يشهد اليمن صراعاً محتدماً للسيطرة على الأسواق المحلية في معركة تجارية فرضتها أطراف الحرب الدائرة للسيطرة على السلع المنتجة محلياً واحتكار تلك المستوردة من الخارج.
وأصبح المواطن اليمني الذي أرهقته الأزمات المعيشية والحرب الدائرة ضحية لمثل هذه الصراعات التي لا تتوقف، إذ تجتاح الأسواق موجة من الارتفاعات السعرية لمختلف المنتجات الغذائية والاستهلاكية، انعكاساً لانهيار العملة والأزمات المتلاحقة في المشتقات النفطية والجبايات الواسعة والمتعددة التي تشكو منها الأسواق.
ويتهم ممثلو القطاعين التجاري والصناعي الخاص، سلطات الأمر الواقع في صنعاء وعدن وتعز ومختلف المناطق والمحافظات الرئيسية الأخرى بابتزازهم بالجبايات المتواصلة ورسوم نقل البضائع من خلال تعدد منافذ تحصيلها على امتداد خطوط نقل السلع من الموانئ الرئيسية العاملة في عدن جنوب اليمن إلى مختلف المناطق اليمنية.
ويأتي ذلك في ظل تفريخ القطاع التجاري وتكوين طبقات تجارية خاصة بكل طرف تحتكر تجارة وصناعة المنتجات الغذائية والاستهلاكية والتحكم بعمليات الاستيراد والتصدير.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث الاقتصادي، أيمن الفارعي، أن كل طرف من أطراف الحرب التي استولت على المدن الرئيسية في اليمن يسعى وبدعم خارجي لفرض أجندته وسياسته التي تخوله السيطرة والتحكم بالموارد العامة وتوفير موارد مالية تمكنه من البقاء والمواجهة مع الأطراف التي يخوض معها صراعاً متواصلاً وعلى أكثر من صعيد.
ويشير الباحث الاقتصادي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ما يحصل في عدن وتركيز المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على تنفيذ مخططه الخاص في الجانب الاقتصادي وتكوين مجموعة تجار موالين له وكذا محاولتهم التوسع إلى قطاعات أخرى كالاتصالات وغيرها، إضافة إلى ما فرضه الحوثيون في صنعاء ومناطق نفوذهم من هيمنة اقتصادية وتجارية واسعة تركزت في الجانب التجاري على التحكم في استيراد الوقود وسلع أخرى مثل الأدوية.
في صنعاء، كان هناك جدل خلال الفترات السابقة يتعلق بموضوع احتكار السلع وتنفيذ السلطات المعنية، خطة "لكسر الاحتكار" الذي تعاني منه الأسواق في صنعاء ومدن يمنية أخرى وأدى إلى التحكم في المعروض من بعض السلع والمواد الغذائية مما تسبب في ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
وكان هناك اتفاق لم ينفذ مع كبار المنتجين والمستوردين على كسر احتكار بعض المواد الغذائية التي من أهمها الدقيق والقمح والأرز، والفشل في تنفيذ خطة لبيع الدقيق بشكل مباشر في الأسواق بواسطة شاحنات نقل بضائع ستتجول في الأسواق بإشراف وزارة الصناعة والمستوردين وممثلين عن منظمات القطاع التجاري الخاص، والاستمرار في تحديث القوائم السعرية للسلع والبضائع ومتابعة إشهارها على واجهات المحال التجارية.
في المقابل، يشكو تجار ومستوردون من الإجراءات المعقدة والفوضى الحاصلة في ميناء الحاويات بعدن الخاضع لسيطرة قوة عسكرية مدعومة من الإمارات، إضافة إلى قرارات صدرت بإيعاز الإمارات أخيراً، تقضي بعدم استيراد عدد من المنتجات والاحتياجات الضرورية مثل ألواح الطاقة الشمسية في المناطق الخاضعة للحكومة اليمينة في ظل أزمة في الطاقة الكهربائية وعدم وجود البدائل المتاحة أمام المواطنين.
وتحدث أحد التجار فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، عن ابتزاز يتعرضون له في ميناء عدن وتأخير لأيام وشهور لبضائعهم وسلعهم التي يتعرض بعضها للتلف بسبب هذا التأخير وهذه الإجراءات.
ويضيف أن الأمر يصل أحياناً إلى حدود المقايضة على سلعهم وبضائعهم لصالح تجار آخرين منافسين أو حديثي العهد بالتجارة يعملون لصالح أطراف معينة تسهل لهم مهامهم في الاستحواذ على تجارة بعض السلع والمواد الأساسية، إضافة إلى مشاكل النقل وتعدد السلطات والإجراءات والجبايات بين مدينة وأخرى.
وتعيش مدينة عدن، منذ نهاية العام الماضي، حالة من عدم الاستقرار خصوصاً في الجانبَين الاقتصادي والمعيشي، إثر موجة من المواجهات والصراعات التي شهدتها المحافظة الجنوبية بين القوات الحكومية والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، والتي أفضت إلى توقيع اتفاق الرياض بين الطرفين والذي يواجه عددا من الصعوبات والتعقيدات في تنفيذه بالذات في الجانبَين العسكري والاقتصادي وإدارة مؤسسات الدولة والتحكم بالموارد العامة.
وتشهد الأسواق اليمنية احتكار بعض المواد والسلع المهمة مثل مادة الدقيق والذي ارتفع سعره بصورة قياسية الأسبوع الماضي بوصول سعر الكيس إلى نحو 17 ألف ريال (الدولار = نحو 830 ريالاً)، والألبان ومشتقاتها ارتفعت أسعارها بنحو 150%.
ويؤكد العديد من الجهات التجارية المختصة في اليمن أنها تعمل على تحديد القائمة السعرية بما يتواكب مع متغيرات سعر الصرف في ظل ما تعانيه الأسواق من فوضى في أسعار السلع، إذ إن هناك ما يعادل 60-70% من المواد الغذائية لا يزال سعرها غير مستقر بناءً على تقلبات سعر العملة إضافة إلى عوامل أخرى مثل النقل وارتفاع أسعار بعض المواد عالمياً، خصوصاً مع وجود تلاعب بالأسعار وأقوات المواطنين واحتكار للسلع الأساسية والمنتجات المستهدفة التي تشكل أولوية في الحياة المعيشية للمستهلك.
لكن تذمراً كبيراً في المقابل يسود أوساط القطاع التجاري والاقتصادي الخاص مما يتعرض له من مضايقات وما تشهده البلاد من صراع وحرب دخلت عامها السادس، إضافة إلى ما يتعرض له القطاع من تهم بالاحتكار رغم قيامه بدور واسع في تأمين احتياجات الأسواق المحلية من المواد الغذائية والاستهلاكية في ظل ظروف صعبة ومعقدة فرضتها الحرب.
وحسب تجار، فقد فرضت الحرب العديد من الصعوبات والأعباء التجارية والاقتصادية، إذ زادت التكاليف الإضافية المرتبطة برسوم التأمين على الاستيراد، وتكلفة تحويل المدفوعات للموردين الدوليين عبر شركات الصرافة، وزيادة أجور النقل وتنامي الأعباء الجمركية والضريبية، ما حرم المواطن اليمني من سلع غذائية منخفضة التكلفة.
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي، أحمد السلامي، إن اليمن يشهد استنساخا واسع النطاق لشركات الأعمال في كافة المجالات من استيراد وتصدير وتجارة المشتقات النفطية والمراكز التجارية وغيرها من الأعمال التجارية المختلفة المرتبطة بالاستيراد والتصدير، في ظل ما شهدته البلاد من هجرة وتهجير لرؤوس أموال وتجار ورجال أعمال إلى الخارج.
ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ظهور فئات تجارية جديدة كونتها الحرب تديرها وتتحكم بها أطراف الصراع في صنعاء وعدن ومختلف المدن والمناطق اليمنية. وتحصل هذه الفئات على العديد من التسهيلات والمزايا التفضيلية في الاستيراد كما يقول السلامي، خصوصا في التجارة المتعلقة بالأزمة الغذائية والمشتقات النفطية والسلع، إذ احتكروا السلع الأكثر طلبا وربحا في الأسواق اليمنية.