبط ومعالجة الاختلالات الراهنة في إدارة السياسية النقدية، وتوظيف كل جهودها ومواردها المتاحة في تضييق الهوة المتوسعة بفعل تأثيرات تدهور العملة المحلية وصعوبات وتكاليف الاستيراد والشحن التجاري.

ارتدادات الأزمة السياسية على أسواق العراق

في آخر إعلان لوزارة التخطيط العراقية، الأربعاء الماضي، فقد ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 8.4% متأثراً بارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، ومخاوف ارتدادات الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد على حركة الاستيراد، خصوصاً في مواد البناء والإنشاءات والصناعات الثقيلة.
وذكر بيان للمتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط في بغداد، عبد الزهرة الهنداوي، أنّ "الجهاز المركزي للإحصاء، وفي رصده الجديد لحركة الأسعار في الأسواق المحلية، أظهر ارتفاعاً في معدل التضخم الشهري والسنوي".
وبيّن أنّ "نسبة الارتفاع بلغت 0.5%، خلال نوفمبر الماضي عن الشهر السابق له، فيما شهد معدل التضخم السنوي ارتفاعاً بنسبة (8.4%)، مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي 2020".
وأضاف أنّ "المجاميع السلعية التي كانت الأكثر ارتفاعاً في الأسعار هي قسم السلع والخدمات المتنوعة وقسم الملابس والأحذية وقسم التجهيزات والمعدات المنزلية وقسم المواد والمستلزمات الصحية وقسم المطاعم والفنادق، وكذلك اللحوم والزيوت والدهون والسكر الخبز والحبوب.
ولم يذكر البيان الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) أسباب هذا الارتفاع الجديد، لكن خبراء عدوه امتدادا لارتفاع تدريجي تشهده البلاد منذ قرار الحكومة خفض قيمة الدينار أمام الدولار بنحو 30 بالمائة من قيمته السابقة في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، بواقع 1450 ديناراً للدولار بعدما كان 1200 دينار فقط للدولار.
وتوقع الخبير الاقتصادي أحمد الساعدي، ارتفاع معدل التضخم في العام المقبل بمثل هذا الشهر إلى أكثر من 13 بالمائة، في حال لم تتخذ السلطات قرارات فاعلة بشأن الأسعار وقيمة الدينار العراقي أيضاً.
وأكد لـ"العربي الجديد" أنّ "مشكلة التضخم في العراق تفاقمت بعد رفع الدعم الجزئي عن الدينار العراقي، إذ اتاحت للتجار والمضاربين رفع الأسعار بشكل كبير، والتي هي بطبيعة الحال مستوردة.
أضاف الساعدي أنّ التضخم يجب أن يكون إيجابياً في حالة مثل العراق بحال أسهمت في تشجيع الإنتاج المحلي والتقليل من الاستيراد، لكن للأسف الحكومة لم تتخذ أي إجراءات لدعم الصناعة والإنتاج العراقي، كما لم توفر البنوك قروضاً أو تسهيلات للمصانع من أجل التأهيل ورفع طاقة الإنتاج كما كان متوقعاً قبل عام من الآن".
وحذر من أن يؤدي التضخم التدريجي هذا في النهاية إلى انكماش خطير في السوق بحال لم توفر السلطات العراقية الدعم الكافي للقطاع الخاص. واعتبر بالوقت ذاته ارتفاع معدل الفقر المستمر مرتبطاً بمشكلة التضخم بشكل وثيق، خصوصاً لأصحاب الدخل المحدود من الموظفين وأصحاب الأجور اليومية.

تهاوي سعر الليرة يرفع التضخم في لبنان

وفي لبنان قفز معدل التضخم على أساس سنوي في نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة 201%، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، متأثراً بارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل حاد بسبب تهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار.
وأظهرت بيانات صادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، مؤخراً، ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلكين (التضخم) منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية الشهر الماضي بنسبة 178%، كما زاد التضخم على أساس شهري مقارنة بأكتوبر/ تشرين الأول الماضي بنسبة 10.6%.
اقتصاد الناس
التحديثات الحية
وحسب البنك الدولي، بلغت نسبة التضخم في لبنان هذا العام 130 بالمائة، بينما في 2020 كانت نسبته تبلغ 84 بالمائة.
ويرجع التضخم المتسارع بصورة رئيسية إلى انهيار أسعار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد، وتنعكس سلباً على مستوى معيشة المواطنين.
وكان 2021 أحد أسوأ الأعوام التي عرفها اللبنانيون اقتصادياً ومعيشياً، بالتزامن مع استمرار فقدان الأسواق سلع أساسية، ما دفع إلى تحركات احتجاجية في أغلب المناطق اللبنانية.
وعلى وقع مستويات التضخم العالية، وارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين إثر انهيار قيمة رواتبهم، تأثراً بتراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
وفي نوفمبر أعلن موظفو الإدارات العامة في لبنان إضراباً مفتوحاً، احتجاجاً على انهيار قدرتهم الشرائية، وقالت رابطة الموظفين (نقابية) إنّ الرواتب فقدت 97 بالمائة من قيمتها.

التضخم يرفع معدلات الفقر في ليبيا

تشكل الضغوط التضخمية على الاقتصاد الليبي أهمية كبيرة، تحديدا لمتخذي القرار السياسي والاقتصادي، وتسببت في قلق على المستويين الرسمي والشعبي. وأصبحت ظاهرة التضخم سمة ملازمة لحياة المواطن.
وفيما تؤكد بيانات مصرف ليبيا المركزي أنّ معدل التضخم (أسعار المستهلكين)، انخفض 1.3 في المائة خلال النصف الأول من العام، تقول بيانات صندوق النقد الدولي إن معدل التضخم سيرتفع بنهاية العام إلى 19 في المائة.
ويؤكد مركز "أويا" للدراسات الاقتصادية (غير حكومي)، أنّ معدلات الفقر ارتفعت إلى 59 في المائة، فيما قدرت الأمم المتحدة أن نحو 1.3 مليون شخص (23 في المائة من السكان)، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
وشهدت الأسواق قفزات في أسعار السلع الغذائية والدوائية، خصوصاً المواد المستوردة واسعة الاستهلاك في الأسواق الليبية، بنسب تراوح بين 14 و77 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع الإنفاق على سلة الغذاء الدنيا للأسرة الواحدة إلى أكثر من 743 ديناراً.