تتزايد الاضطرابات الاقتصادية حدة في العالم، بموازاة تصاعد الضربات العسكرية التي تقوم بها روسيا خلال غزوها أوكرانيا، وصولاً إلى استهداف منشأة زابوريجيا النووية.
وتواصل أسعار السلع ارتفاعها الهائل، خاصة النفط والألومنيوم والقمح، حيث سجلت المواد الأولية أكبر ارتفاع أسبوعي لها منذ الأزمة المالية في عام 1974، وفقاً لموقع "بلومبيرغ" الأميركي. وتؤدي عزلة روسيا المتزايدة إلى خنق مصدر رئيسي للطاقة والمعادن والمحاصيل، مما يثير مخاوف من نقص طويل الأمد في السلع وزيادة حدة التضخم العالمي.
ويتجنب التجار والبنوك وملاك السفن بشكل متزايد التعامل مع روسيا بسبب صعوبة تأمين المدفوعات، بينما تلغي خطوط الشحن أو لا تتلقى الحجوزات من المنطقة. وقفز خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 20 في المائة هذا الأسبوع، حيث يتجنب المشترون العالميون الخام والوقود الروسي، مما أثار سباقًا على الإمدادات البديلة.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية من أن أمن الطاقة العالمي يتعرض للتهديد، وأن الإفراج المخطط عن احتياطيات النفط الطارئة من قبل الولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى الأخرى قد فشل في تهدئة مخاوف الإمدادات. وتوقع بنك جي بي مورغان أن ينهي خام برنت العام عند 185 دولاراً للبرميل إذا استمرت الإمدادات الروسية في التعطل، فيما تعدت الأسعار 112 دولاراً الجمعة.
وارتفع القمح إلى أعلى مستوى منذ عام 2008 وسط مخاوف عميقة من نقص عالمي حيث أوقفت الحرب الأوكرانية نحو ربع الصادرات العالمية من هذه السلعة. وارتفع الألمنيوم، أحد أكثر المعادن المتعطشة للطاقة، بنسبة 3.6 في المائة إلى 3850 دولاراً للطن في بورصة لندن للمعادن، وهو رقم قياسي جديد. ويقترب النحاس أيضًا من أعلى مستوى له على الإطلاق، وفقاً لـ"بلومبيرغ".
أدت الحرب وتداعيات العقوبات الأميركية والأوروبية الشاملة على روسيا إلى تقويض إمدادات البحر الأسود في وقت أصبحت فيه المخزونات العالمية من المواد الخام شحيحة بالفعل. تعد روسيا موردًا رئيسيًا للنفط الخام والغاز الطبيعي والحبوب والأسمدة والمعادن مثل الألومنيوم والنحاس والنيكل.
وتوقع تحليل أجرته "وحدة المعلومات الاقتصادية" EIU (إيكونوميست) أن يؤدي ما أفضت إليه الحرب الأوكرانية من ارتفاع أسعار النفط والعقوبات ضد روسيا إلى ضربة مالية كبيرة للاقتصاد العالمي، بحيث يتكبد ما لا يقل عن 400 مليار دولار هذا العام، وفقا لرأي خبراء "إيكونوميست". ومع أن النمو العالمي يتعرض بأسره لصدمة كبيرة، إلا أن الدول الأوروبية ستكون الأكثر عرضة للتداعيات الاقتصادية بسبب الغزو الروسي، بحسب الوحدة التي أشارت إلى أن ارتفاع أسعار السلع، وأساسا النفط، يشكل أخطر تهديد للاقتصاد العالمي، تليه العقوبات على روسيا والتي من شأنها أن تشل شرايين الحركة التجارية، وفقا لما أوردته صحيفة "إندبندت" البريطانية. كما من المرتقب أن تستمر أسعار السلع الأساسية في الارتفاع مع استمرار الصراع في أوكرانيا، لدرجة أن "الوحدة" رأت أن زيادة التكاليف والأسعار ستدفع التضخم فوق التوقعات السابقة بنحو 6 في المائة.
وأوضحت "إيكونوميست" أن ارتفاع الأسعار سيكون مدفوعا بثلاثة عوامل هي "القلق بشأن الإمدادات" و"تدمير البنية التحتية المادية"، إضافة إلى العقوبات التي تُفرض تباعا على روسيا.
ومن جهة الأسواق، علقت بورصة لندن التداول الجمعة في أسهم ثماني شركات لها صلات قوية بالنظام الروسي، تضاف إلى 27 شركة تم تعليقها الخميس، وهي شركات مرتبطة بقطاعات الطاقة والبنوك والنقل والاتصالات والتجارة وغيرها، بحسب "ذا غارديان" البريطانية.
وفيما هبط مؤشر فوتسي 100 الذي يقيس تداولات أسهم أكبر مائة شركة بريطانية في بورصة لندن، أكثر من 2.8 في المائة حتى ظهر الجمعة، تلونت أسواق الأسهم الاوروبية بالأحمر بهبوط تعدى الـ3 في المائة في معظمها بعد استهداف المنشاة النووية. ويقول المحللون إن المستثمرين في قلق استثنائي، ولا أحد يريد امتلاك الأسهم، وهم أصبحوا يتوقعون الأسوأ وذلك بعد تجاهل الغزو تماماً في 25 فبراير/ شباط بعد يوم واحد من الغزو حين تحركت الأسواق صعوداً.
وجعلت العلاقات التجارية بين روسيا والاتحاد الأوروبي صانعي السياسة الأوروبيين مترددين في فرض إجراءات صارمة على روسيا، وقد اختفى هذا التقييد إلى حد ما. ومع ذلك، لا تزال إجراءات تقييد صادرات الطاقة الروسية غير مطروحة على الطاولة، مما يعكس المخاوف في العواصم الأوروبية من أن العقوبات من هذا النوع ستدفع اقتصادات الاتحاد الأوروبي إلى الركود.
كما ستضر العقوبات بسلاسل التوريد من خلال تقييد طرق التجارة البرية والجوية والبحرية. وقالت وحدة المعلومات الاقتصادية في "إيكونوميست" إن التأثير سيؤدي إلى تفاقم الصعوبات الناجمة عن الوباء.