انعكاسات الحرب تزيد أوجاع الاقتصاد المصري العليل... تضخم وركود

06 أكتوبر 2024
منطقة تجارية بجوار سوق خان الخليلي وسط القاهرة، 24 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه القطاع الخاص غير النفطي في مصر تحديات اقتصادية كبيرة، مثل التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب التوترات الجيوسياسية، مما يزيد من صعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج وتراجع الطلب المحلي.

- تراجع أداء القطاع الخاص غير النفطي، حيث انخفض مؤشر مديري المشتريات إلى 48.8 نقطة في سبتمبر، نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف العملة، مما أدى إلى زيادة أسعار البيع رغم ضعف الطلب.

- تواجه الشركات تحديات إضافية مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والمياه وتعقيدات المنظومة الضريبية، مما يتطلب تدخل الحكومة والبنك المركزي لمعالجة التضخم وتوضيح السياسات الاقتصادية.

بينما بلغ القطاع الخاص غير النفطي في مصر حافة النجاة قبل شهرين، بعد مناورات للتأقلم مع تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والأضرار الناجمة كذلك عن الهبوط الحاد في سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي وتهاوي قدرات المصريين الشرائية، أطلّت نذر الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران في أعقاب العدوان الواسع على جنوب لبنان، واغتيال قيادات بارزة في حزب الله، على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ما يزيد من الضغوط التي يعاني منها الاقتصاد المصري العليل بالأساس.

يقول المحلل المالي في مجموعة النعيم المالية، هشام حمدي، إن حالة الحرب المندلعة حالياً في المنطقة، ستدفع الشركات في مصر إلى زيادة الإقبال على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج، خوفاً من تسبب استمرار الحرب في زيادة أسعار الشحن، أو قطع سلاسل الإمداد والتوريد، والبحث عن تمويل لمواردها بأي وسيلة، بما يضمن لها المحافظة على معدلات التشغيل.

يضيف حمدي لـ"العربي الجديد" إنه نظراً لوجود عدة سيناريوهات عن الحرب، تصب معظمها تجاه تطورها مخلفة آثاراً سيئة على المنطقة، فإن الشركات ستظل تواجه صعوبات عديدة، تتعلق بالتضخم وارتفاع الشحن وصعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج، مع تراجع الطلب المحلي.

ويشير إلى أن زيادة التضخم المدفوعة بزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والنقل في الفترة الأخيرة، أدت بالأساس إلى زيادة تكلفة الإنتاج في الشركات وبالتالي ارتفاع الأسعار، مؤكداً أن الزيادة المرتقبة في مصر في أسعار السولار والبنزين والتوجه نحو إلغاء الدعم النقدي، مؤشر على استمرار الزيادة بمعدلات التضخم، بما يدفع الشركات للتحوط في تسعير المنتجات، للحد من تأثير تلك الزيادات على أسعار السلع لدى الموزعين والمستهلكين، لضمان استمرار التشغيل، عند حدود الطلب المتراجع في الأسواق نتيجة تأثير التضخم على القوة الشرائية للمستهلكين. وأظهرت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، مؤخراً، أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 26.2% في أغسطس/آب من 25.7% في يوليو/تموز الماضيين.

وتأتي نذر الحرب المتصاعدة في المنطقة في الوقت الذي سجل فيه أداء القطاع الخاص غير المنتج للنفط تراجعاً مجدداً خلال سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن شهد الإنتاج أول توسع منذ ثلاث سنوات في أغسطس، وفق مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز غلوبال، الصادر يوم الخميس الماضي. فقد انخفض الإنتاج والطلبات الجديدة بأسرع وتيرة منذ شهر إبريل/نيسان الماضي، الأمر الذي أرجعته الشركات في المقام الأول إلى انخفاض الطلب من جانب العملاء، حيث تسارعت وتيرة الانخفاض في الأعمال الجديدة إلى أسرع مستوى في خمسة أشهر.

وسجل مؤشر مديري المشتريات 48.8 نقطة الشهر الماضي، أي أقل من المستوى المحايد البالغ 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، مما يشير إلى انخفاض ظروف الأعمال في شركات القطاع الخاص غير المنتج للنفط. وكانت القراءة هي الأضعف منذ إبريل، بعد أن شهد أغسطس أول نمو عند 50.4 نقطة منذ نوفمبر/شرين الثاني 2020.

وأشارت شركات كثيرة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار، مع ضعف الطلب الناجم بشكل رئيسي عن الأسواق المحلية. ويعود ارتفاع أسعار الإنتاج بشكل كبير إلى تسارع التضخم في تكاليف مستلزمات الإنتاج خلال الربع الثالث في الواقع، إذ شهد سبتمبر ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الإجمالية بأسرع وتيرة منذ مارس/آذار الماضي.

وأفادت كثير من الشركات بارتفاع تكاليف المواد الخام وضعف العملة، وارتفعت أسعار البيع بقوة استجابة لذلك، على الرغم من أن وتيرة الزيادة كانت أقل حدة مما كانت عليه في أغسطس. وخلال الشهر الماضي، ظلت ثقة الشركات في مستقبل النشاط التجاري على مدى الـ12 شهراً المقبلة إيجابية.

وجاءت نتائج مؤشر ستاندرد آند بورز متوافقة مع نتائج مؤشر بارومتر الأعمال التي رصدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، منذ أيام، حول توقعاته لنتائج الأعمال في القطاع الخاص، للربع الثالث من العام الجاري (من يوليو إلى سبتمبر)، مدفوعاً بتراجع مؤشرات الإنتاج والمبيعات المحلية والصادرات لكافة الشركات، واستمرار ارتفاع مدخلات الإنتاج بسبب المشكلات المرتبطة بالاستيراد، وحركة الملاحة في البحر الأحمر وارتفاع أسعار المنتجات النهائية.

وسجل بارومتر الأعمال تراجعاً في مؤشر أداء الشركات الكبيرة بنحو 12 نقطة عن المستوى المحايد، بما يظهر أن الانفراجة التي شهدتها الشركات خلال الفترة من مايو/أيار إلى أغسطس 2024، كانت مؤقتة وسرعان ما عادت الصعوبات للظهور مرة أخرى، أمام الشركات، بما أدى إلى تدهور مؤشر أداء الأعمال خلال الربع الثالث من العام.

رصد التقرير تدهوراً في قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والنقل والخدمات المالية والسياحة والاتصالات، وسجلت جميع القطاعات قيماً دون المستوى المحايد خلال نفس الفترة، باستثناء قطاع الاتصالات الذي ظل عند المستوى المحايد. وكشف عن التحديات المرتبطة بارتفاع التضخم، بما يجعله على قائمة المعوقات التي تعصف بكافة الشركات، يليها الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة والمياه، والتي زادت أسعارها مع توجه الحكومة إلى رفع الدعم كلياً عن الطاقة.

وأشار التقرير إلى المنظومة الضريبية كمعوق ثالث في قائمة المعوقات التي تواجه الاستثمار، بسبب استمرار ممارسات الفحص الضريبي لسنوات سابقة تتخطى المدة المقررة قانوناً وعدم إصدار اللائحة التنفيذية لضريبة الأرباح الرأسمالية، وفرض ضرائب على تكاليف التدريب في الشركات، رغم إعفاء القطاع بحكم القانون، وتحميل الشركات جزءاً من التكاليف التي تدفع من القطاع غير الرسمي بدون إصدار فاتورة إلكترونية.

وفي شهادات مديري الشركات، توقعوا ثبات أداء معظم المؤشرات وعدم تعافيها خلال الربع الأخير من العام الجاري والمتصلة بالإنتاج والمبيعات والصادرات ومستوى استغلال الطاقة الإنتاجية وأسعار المنتجات النهائية، مع استمرار ارتفاع أسعار المدخلات الوسيطة، في ظل توقعات بارتفاع أسعار الشحن والزيادة الجديدة في أسعار الطاقة محلياً. وأكدوا ضرورة توجه البنك المركزي والحكومة لمعالجة ارتفاع معدل التضخم، باعتباره على رأس الأولويات، لما لها من تأثير سلبي على كافة القطاعات، يليها حل مشكلات المنظومة الضريبية ووضوح توجهات السياسة الاقتصادية، وضمان وجود رؤية طويلة المدى حتى يتسنى للشركات وضع خطط مستقبلية تتسق مع توجهات الدولة.

المساهمون